مى سمير تكتب: ولايات «تنظيم الدولة» فى أوروبا «2»

مقالات الرأي



بأسماء المنظمات.. قطر تموّل دواعش أوروبا

فى الأسبوع الماضى نشرنا تقريرا عن ولايات داعش فى أوروبا، استعرضنا من خلاله كيف تغلل التنظيم فى البلدان الأوروبية، عن طريق تجنيد خمسة آلاف مواطن أوروبى أثاروا الفزع فى القارة العجوز، وفى السطور التالية نستكمل تحليل الباحث الأمريكى سورين كيرن الذى نشره موقع معهد جيستون فى نيويورك، وهو أحد المعاهد البحثية المتخصصة فى أبحاث ودراسات التنظيمات الإرهابية.

1- التمويل القطرى
تحول عدد كبير من الدول الأوروبية إلى أرض خصبة لتجنيد أعضاء جدد لتنظيم داعش، وتدفق الإرهابيون الأوربيون لسوريا والعراق ووصلت أعدادهم لنحو عشرين ألفا عاد منهم بحسب تأكيدات شرطة الاتحاد الاوروبى 5 آلاف إرهابى أوروبى ينتمى لتنظيم داعش.

وبحسب معهد «جيستون»، فهذه البيئة المواتية للإرهاب الداعشى هى صناعة قطرية، وعلى ذلك نشر الموقع تقريرا عن التمويل القطرى لتيارات الفكر المتطرف فى فرنسا، إيرلندا، إسبانيا وإيطاليا. وأشار التقرير إلى أن المشروع القطرى الشهير لتمويل مشاريع تنمية الضواحى الفرنسية ووصلت قيمة الاستثمارات القطرية فيه إلى 50 مليون يورو، ووصفته الصحافة الفرنسية بحصان طروادة الذى يستهدف فى المقام الأول تمويل المنظمات والمساجد التى تروج للأفكار المتطرفة والإرهابية، وقد هاجمت الصحف الفرنسية المشروع واعتبرته إحدى علامات النفوذ القطرى على المشهد السياسى فى فرنسا.

أما فى إيطاليا، فعلى سبيل المثال قامت قطر بتمويل بناء مسجد ضخم تصل تكلفة بنائه ملايين الدولارات فى جزيرة صقلية فى إيطاليا ليكون هذا المسجد بمثابة المرجع الرئيسى لما يقرب من 1.5 مليون مسلم فى إيطاليا، وأضاف التقرير أن 60% من المساجد الإيطالية تسيطر عليها جماعة الإخوان مما يعنى سيطرة الفكر المنحاز للتطرف والإرهاب.

وفى إيرلندا، تبرعت قطر بـ800 ألف يورو لبناء مسجد ضخم فى مدينة كورك، وشهدت إيرلندا فى السنوات العشرين الأخيرة زيادة كبيرة فى أعداد المسلمين وأصبح الإسلام هو الدين الأسرع انتشارا فى إيرلندا، وبحسب جريدة إيرش تايمز فإن جماعة الإخوان هى العنصر الأكثر تأثيرا على المسلمين فى إيرلندا.

وفى فرنسا، يتلقى اتحاد المنظمات الإسلامية - أشهر الكيانات الإخوانية - تمويلا مباشرا من قطر، وقد تأسس الاتحاد فى الثمانينيات على يد التونسي «عبد الله بن منصور» والعراقي «محمود زهير، والاتحاد هو جزء من المجلس الإسلامى التابع للحكومة الفرنسية، ويضم 200 جمعية إسلامية منتشرة فى مختلف أنحاء فرنسا.

2- المعركة فى الأراضى الأوروبية
لم تكن الهجمات الإرهابية التى شهدتها بلجيكا دليلا على توغل داعش فى أوروبا فقط، لكنها عكست درجة كبيرة من التنظيم والدعم اللوجستى الذى تتمتع به خلايا داعش فى أوروبا.

وبحسب جريدة دى فيلت الألمانية فتنظيم داعش يسعى لنقل أرض المعركة من الشرق الأوسط إلى أوروبا خاصة مع اقتراب معركة الموصل التى قد تمثل كلمة النهاية لتنظيم داعش على الأقل فى العراق فى حالة خسارة هذه المعركة، كما تعكس هجمات بروكسل تطورا مثيرا للقلق فى أسلوب عمل التنظيم الذى لا يعتمد فيما يبدو على الذئاب المنفردة، ولكنه يؤسس لخلايا، ولوكانت قليلة العدد، للقيام بالهجمات الإرهابية.

هذه الخلايا، على عكس الذئاب المنفردة، تتمتع بالتدريب، الدعم اللوجستی، والتمويل المالی، وهذا ما اتضح بقوة فى هجمات بروكسل، فإلقاء القبض على صلاح عبد السلام أحد المشاركين فى هجمات باريس والذى اعترف بأنه كان يستعد لشن هجمات على بلجيكا لم يمنع من وقوع هذه الهجمات بل على العكس سارعت الخلية التى ينتمى إليها صلاح عبد السلام من أجل تنفيذ العمليات الإرهابية. تشير هذه التطورات إلى بداية مرحلة جديدة لداعش تحمل ملامح جديدة.

3- معركة الموصل
منذ منتصف العام الماضى ومع معركة تكريت التى انتصرت فيها قوات الجيش العراقى على ميليشيات داعش، وأغلب التحليلات السياسية تؤكد أن تكريت ما هى إلا الخطوة الأولى فى الطريق إلى المعركة الفاصلة الحقيقية فى العراق وهى معركة الموصل. وتعد مدينة الموصل المركز الرئيسى لتنظيم داعش فى العراق، وكان من المفترض أن تبدأ معركة الموصل فى الخريف الماضى ولكنها تأجلت ويبدو أن الأيام القادمة سوف تشهد تطورات حاسمة لهذه المعركة المرتقبة.

