د. رشا سمير تكتب: قضا أخف من قضا

مقالات الرأي



لاحظت أننى كنت من القلائل الذين انتظروا بيان الحكومة..الذى أعتقد وبكل بساطة أنه لم يكن بيانًا بقدر ما كان دعوة لأن نتذكر أن مصر مازالت بها حكومة!

الناس بالفعل كانت قد قاربت على النسيان.. فرئيس الحكومة صامت والوزراء يتخبطون..والتغييرات الأخيرة صورية..والحالة ضنك والشعب يئن..

الحقيقة المؤسفة.. أن الناس لم تنتظر البيان ولم تكترث حتى بأن تقرأ محتواه.. الحقيقة المُخجلة.. أن عدم إذاعة البيان كان سببًا واضحًا لخوف الدولة من الهرتلة السياسية التى بسببها لم تُذع جلسات البرلمان على الهواء حتى اليوم.

والحقيقة العارية.. أن الحكومة لم تعد تشكل أى أمل أو خلاص للمواطن المصرى..فهم يتحدثون والأسعار تزيد..فهم يوعدون والواقع يخلف..فهم يتصارعون والشعب ينهزم بالضربة القاضية.

كان البيان فرصة جيدة كى يتعرف المواطن على شريف إسماعيل، الرجل الذى يمكن أن نصفه وبكل ثقة بأنه رجل ريحه خفيف (يعنى من الآخر ماحدش حاسس بيه)!

أحتسب له دون تحيز قراءته المتأنية للخطاب ولغته العربية السليمة.. وأحتسب عند الله تلك الحالة من الملل والرتابة التى علت وجه النواب، وعدم الوضوح الذى خرج به البيان!

لكن الحكومة التى كانت ترتعد فرائضها طوال الأسابيع الماضية من مجرد فكرة رفض النواب للبيان، استطاعت أن تلعب كل الألعاب مع النواب..فمن الاجتماعات الجانبية واللقاءات الفردية وحتى الأحاديث الثنائية والوعود الاستثنائية.. لتخرج الصورة كى تتحدث عن نفسها.. مشهد النواب وهم يتهافتون على الوزراء للحصول على توقيعاتهم (الله أعلم على إيه؟) هى تلك الصورة المخزية التى تأذن بالعودة إلى الزمن البائد.. يستهل البيان بالتالى: «أن التعداد السكانى وصل لـ90 مليون نسمة، وهذا يشكل عبئاً على الاقتصاد المصرى»...ولماذا لم يشكل التعداد فى الصين والهند والبرازيل عبئا عليهم!

ويؤكد بشدة: «أن الحكومة ستعمل مع البرلمان على محاربة الفساد للقضاء عليه وتجفيف منابعه)).. «ده منابعه شكلها جاية من إثيوبيا»! استوينا أحاديث عن الفساد، الفساد يا سادة هو كل من استنفع منكم من منصبه دون أن يقدم شيئا للوطن.. لقد أصبح جليا أن الدولة ليست فى نيتها محاربة الفساد!. ويقول رئيس الوزراء: «إرضاء المواطن هو الهدف الأساسى لبرنامج الحكومة من تعليم وصحة»!..طبعا والدليل القاطع هو الإبقاء على وزيرى التعليم والصحة فى التعديلات الأخيرة..وزير التعليم الذى لا حس له ولا خبر ولا حتة طلة.. ووزير الصحة الذى تعامل بمنتهى الاستخفاف والتعجرف وأساء للأطباء فى قضية التعدى على طبيب المطرية وكان الواجب إقالته دون تفكير.. التعديلات لم تكن سوى التضحية بالبعض لبقاء الكل، وهى دائما وأبدا نفس الوزارات.

إن البيان يتحدث عن تطوير التعليم بلا خطة واضحة.. وعن النهوض بالاقتصاد دون طرح حلول حقيقية.. وعن عودة السياحة بلا أى أمارة!.. وعن محاربة الفساد بلا سقوط حرامى واحد.

مجرد وعود وكلمات مسترسلة لم تخرج عن كونها مسكنات لم تعد كافية بإدخال الأمل فى نفوس مواطنين يعانون كل يوم من غلاء فادح، وفساد محليات، وأزمة مرور طاحنة، وتعليم أجوف، ومهانة فى المستشفيات، وبلطجة أمناء الشرطة، وأكوام قمامة فى الشوارع.. أكد الرئيس أن حكومة شريف إسماعيل تعمل وبقوة.. ربما.. ولكن أين ما يلمسه المواطن فى الشارع من إصلاح؟

إن بيان الحكومة جعلنى أتذكر يوم طلبت فنجان قهوة فى حديقة النادى فجاء رديئا للغاية وحين أبديت استيائى رد الجارسون: يافندم لو حضرتك طلبته فى الكافيه اللى جنبنا حتعرفى الفرق؟..سألته: أكيد أفضل هناك؟.. فرد بكل ثقة: لأ، حتشكرى ربنا على ده، ماهو قضا أخف من قضا!.

كلنا نعلم أن التسلسل الطبيعى فى حالة رفض البرلمان لبيان الحكومة، هو أن الرئيس كان سيطلب من حزب الأغلبية تشكيل حكومة جديدة خلال 30 يوما وسيكون لها برنامج جديد يتم عرضه على البرلمان، فإذا تمت الموافقة عليه تتسلم الحكومة مهامها، وإذا تم رفضه «وهذا هو الاحتمال الأكيد نظرا لحالة الصراع المشتعلة تحت القبة» فسوف يُحل البرلمان وتعاد الانتخابات البرلمانية خلال 60 يوما.. مما يعيدنا إلى نقطة الصفر.. وزيد ماعتقدتش حيطلع أحسن كتير من عبيد!.. وهكذا قرر البرلمان أن يقبل البيان، وقرر الشعب أن يتعايش مع الحكومة، وقرر المواطن الغلبان أن يفوض أمره إلى الله.. لأن ببساطة ده قضا أخف من قضا!.