منال لاشين تكتب: أسرار معركة المحافظ والملياردير

مقالات الرأي



المعركة على وطن وليست شركة

■ معسكر طارق: البنك الأهلى اكتشف مؤامرة لسرقة مسئولى الشركة فى حال فوزنا بشراء الشركة

■ معسكر ساويرس: لدينا مكالمة هاتفية لمحافظ البنك المركزى ونائبه للتخطيط لإيقاف الصفقة

لو كانت المعركة الدائرة بين طارق عامر ونجيب ساويرس حول شركة مهما كبرت لما استحقت سوى سطور قليلة أو تقرير صحفى. ولكن معركة الملياردير والمحافظ فى حقيقة الأمر هى معركة وطن. وليست معركة على شركة. لأن نجيب ساويرس وأصدقاءه من نادى كبار أهل البيزنس يديرون معركة سياسية للسيطرة على الوطن، وإدارته على طريقة الشركات. وشعارهم إما أن أكسب من الشركة كل شىء أو نصفى الشركة أحسن.

فى هذه المعركة يبدو الأمر ظاهريا خلافا حول ملكية شركة سى آى كابيتال وهى شركة من نوع (بنوك الاستثمار) وتابعة لبنك سى آى بى وهو ثالث أكبر بنك فى مصر وأكبر بنك خاص فى مصر. ساويرس يتهم طارق عامر بأنه يعمل على إفساد شرائه الشركة وأنه أمر البنوك بعدم تمويل ساويرس ليشترى الشركة التى تقارب قيمتها نحو مليار جنيه. وفوق البيعة هناك اتهام بأن طارق عامر تجرأ على مساندة البنك الأهلى لشراء الشركة بدلا من ساويرس.

بالنسبة لنجيب ساويرس فإن المطلوب إخلاء السوق تماما من أى مال عام ومن كل رائحة للدولة، بالنسبة لساويرس فإن الجريمة الرئيسية هى محاولة البنك الأهلى (عبر إحدى شركاته) منافسة ساويرس أو أى رجل أعمال كبير فى البيزنس. المطلوب أن يعمل أهل القطاع الخاص وحدهم فى الساحة. تصوروا لا يجب أن ينافس بنوك أو شركات المال العام أهل البيزنس حتى فى ظل قواعد موحدة تطبق على الجميع. فأهل البيزنس يكتلون لمصالحهم، والآن يحاول خمسة من كبار رجال الأعمال إجراء صلح ولو ظاهرى بين نجيب وطارق.

وكواليس وقصص وتكهنات وشائعات وأسرار المعركة بين المحافظ والملياردير تكشف - إلى حد كبير - أنها بالفعل أكبر من حكاية خناقة على ملكية شركة، ولكنها معركة استحواذ على وطن.

1- تسريبات أم فبركة


لا تخلو معركة لساويرس من صوت عال ومعسكر أنصاره يدافعون عن أخطائه ويكيلون الاتهامات لخصمه. وفى قمة غضب ساويرس من طارق عامر قال الملياردير إن لديه دليلا على تدخل محافظ البنك المركزى فى صفقة شرائه لشركة سى آى كابيتال. بعض أعضاء معسكر ساويرس تولوا الشرح أو التأكيد على وجود الدليل. فى رواية مثيرة للدهشة يقولون إن الدليل هو تسريب مكالمة هاتفية. إذن نظام التسريبات وصل لصراع البيزنس، بعد أن كان حكرا على أهل السياسة. المكالمة المزعومة بين طارق عامر ونائبه جمال نجم. والمكالمة تكشف مخطط طارق عامر أو بالأحرى رغبته فى إفشال استحواذ ساويرس على صفقة سى آى كابيتال. ضعف هذه الرواية أن التسريب المزعوم لم يظهر من ناحية، وأن طارق عامر ونائبه يتقابلان يوميا فى مبنى البنك المركزى فلذلك لا توجد ضرورة لأن تتم المؤامرة أو المخطط على التليفون. والأخطر هل أصبح لدى ساويرس خريطة أصدقاء ممن يملكون القدرة على التسجيل والتسريب. فقد كان ساويرس من قبل أحد ضحايا التسريبات؟ هناك رواية أخرى أن ساويرس لا يملك دليلا أو يحزنون، وأنه يهدد فقط، وشخصيا أميل لهذه الرواية.

