أحمد فايق يكتب: هل يكره السيسى الإعلام المصرى؟

مقالات الرأي



صحافة الإخوان انفردت بخبر الجزيرتين.. والصحافة السعودية تنفرد بتفاصيل الصفقات الاقتصادية

■ تحدث فى قناة سعودية مشفرة مرتين ولم يظهر فى ماسبيرو ويجرى حوارا صحفيا أو تليفزيونيا فى كل دولة يسافر لها

■ 3 مشاريع لميثاق شرف صحفى فى رئاسة الجمهورية دون أن تتحرك خطوة واحدة

■ هو أكثر رئيس قابل صحفيين وإعلاميين فى تاريخ مصر لكنه أقلهم فى إتاحة المعلومات


قبل أن تقرأ المقال أو تصنفنى يجب أن أؤكد لك أننى أحتفظ بصداقتى لمجموعة من المخلصين فى رئاسة الجمهورية، بينى وبينهم شد وجذب لكن هناك دائما حدا أدنى من الاتفاق على حب الوطن، قبل أن تقرأ هذا المقال أو تصنفنى لقد تربيت فى مدرسة تنتصر لمهنة الصحافة قبل أى شىء، أشعر بالغضب وربما الثورة إذا عامل أحدهم مهنتى باحتقار، ولست أيضا من أبناء مدرسة أن الصحفى يمتلك وحده الحقيقة، قبل أن تقرأ هذا المقال هو ليس محاولة تاريخية لإثبات مصرية أو سعودية تيران وصنافير، بل صرخة مهنية وغضب لشعورى كمواطن بالتجاهل، لقد نلت شرف مقابلة رئيس الجمهورية منذ أكثر من عام، وجدت أن لديه شيئاً ما يقدمه لهذا الوطن، كان اللقاء ضمن مجموعة من الشباب وأطلق عليهم مجازا لقب «شباب الإعلاميين»، حاول البعض تصوير حقيقة الصراع فى مصر باعتباره صراع أجيال بين الإعلاميين، لكن بعد قليل اكتشف الجميع أن الموضوع يتجاوز صراع الأجيال إلى صراع إثبات وجود وبقاء للمهنة على قيد الحياة.

قبل أن تصنف هذا المقال.. أقر وأقسم بأن هناك مجموعة من الإعلاميين تفضل مصلحتها الشخصية على الوطن، أقر وأوقع أن لغة المصالح فى الإعلام المصرى تعلو فوق كل شىء، أقر بأن الإعلام فيه فساد وغياب للمهنية.

عزيزى الرئيس عبد الفتاح السيسى... تحية طيبة وبعد

عليك أن تضع نفسك مكانى.. وأنصحك بألا تفعل هذا كثيرا حتى لا تنفجر فى وجه أحد...

أنا صحفى أحاول اتباع كل القواعد المهنية التى تعلمتها، لست غاويا لنوعية الأخبار التى تفرّق المصريين، أقدم برنامجا فى التليفزيون اسمه «مصر تستطيع»، أقابل العلماء المصريين فى الخارج أحاول الاستفادة منهم لصالح الوطن، مسئول عن رئاسة تحرير برنامج «صاحبة السعادة»، أعمل بقوة مع فريق عمل البرنامج على تأكيد الهوية المصرية، يعتبر الكثيرون أن ما أفعله هو الإعلام الهادف الذى يحتاجه المصريون.

أثق تمامافى بياناتك أصدق كلامك، لدى يقين بأنك تخشى على الوطن وتعمل من أجله، ضع نفسك مكانى.

قرأت خبرا فى موقع «رصد» الإخوانى نقلا عن مصادر داخل حكومة شريف اسماعيل قال إن مصر باعت جزيرتى تيران وصنافير للسعودية مقابل مليارى دولار سنويا و25% من حصة البترول أو الغاز فى الجزيرتين، وأن الملك سلمان قادم إلى مصر لتوقيع الاتفاقية، ثم قرأت نفس الخبر بعدها فى «الأهرام الكندى» الإخوانى أيضا، تبعهما عشرات من التحليلات فى وسائل الإعلام الإخوانية.

لقد سخرت حينما قرأت الخبر، وحينما يسألنى أحد كانت الإجابة «معقول حاجة زى كده بدون ما نعرف طيب على الأقل تمهيد معقول يعنى الإخوان ليهم مصادر فى دوائر السلطة القريبة كده».

