تزييف التاريخ.. لعنة في الكتب الدراسية عمرها 100 عامٍ

العدد الأسبوعي

بوابة الفجر


بعد حذف اسم البرادعى من منهج الصف الخامس الابتدائى

يبقى التاريخ هو الشاهد الوحيد على حياة الأمم وحضاراتها، فهو كتاب مفتوح تسطر فيه حكاية كل أمة، وتوثق فيه الأحداث الفارقة فى حياتها، وتدون فيه سير عظمائها وعلمائها من الذين حققوا انجازات.

ورغم أهمية التاريخ إلا أن تزييفه أصبح آفة العصر.. هذه هى المفاجأة التى فجرها المؤرخون، كاشفين عن أن تزييف كتب التاريخ يتم بشكل «ممنهج» منذ مائة عام، عن طريق توجيه السلطة الحاكمة لواضعى الكتب، أو بالكتابة عن أحداث وشخصيات مازالت حية، بالإضافة إلى التوثيق دون الاستناد إلى وثائق تاريخية.

ربما واقعة حذف اسم الدكتور محمد البرادعى من كتاب اللغة العربية للصف الخامس الابتدائى، كانت آخر هذه الشواهد التى دلل بها المؤرخون على واقعية «تزوير كتب التاريخ» فى المدارس.

الأحداث التاريخية التى يتم تضمينها فى الكتب الدراسية لطلاب التعليم الأساسى تقتضى أن تسجل كما هى دون تحليل، ودون السماح للطالب بالدخول فى حالة من الجدل، هذا ما أكده الدكتور عاصم الدسوقى أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان.

أما التربية الوطنية – بحسب كلام الدسوقى، فهى علم بلورة الشخصيات والأحداث ووضعها فى إطار يرغب الطلاب فى الانتماء لوطنهم ورموزهم، وبالتالى فغالبا ما تقوم هذه المادة على سرد سير الشخصيات التاريخية بشكل يضفى عليه هالة من البطولة، وهذا مرفوض تماماً فى كتب التاريخ.

وأضاف: الخلط بين السياسة والتاريخ مرفوض تماماً، وللأسف وقعنا فى هذه الإشكالية منذ مائة عام، وهو ما تجلى فى التأريخ لثورة 1952 بعدها بعام، وهذا لا يجوز لأن إرهاصاتها كانت لا تزال مستمرة، أيضاً لا يجوز التأريخ لأشخاص وهم لايزالون على قيد الحياة، لأن ذلك يتسبب فى أخطاء كارثية فى ذكر حدث ما دون غيره، وإبراز شخصية ما دون غيرها، مثلما فعل السادات، الذى تعمد عدم ذكر دور الفريق سعد الدين الشاذلى فى حرب 1973 لخلافه معه، رغم دوره البارز فيها، وما إلى ذلك من أحداث شبيهة والتى كان آخرها اللغط الدائر بشأن الدكتور محمد البرادعى الذى حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2005، ومع ذلك لم يتم وضع اسمه فى المناهج الدراسية كشخصية مصرية وصلت للعالمية إلا بعد أن ظهر فى الصورة خلف الرئيس السيسى خلال ثورة 30 يونيو.

وأكد الدسوقى أنه لا يجوز تضمين الكتب الدراسية ثورة يناير وما تلاها من أحداث حالياً، لأن إرهاصاتها لا تزال مستمرة، وأخشى أن يتم تزييف أحداثها بناء على الاتجاهات السياسية للموثقين والمؤرخين.

كتاب التاريخ فى مصر يواجه ثلاث أزمات خطيرة فسرها الدكتور عبدالصادق عتيق، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، وهى اختلاف تفاصيل الحدث من مرحلة دراسية إلى أخرى، فالحدث فى المرحلة الابتدائية يختلف عنه فى الإعدادية والثانوية، وهذا يحدث نتيجة التلاعب بالأحداث بفعل هوى السلطة الحاكمة.