2- خطة سرقة القيادات

قصة التسريبات لم تكن المفاجأة الوحيدة فى معركة الملياردير والمحافظ. على الجانب الآخر أو فى المعسكر الآخر هناك قصة أكثر غرابة. رسميا سبب تراجع البنك الأهلى عن إكمال إجراءات شراء آى سى كابيتال معلن.

وهو رفض بنك سى آى بى لمد فترة فحص المستندات (ما يعرف بالفحص النافى للجهالة). ولكن ساويرس يزعم فى مقاله بجريدة الأخبار أن شكواه لرئيس الحكومة هى سبب تراجع الأهلى. ثمة رواية أخرى فى معسكر طارق عامر. فقد اكتشف بعض مسئولى البنك الأهلى أن هناك خطة لمواجهة فوز الأهلى بالشركة. هذه الخطة أن تقوم شركة بلتون بالتعاقد مع كل قيادات شركة سى آى كابيتال. وأن تقدم شركة بلتون المملوكة لساويرس عروضا مالية مغرية جدا لهذه القيادات. والهدف هو تفريغ الشركة من قياداتها حتى يفشل الأهلى فى إدارتها، لأن شركات بنوك الاستثمار تعتمد إلى حد كبير على كبار الموظفين فى الشركة. فهؤلاء الموظفون لهم عملاؤهم الكبار.وبحسب رواية أنصار طارق فإن هذه القصة كانت سببا آخر رئيسيا فى عدم الرغبة فى استكمال معركة الاستحواذ على شركة ضد ساويرس. بل إنها سبب فى تفكير بعض البنوك العامة فى بناء قدرتها الذاتية من الخبرات فى بنوك الاستثمار.

3- قصة القرض

فى ثورة غضبه على طارق عامر ادعى ساويرس أن المحافظ أصدر تعليماته لكل البنوك، والتعليمات بألا يحصل نجيب على قرض لتمويل صفقة شراء الشركة. وإذا كان لمحافظ البنك المركزى سيطرة على البنوك العامة، وذلك بوصفه رئيسا للجمعيات العمومية لهذه البنوك. فإنه من الصعب تصور أن يتصل المحافظ بالبنوك الأجنبية فى مصر ليحرضهم على مستثمر مصرى. ففى مصر بنوك بريطانية وفرنسية وعربية قوية وهى صاحبة قرار مستقل. ساويرس يحكى نص الحكاية. القصة أن محافظ البنك المركزى أصدر قرارا ملزما لجميع البنوك ويشمل جميع المستثمرين المتعاملين مع البنوك. القرار يحظر تمويل كامل صفقات شراء الشركات. وساويرس يريد أن يشترى الشركة بفلوس البنوك، ولا يريد أن يقوم بتحويل أقل من 150 مليون دولار لشراء الشركة. ولو فعل ساويرس ذلك لساهم فى تخفيف حدة أزمة الدولار فى مصر. ثروة ساويرس نحو 2.6 مليار دولار. وثروة بهذا الحجم لم تتأثر بمبلغ 120 أو 150 مليون دولار. ولكن ساويرس وأمثاله لا يرغبون فى تحمل أى ثمن أو تكلفة لتضخم ثرواتهم وشركاتهم. لا يريد ساويرس أن يلزمه طارق عامر بتمويل 50% من الصفقة من جيبه الخاص. وفى الغالب لا يريد ساويرس أن يلزمه أى مسئول بأى قاعدة.

4- دفاع قاتل

فى غضب ساويرس راح يهدد طارق عامر بإقامة دعوى قضائية. والدعوى بسبب قرار لعامر بقصر مدة رؤساء البنوك فى مصر لـ9 سنوات فقط. وتدخل نجيب بهذه الصورة الفجة المتجاوزة يفقد أصحاب القضية التعاطف. القرار سيطبق على عدد من رؤساء البنوك وأهمهم هشام عز العرب فى بنك سى آى بى وفتحى السباعى فى بنك الإسكان والتعمير. وقد تعامل أصحاب القضية برقى وحذر مع الملف.