وخرجت تقارير صحفية عراقية منذ عدة أيام تؤكد أن قوات الجيش العراقى قد بدأت بالفعل المرحلة الأولى من عملية استرداد مدينة الموصل التى يسيطر عليها تنظيم داعش منذ عام 2014، وأعلن منها أبو بكر البغدادى تأسيس دولة الخلافة. وبحسب جريدة دى فيلت، فهذه التطورات قد تدفع تنظيم داعش للتحرك بسرعة لاستغلال مقاتليه فى الغرب بشكل عام وأوروبا بشكل خاص من أجل شن هجمات إرهابية تساعد التنظيم على نقل أرض معركته إلى أوروبا فى حالة خسارة الموصل.

وأضافت الجريدة أن تنظيم داعش يتحرك بذكاء وقوة وفى كثير من الأحيان يتغلب على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الغربية، لذا.. فمن الممكن تفسير تحركات داعش فى أوروبا باعتبارها تستهدف إثارة خوف الغرب من انتشار التنظيم فى حال خسارته لأرضه فى الشرق الأوسط الأمر الذى يدفع الغرب إلى عدم تقديم الدعم اللازم فى معركة الموصل من أجل القضاء على داعش، فبقاء التنظيم فى الشرق الأوسط يعنى ابتعاده عن الحدود الأوروبية.

4- الخلايا النائمة
ومن جانبه نشر موقع معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى تحليلا للهجمات الأخيرة فى بروكسل، أكد فيه أن هذه الهجمات تؤكد أن عصر اعتماد التنظيمات الإرهابية الكبرى على الذئاب المنفردة قد انتهى.

الذئب المنفرد، هو إرهابى أو شخص يتبنى أفكارا متطرفة يتم تجنيده عن طريق الإنترنت للقيام بأعمال إرهابية مثلما حدث فى تفجيرات ماراثون بوسطن على سبيل المثال.

ويضيف معهد واشنطن أن تفجيرات بروكسل أثبتت أن تنظيم داعش يعتزم التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية أكثر ذكاء وحنكة، فكل المتابعين لتطورات الأحداث يلاحظ كيف توسعت قدرات تنظيم داعش فى أوروبا فى العام الماضى.

والجدير بالذكر أنه بعد شن التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة لهجمات ضد أهداف تنظيم داعش فى أغسطس 2014، دعا المتحدث باسم الجماعة أبو محمد العدنانى أنصار التنظيم إلى تنفيذ هجمات إرهابية على أساس فردى تستهدف الغرب قائلاً: إذا قدرت على قتل أو ذبح كافر أمريكى أو أوروبى وأخص منهم الفرنسيين الأنجاس أو أسترالى أو كندى أو غيره من الكفار المحاربين رعايا الدول التى تحالفت على داعش، فتوكل على الله واقتله بأى وسيلة أو طريقة كانت.

وفى أعقاب هجمات شارلى إبدو فى بداية عام 2015 فى باريس، رفعت الأجهزة الأمنية الأوروبية حالة الاستعداد القصوی، وبالتحديد فى بلجيكا شنت القوات الأمنية حملات تفتيشية على المشتبه فى تورطهم فى أعمال إرهابية وفى تلك المداهمات عثرت الشرطة على أسلحة نارية أوتوماتيكية، وعلى متفجرات وأجهزة اتصالات متقدمة، إلى جانب هويات شخصية مزورة ومبالغ كبير من الأموال. مما يعنى أن هذه العناصر الإرهابية تتلقى دعما ماليا ولوجستيا كبيرا.

ووفقا لتقرير مكافحة الإرهاب الصادر عن جهاز الشرطة فى الاتحاد الأوروبى أظهرت هجمات باريس والتحقيقات اللاحقة تحولا من جانب تنظيم داعش لاكتساب طابع عالمى فى حملته الإرهابية. وأشار التقرير إلى أن التنظيم طور إدارة خارجية للعمليات تم تدريبها لتنفيذ هجمات على غرار تلك التى تقوم بها القوات الخاصة الدولية. وحذر التقرير من أن هجمات داعش سوف تستهدف فى المقام الأول إسقاط أكبر عدد من الضحايا المدنيين، وتأكدت تحذيرات جهاز الشرطة فى الاتحاد الأوروبى مع هجمات بروكسل الأخيرة والتى عكست قدرات تنظيمية كبيرة انعكست فى التحرك السريع للخلية لتنفيذ العمليات الإرهابية بعد يومين فقط من إلقاء الشرطة البلجيكية القبض على صلاح عبد السلام القيادى الإرهابى فى هذه الخلية والمتورط فى تفجيرات باريس فى نوفمبر،.

وشدد التقرير على أهمية تطوير درجات التعاون بين الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأوروبية مع نظيرتها الأمريكية من أجل التصدى لهذا التطور الكبير لعمل تنظيم داعش.

يذكر أن العمليات الكبرى الثلاث التى شهدتها أوروبا على مدار أكثر من عام بدءا من أحداث شارلى إبدو، مرورا بهجمات نوفمبر فى باريس وانتهاء بهجمات بروكسل هذا الشهر، كشفت عن انخفاض كفاءة الأنظمة الأمنية والاستخباراتية الأوروبية، وهو ما عبر عنه أحد مسئولى المخابرات الأمريكية عندما وصف رجال المخابرات ومكافحة الإرهاب فى أوروبا بالأطفال الذين لا يدركون حجم الخطورة التى تتعرض لها القارة.