بالإضافة إلى عدم الاستناد إلى وثائق ومستندات لتوثيق الأحداث والشخصيات التاريخية رغم توافرها، ناهيك عن التوجيهات، بمعنى أن لجان إعداد كتب التاريخ غالباً ما يتم الاجتماع بها وإعطاؤها الملاحظات التى لابد من السير وفقاً لها، وهنا يقع الخبراء فى «خطأ» تاريخى لأنهم يدونون التاريخ وفقاً لأهواء السلطة، وليس وفقا للوثائق والوقائع الحقيقية.

هؤلاء المؤرخون- حسب الدكتور محمود إسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة عين شمس، يطلق عليهم «مؤرخى البلاط» أو «مؤرخى السلطة»، الذين يضربون عرض الحائط بالقواعد العلمية لكتابة التاريخ، فهم يشبهون المحامى الذى يدافع عن «مجرم» وهو على وعى كامل بأنه «مخطئ» وبهذا يكون مشتركًا معه فى جريمته، ولكن من أهم شروط المؤرخ أن يصبح قاضياً عادلاً حيادياً حتى لا يتم تصويره للأحداث أثناء كتابته حسب أهواء الحاكم أو أهوائه الشخصية.

إسماعيل قال: تزييف التاريخ أصبح آفة العصر، وهو ما نراه الآن متمثلا فى كتابة التاريخ بالكتب الدراسية الخاصة بمراحل التعليم الأساسى وما بعده، حيث تم كتابة التاريخ حسب الأهواء الشخصية وللتقرب من الحاكم- على حد تعبيره.

 وأضاف: منذ عدة أعوام تم استدعائى من قبل وزير التربية والتعليم لكى أشرف على كتاب الدراسات الاجتماعية الخاص بالصف الرابع الابتدائى وخاصة الجزء الخاص بالتاريخ، وعند إطلاعى على الكتاب تعرضت لصدمة كبيرة، لأن الكتاب كانت به اخطاء فادحة، وغير مرتب بالمرة فى التسلسل التاريخي، متابعاً: عندما تناقشت مع الوزير والذى كان معه صحبة من موجهى ومشرفى التعليم فى جميع أخطاء الكتب الدراسية، لكن ما حال تنفيذ القرار هو إقالة الوزير بعد أسبوعين تقريباً.

 واتفق معه الدكتور أحمد زكريا الشلق، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، قائلاً: للأسف التاريخ يكتب طبقاً للأهواء الشخصية، وهذه آفة لابد من التصدى لها، ولا يجوز التأريخ لأى حدث إلا إذا ما مر عليه على الأقل 20 عاماً، وهى الفترة التى حددها المؤرخون لاعتبار حدث ما تاريخيًا، وبالتالى فإن ثورتى 25 يناير و30 يونيو لا يندرجان ضمن الأحداث التاريخية.

ربما تكون هذه الإشكالية جزءًا من إشكالية أكبر- حسب ما أوضحه الدكتور كمال مغيث الخبير التربوى- قائلاً: للأسف نظام التعليم فى مصر فرع من فروع النظام السياسي، والدولة هى من تقرر سياسات التعليم، وهى من تعين وزير التعليم، وهى من تجلب خبراء لوضع المناهج، وبالتالى هى صاحبة النفوذ فى هذه العملية، فمن البديهى أنها لن تتوانى عن استبعاد من ترفضهم، حتى لو كان ذلك من أحداث التاريخ.

وأضاف: فى دول العالم المتقدم ينظر للتاريخ على أنه نواة لنجاح الإنسان، فالماضى وثيق الصلة بالحاضر والمستقبل، ففى ألمانيا على سبيل المثال، ستجد أن كتب التاريخ لم تغفل عن ذكر أى تفاصيل تخص الحربين العالميتين الأولى والثانية ولن تجد أى تناقض فى ذكر أى حدث، حتى فى أوقات الانتكاسات، وهم لا يدرسون التاريخ بإملاء الأحداث على الطلاب، إنما يدفعونهم دفعاً للبحث والتقصى عنها.