وبالنسبة للقرار فأنا أعتقد أنه ظلم بعض رؤساء البنوك مثل عز العرب والسباعى. وقد نتفق مع هدف القرار فى منح فرصة لقيادات الصف الثانى من البنوك. ولكن المشكلة الرئيسية هو شبهة عدم قانونية القرار. والالتزام بالقانون هو أهم واجبات المسئولين. فالقانون يمنح المحافظ الحق فى الاعتراض على رئيس بنك لو ثبتت مخالفته لقواعد محددة. وهى قواعد سلامة أموال المودعين. وكان يجب أن يطلب طارق عامر تعديل القانون قبل إصدار هذا القرار

من ناحية أخرى، فإن القرار صدر فجأة وأحدث صدمة وارتباكا فى سوق البنوك، وهى سوق تجب أن تتسم بالاستقرار لا القلق والتوتر.

أما زعم نجيب أن سبب هذا القرار لطارق عامر هو صفقة سى آى كابيتال. فهو زعم بعيد عن العقل. لأن هناك أساليب متعددة للتنكيل برئيس بنك واحد، وذلك بدلا من تحمل تكلفة صداع التنكيل برؤساء 9 بنوك دفعة واحدة.

5- عقدة البنك

قد لا يتذكر الكثيرون أن معركة ساويرس مع طارق عامر ليست المعركة الأولى ضد محافظ بنك مركزى. سبقتها معارك لنجيب مع الدكتور فاروق العقدة. فنجيب تحكمه عقدة شرائه بنكا فى مصر. بدأت المشكلة عندما كان والده أنسى ساويرس يمتلك حصة فى بنك مصر إكستيلور. وتعرض البنك للخسارة الفادحة نتيجة الفساد وحوكم رئيس البنك بإهدار المال العام. وتدخل المركزى لحماية أموال المودعين وبيع البنك. ولكن أنسى وولده نجيب اعترضا. وطلب منهما المركزى تحمل الخسائر لتعويم وإنقاذ البنك، وكانت الإجابة الرفض. ومن يومها حاول نجيب ساويرس شراء بنك. وحاول العقدة إقناعه بالحسنى أن القانون المصرى لا يسمح للأفراد بشراء بنوك. بل يسمح للمؤسسات أن تشترى الحصة الأكبر من البنوك. ولكن ساويرس غضب وأدار حملة ضارية ضد العقدة. وقد ضاعف من غضب نجيب أن آل العائلة منصور قد استطاعوا شراء حصة من بنك. وعائلة منصور تنافس عائلة ساويروس فى قائمة أغنى أغنياء العالم.

فيما بعد حاول نجيب التغلب على عقدة البنك. فعرض شراء حصة من هيرميس (أكبر بنوك الاستثمار) ولكنهم رفضوا إدخاله فى الشركة من حيث المبدأ. فاشترى بتلون ومن بعدها صفقة آى سى كابيتال. ويسعى ساويرس إلى تكوين كيان يستحوذ على الحصة الأكبر فى أسواق المال. وبعيدا عن تعبير الأمن القومى، فإن حماية المنافسة ومنع الاحتكارات يجب أن تدفعنا إلى التروى ودراسة كل الاستحواذات الكبرى جيدا. وكان بيان لبلتون قد وصف الاندماج بين الشركة وآى سى كابيتال بأنه الكيان الأكبر فى السوق المصرية. وربما دفع هذا الحجم بعض جهات الدولة من التخوف من الصفقة وإمعان النظر فيها جيدا. ففى كل الدول الرأسمالية تدرس بعناية قرار الاندماجات التى ينتج عنها كيان كبير فى السوق أو محتكر، وذلك حرصا على المنافسة.

الآن الكرة فى ملعب وزيرة الاستثمار داليا خورشيد، وليس فى ملعب محافظ البنك المركزى فداليا المسئولة عن سوق المال. والحقيقة أن داليا فى موقف لا تحسد عليه. موقف أو بالأحرى اختيار لصلابتها وحيادها معا. لأن داليا كانت تشغل إحدى كبار المسئولين فى شركة ناصف ساويرس شقيق نجيب ساويرس.

تغوور مشروعاتك يا ساويرس

فى قرى مصر وصعيدها، فى تلك القرى حيث يرتفع الفقر إلى أكثر من 40%، وحيث يصبح الحصول على فرصة عمل أصعب من الحصول على خاتم سليمان. فى تلك القرى المنسية مثل شعبى يقول «يغوور المال اللى ما ينزه -يمتع- أصحابه».