طوال 24ساعة لم أفعل شيئا سوى السخرية من هذا الخبر واعتباره قادما من كوكب المريخ، مثله مثل نوعية أخبار تعودنا عليها مؤخرا من نوعية «مرسى راجع» وتعاملنا مع من يكتبها بأنه مصاب بمرض عقلى.

فى اليوم التالى بيان رسمى عن توقيع اتفاقيات بين مصر والسعودية وعلى استحياء شمل البيان جملة واحدة فقط حول ترسيم الحدود بين البلدين، هنا بدأت أشك وسألت كل مصادرى الصحفية حول حقيقة هذا الكلام، ولى فى هذه المهنة أكثر من 17 عاما، أى لدى قاعدة مصادر فى معظم اماكن اتخاذ القرار فى مصر، تحدثت إلى معظمهم ولم يجبنى أحد ولم يعطنى معلومة واحدة، وعلى الرغم من أن القضية بدأت تثار على السوشيال ميديا، إلا أن يقينا ما بداخلى يؤكد بأنه من المستحيل أن يفعل الرئيس عبدالفتاح السيسى هذا دون تمهيد، كنت أدعى بأننى أفهم طبيعة الرجل لكن ثبت أننى جاهل، فهو دائما يستخدم تكنيك جس النبض قبل اتخاذ أى قرار حيوى، يلقى الخبر مرة واثنتين وثلاث فى وسائل الاعلام، ينتظر تقارير تقدير الموقف التى تجعله يتخذ القرار أم لا، لقد فعل هذا حينما رفع أسعار البنزين، وحينما عقد رئيس الحكومة شريف اسماعيل لقاءات مع إعلاميين ونواب قبل بيان الحكومة على مجلس النواب، حاول جس النبض تجاه موجة جديدة من رفع أسعار الخدمات الأساسية، وردود الفعل كانت سلبية فتأخرت القرارات، لقد استخدم السيسى أسلوب جس النبض منذ ثورة 25 يناير حينما كان رئيسا للمخابرات الحربية، فلم يتم اتخاذ قرار دون تسريب إلى الرأى العام، ولم يتم ترشيح حكومة جديدة دون جس نبض، اعتبرنا أن هذا نوع من الذكاء فى التعامل مع الإعلام والرأى العام، وفيه احترام للمصريين.

نعم استبعدت تماما أن يوقع الرئيس على اتفاقية مثل هذه دون أية مؤشرات، الموضوع بدأ فى التفاعل على السوشيال ميديا بشكل أعنف، ملايين المصريين يسألون ولا يجيبهم أحد، فى ذات اليوم تلقيت إيميلا فيه بيان صحفى من السفارة السعودية بالقاهرة بيان محترم فيه كل الاستثمارات السعودية المتوقعة فى مصر مرفق به انفوجرافيك وتوزيع الاستثمارات جغرافيا، هذا البيان سبق البيان الحكومى المصرى وسبق تصريحات المتحدثين الرسميين وبوقت كبير، نفس بيان السفارة السعودية وصل إلينا متأخرا ساعة لأنه كان ضمن معلومات نشرات أخبار «العربية» ومعظم القنوات السعودية الأخرى.

نحن هنا نتحدث عن طريقة منظمة فى التعامل مع الإعلام ومعلومات لدى وسائل الإعلام السعودية وفى مصر نحن نكتفى بمطاردة مصادر الأخبار دون رد من أحد وكأننا نتسول حقنا الدستورى فى المعرفة.

حتى هذه اللحظة لم أضع احتمالا واحدا باتخاذ قرار خطير مثل هذا دون أن يعرف الإعلام المصرى، لكن نشر الخبر على الحياة اللندنية وهى جريدة سعودية قريبة جدا من السلطة وتصدر من لندن، أكد لى أن الدخان وراءه براكين من اللهب، حاولت التواصل مع المصادر، ظهر أحدهم معى وأعطانى جملة مقتضبة تحمل ألف معنى لا تؤكد أو تنفى.

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعى ومصادر الأخبار فى عطلة أصيبت بالصمت وربما بالخرس، لقد ظل ملايين المصريين منتظرين أن يمن عليهم أحد بمعلومة تخصهم بدلا من أن يعرفوها من الخارج.

