د. رشا سمير تكتب: جسر من الثقة

مقالات الرأي



ربما أدركت الدول العربية أنه آن أوان الاتحاد.. وربما أدركت الدول العربية أن الخطر المُحدق بالمنطقة لسوف يطول الجميع مالم يتضامنوا.. وربما أدركت الدول العربية أن العدو المتربص بنا لديه ألف خطة بديلة للسيطرة على المنطقة وتقسيمها..

من هذا المُنطلق اتجهت أنظار العالم كله لزيارة العاهل السعودى لأرض الكنانة كحدث مهم وجلل..

فالعلاقة بين مصر والسعودية كانت وستظل أبدا هى علاقة تاريخية تكاملية إلزامية..

على الرغم من الضرر الذى وقع على المملكة بعد هبوط سعر برميل البترول والذى أثر سلبيا على كل دول النفط الموجودة بالمنطقة والذى بالقطع لم يخرج عن كونه ورقة ضغط من أمريكا لإخضاع الجميع ومعاقبة روسيا، إلا أن الأموال التى قام العاهل السعودى بضخها فى مشروعات مشتركة بين البلدين كانت خطوة صريحة تؤكد على شراكة إستراتيجية بين البلدين وليس مجرد استثمار بسيط.

وأنا هنا أؤكد لكل من تحدث عن الودائع كونها هبة أو تبرعا، على أن المشروعات التى تم التصديق عليها هى شراكة بين البلدين وأن الفائدة منها مشتركة لكون الزيارة تهدف فى الأصل إلى رسالة صريحة لكل الأطراف.

رسالة موجهة بوضوح إلى إسرائيل وتركيا وإيران وأمريكا وغيرها.

الرسالة مفادها أن الأمن القومى للمنطقة مسئولية عربية مشتركة وهو خط أحمر غير مسموح بمساسه، وتأكيد على أننا نحن العرب ضد التغلغل الإيرانى فى المنطقة..بالإضافة إلى أن الجسر الذى تم الاتفاق على بنائه سواء اكتمل بناؤه أو لم يتم نتيجة لعراقيل كثيرة طالما منعت بناؤه فى الماضى، إلا أنه سيبقى للتاريخ جسرا ممتدا للثقة بين البلدين.

لقد هزم الحكام العرب طويلا أوطانهم بالتسلط على كراسى الحكم وبقائهم جاثمين منتفعين من خيرات أوطانهم أعواما طويلة دون أن يدركوا حقيقة أن الشعوب طالها اليأس والغضب، ولسوف يأتى يوم الحساب.

واليوم بعد الثورات العربية تغير الوضع واستطاعت معظم شعوب المنطقة أن تختار حكامها وأن تُلقنهم الدرس جيدا..

فأصبح الحكام العرب اليوم فى موضع اختبار وعيونهم على الغضب الشعبى بحرص شديد.

ثم تأتى الزلة الوحيدة فى زيارة العاهل السعودى، الزلة التى أطاحت بكل الإنجازات والاتفاقيات والمكاسب..الزلة التى أحدثت حالة من اللغط واللغو والسخرية لا مثيل لها على مواقع التواصل الاجتماعى وهى اتفاقية ترسيم الحدود بخصوص جزيرتي صنافير وتيران..

التاريخ يؤكد أنهما مصريتان والمحللون يؤكدون أنهما سعوديتان وكان لمصر فقط حق حمايتهما، أما الواقع فيؤكد أنها خطوة إستراتيجية مدروسة قد يكون لها بُعد أعمق.

ولأن الحدث مهم ويخص الشعب المصرى فقد كنت أتمنى أن يقوم الرئيس بمخاطبة الشعب قبل الحدث وليس بعده، خصوصا أن الحدث مخالفة صريحة للمادة 151 من الدستور..المؤكد أن طريقة إخراج الحدث كانت خاطئة وتؤكد على عدم وجود مستشارين مخلصين للرئيس ولا للدولة.. فيبقى دور الحكومة والبرلمان.

كالعادة دور الحكومة مثل عدمه، فرئيس الوزراء يُصدق دون استشارة وزرائه، ويرحب بالفكرة دون اعتراض سابق ولا لاحق!.

أما دور البرلمان، فهو دور أشبه بالزفة أو بمولد السيدة زينب..رئيس البرلمان فى خطابه يبدو مهزوزا، متلعثما، يتصبب عرقا وكأنه مدرس ابتدائى جاءه مفتش من الوزارة على غفلة!..فخرجت كلمته ضعيفة متملقة، جعلتنا نترحم على أيام فتحى سرور (آه والنعمة)!.

أما النواب.. فحدث ولا حرج..أطلقوا الهتافات وأبيات الشعر والتصفيق الحاد، حتى وصل الحال ببعضهم أنهم أخرجوا أعلام السعودية ليلوحوا بها أمام الكاميرات.. والحمد لله أن الأمر اقتصر علي الهتاف والتصفيق بدلا من أن يصل إلى الرقص والتطبيل!.. وقد نُفاجأ بطلب رسمى فى الجلسة القادمة من النواب لاسترداد ثمن الأعلام!.. يا سادة فخلاصة القول.. أنه برلمان طيب الله ثراه وعوضنا عنه خيرا إن شاء الله!.

هل نثق فى رئيسنا؟ سؤال يجب أن نطرحه على أنفسنا..وإن كانت إجابته بنعم.. فدعونا نسانده وندعمه ونثق فى حنكته وإخلاصه ونستمع إلى مبرراته..

وهل يثق فينا الرئيس؟ إن كانت الإجابة بنعم.. فأرجوك يا سيادة الرئيس امنح الشعب صلاحية المشاركة والتشاور لأن مصر وطننا معا.. وابحث عن مستشارين لا يورطونك فى أخطاء قد تفتح مجالا للشامتين والحاقدين والمرتزقة..