ولكننى أعتقد أن ثمة طبعة أخرى لهذا المثل الشعبى الشهير، هذه الطبعة هى «تغوور المشروعات والاستثمارات التى تهين البلد وأهل البلد».

تغوور المشروعات التى يهدد أصحابها كل يوم والتانى بسحبها من مصر ونقلها لمدن ودول أخرى.

«تغوور» المشروعات التى تؤسس من دم الشعب وأمواله ثم تنقل بفعل رجل أعمال إلى الأجانب فى غمضة عين.

تغوور المشروعات والاستثمارات التى يظل أصحابها يعايروننا ويشتموننا نهارا، ويهددوننا ليلا بحرماننا منها، وكأنها الجنة ونعيمها، وكأنهم لم يحصدوا المليارات من أرباح دفعناها فى شكل مكالمات وفواتير وكروت شحن.

أنشأت موبينيل شركة المحمول الأولى من ضرائب المصريين وفلوسهم، وأطلقتها الحكومة المصرية، ثم فجأة حصد نجيب ساويرس الشركة دون منافسة أو مزايدة أو مناقصة، وحلف نجيب فى شهر العسل ألف قسم أنه لن ولم يفرط فى الشركة بالبيع، ولكن شهر العسل عمره قصير.

حين اختلف نجيب مع شركائه الفرنسيين دعا المصريين للجهاد ضد المستعمر الفرنسى، وللتوحد وراءه لإنقاذ مشروعه الوطنى، وحين اتفق معهم على سعر البيع، باع نجيب الشركة، ومؤخرا بيعت الشركة مرة أخرى وفقدت آخر دليل على أصلها المصرى، فقدت اسم «النيل» وأصبحت أورانج العالمية.

طوال احتفاظ نجيب بموبينيل كان يرد على أى مشكلة وأصغر مشكلة تقابله بالصراخ مهددا «مش هاستثمر فى مصر، أنا ماشى».

مرة ثانية تغوور المشروعات والاستثمارات المشروطة بتدليل المستثمرين حتى نصل بهم لمرحلة بيع المشروعات للأجانب بأمان تام.

منذ أعوام هدد ساويرس بأنه لن يستثمر مليما ولا جنيها فى مصر، لأن رئيس الحكومة عاطف عبيد رفض بيع آخر مصنع أسمنت حكومى لشقيقه. رحل عاطف عبيد، وجاء أحمد نظيف ليعيد تدليل عائلة ساويرس، وفجأة باع شقيق ساويرس كل مشروعات الأسمنت دفعة واحدة لشركة لارفاج. واستبدل الشركات بحصة ومقعد فى الإدارة فى الشركة الفرنسية.

كانت المفاجأة مدوية وصادمة وخاطفة إلى درجة لم يستطع المجتمع مع صدمته أن يقول لشقيق ساويرس تغوور مشروعاتك واستثمارتك إذا كان الهدف بيعها للأجانب.

منذ يومين أعاد نجيب الكرة وهدد بسحب استثماراته من مصر (بلاد الله واسعة). لمجرد مشكلة فى شرائه شركة.

فى الغالب لم يحتفظ نجيب بالشركة كثيرا. فى الغالب سيكرر نفس ما فعله مع موبينيل. سيحتفظ بالكيان حتى يكبر ويسمن ثم يبيعه، وسيضغط علينا بالتهديد كلما واجهته مشكلة، فى الغالب سيهددنا بتركنا عرايا بدون مشروعاته حتى إذا لم تحدث مشكلة. سيهددنا بأن بلاد الله الواسعة تفتح له باب الاستثمار.

أغلب الظن لم يتذكر نجيب أن أحد بلاد الله وهى كوريا الشمالية منعته من تحويل أكثر من 500 مليون دولار أرباحا دون أن يهدد أو يشكو أو حتى يفتح فمه. فالتهديد والوعيد من نصيبنا فقط.

فى الغالب ستستجيب الحكومة للتهديد والوعيد، وستصاب بالرعب من مجرد التلويح بأن نعيش بدون مشروعات واستثمارات ساويرس

فى الغالب لم تستطع هذه الحكومة أن تنطق بكلمة أن تدافع عن كرامتها أن ترد على اتهاماته. فى الغالب ستجتمع بنجيب لتصالحه ولتدلله.

ولكنها أبدا لم تقل له:

تغوور استثماراتك ومشروعاتك يا ساويرس.