لقد صدق خبر مواقع الإخوان وكان دقيقا وهذا يعنى أن صحفيى الإخوان أكثر قربا لمصادر الأخبار من الصحافة الوطنية، ويخترقون الحكومة ودوائر صنع القرار، هنا كدت أن أنفجر، فالإعلام المصرى رغم كل عيوبه قدم تضحيات كثيرة من أجل 30 يونيو ودفعنا الثمن شهداء من إخوتنا وعلى رأسهم سيد شباب الثورة الصحفى الراحل الحسينى أبوضيف، لقد قدم حياته للوطن مثل الجندى الذى استشهد فى سيناء.

لقد قرأنا فى صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية أن مصر أبلغت إسرائيل بالاتفاقية وإسرائيل وافقت عليها، لقد عرفنا من البيان الحكومى المصرى الذى خرج رغما عنها أن المفاوضات تدار منذ عام.

هل نحن هنا نتحدث عن إدارة ملكية خاصة أم ملكية عامة؟

لقد خسر السيسى والحكومة والبرلمان فى هذه المعركة، وهم مطالبون بحل الأزمة، لم يعد يشغل الرأى العام الآن ملكية الجزيرتين أو حيازتهما بل يشغلهم لماذا تتعاملون معنا هكذا؟

لماذا تمنعون المعلومات؟

هناك ألف سؤال مهنى أريد توجيهه للرئيس وأصدقائى فى مؤسسة الرئاسة.

لماذا يجرى الرئيس حوارا صحفيا أو تليفزيونيا فى كل زيارة يقوم بها للخارج ولا يفعل هذا مع الصحافة المصرية؟

لماذا لا تتم المعاملة بالمثل وتطلب الرئاسة من أى ملك أو رئيس يزور مصر عمل حوار مع الصحافة المحلية؟

ما مصير 3 مشاريع ميثاق شرف إعلامى تقدم بها إعلاميون لرئاسة الجمهورية من فئات مختلفة؟

إذا أخطأ الصحفى فإنه يغرّم ويسجن وإذا حجب مسئول معلومة عن الرأى العام فما عقابه؟

لماذا تحدث الرئيس مرتين فى قناة «أوربيت» السعودية المشفرة ومرة واحدة فى «القاهرة والناس» الخاصة ولم يتحدث مع المصريين فى تليفزيون الدولة؟

لماذا أصبحت كل المعلومات فى الدولة أمنا قوميا وكشفها يستفز قوى الشر؟

لماذا تنفرد دائما صحافة الإخوان بالمعلومات من قلب نظام 30 يونيو؟

لماذا كانت المعلومات فى الصحافة الإيطالية أكثر دقة عن المصرية فى قضية ريجينى؟

لماذا لا نستمع لأحد إلا حينما ينفجر الوضع الداخلى؟

ويتبقى السؤال الصعب.. هل يكره الرئيس السيسى الإعلام المصرى؟...

التجربة العملية تقول إن السيسى هو أكثر رئيس جمهورية فى تاريخ مصر قابل صحفيين وإعلاميين فى قصر الاتحادية، وينتهى دائما كل لقاء بتشكيل لجان لوضع ميثاق شرف صحفى واقتراحات بضوابط تحدد العلاقة بين الدولة والإعلام، تنضم إلى سابقاتها من الأوراق التى لم تنفذ حتى الآن.

هل تستفيد الرئاسة من حالة الفوضى فى الإعلام؟

أم أنها تتضرر إذا رأى بعضهم أنهم يستفيدون من الفوضى فهذه كارثة، الفوضى دائما تنقلب للضد، البعض يهاجم السوشيال ميديا ويعتبرها قنبلة لتفجير مصر، ألا يعرفون أنها المكان الوحيد الذى يمارس فيه المصريون حريتهم كاملة؟

هناك تجاوزات نعم، لكن الدولة هى المسئولة عن حالة الفوضى، لأنها لم تضع قواعد فى الإعلام ولم تضع قواعد منظمة لحرية تداول المعلومات، هى تضع فقط قيودا على التظاهر وإبداء الرأى، فأين يذهب الشباب بطاقتهم التى تكفى لبناء أو هدم وطن؟

أعلم أن كلامى قاسٍ على بعض من أعرفهم، لكن ميثاق شرفى المهنى يؤكد أننى أعمل لدى من يقرأ ما أكتبه، فالقارئ هو رئيسى وصديقى وسيدى ولا أستطيع أن أخفى عنه الحقيقة.