سيناريوهات البرلمان في التعامل مع أزمة "تيران وصنافير"

تقارير وحوارات

أرشيفية
أرشيفية


بحكم الدستور، أصبح البرلمان مسؤولًا عن مناقشة الاتفاقية المتعلقة بوضع جزيرتي تيران وصنافير، والمتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتي أحدثت جدلًا كبيرًا في الشارع المصري، انعكس بدوره على التفاعلات داخل البرلمان. ولذلك يقع على البرلمان مسئولية مناقشة الاتفاقية، وإقرارها أو رفضها، وأيضا إقناع الرأي العام المصري بحيثيات هذا القرار.

 وتنص المادة 151 من الدستور على أنه "يُمثِّل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية ويبرم المعاهدات، ويُصدِّق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور. ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف، وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة. وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أية معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة". 

 وبالتالي فإن مجلس النواب هو صاحب الحق الأصيل في الموافقة أو الرفض على اتفاقية ترسيم الحدود وغيرها من الاتفاقيات التي أُبرمت بين المهندس شريف إسماعيل رئيس وزراء مصر وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أي أن اتفاقية نقل تبعية الجزيرتين إلى المملكة العربية السعودية ليست نافذة حتى الآن إلا بعد تصديق مجلس النواب عليها. وهو ما يُلقي المسؤولية النهائية على المجلس في تحسين الأجواء المرتبطة بالاتفاقية في الداخل وبين الدولتين، سواء بامتصاص حالة عدم الرضا التي سيطرت على بعض أفراد الشعب المصري في حالة موافقته على الاتفاقية، أو بإقناع الطرف السعودي في حالة رفضه الاتفاقية حتى لا تتجمد باقي الاتفاقيات الموقعة بين البلدين.

ويؤكد المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، أن قدرة مجلس النواب على الإدارة الناجحة لهذه القضية يتطلب توصيل البرلمان رسالة واضحة بأن قراره سواء بالرفض أو بالقبول كان قائمًا على دراسة علمية دقيقة لكل بنود الاتفاقية والوثائق التي قامت عليها، ويتطلب ذلك الاستعانة بكافة النتائج التي تصل إليها لجانه التي يعقدها، والمناقشات التي تجري خارجه، مع السماح بمشاركة كل من لديه وثائق تتصل بقراره النهائي.

محاذير أمام البرلمان
وضع المركز عدة محاذير أمام البرلمان، منها؛ أن أيّ من الموقفين اللذين قد يتخذ أحدهما مجلس النواب، سواء القبول أو الرفض للاتفاقية، يتطلب تدقيقًا وتعميقًا بصورة علنية، وذلك لأن التعجل والمفاجأة في اتخاذ القرار وعدم عرض كل ما يتطرق إليه المجلس من وثائق وخرائط على الرأي العام قبل جلسة التصويت العامة على الاتفاقية، قد يزيد من حالة عدم الرضا لدى بعض المصريين عن أداء البرلمان.

ويشير المركز إلى أن ذلك أعطى بعض المؤشرات المتعلقة بكيفية إدارته لهذه القضية، ومنها: المواقف المسبقة التي أعلن عنها عدد كبير من النواب قبل الاطلاع على بنود الاتفاق، حيث أعلن عدد من النواب عن تأييدهم لقرار الحكومة بشأن الاتفاقية، بل وصل الأمر إلى قولهم بمقاضاة عدد من الرافضين. وهو ما أعطى صورة سلبية لدى البعض عن مدى جدية تعامل البرلمان مع الأزمة قبل قراره بشأن الاتفاق، إضافة إلى المواقف المعلنة التي تناقلتها وسائل الإعلام عن بعض نواب ائتلاف "دعم مصر" بعدم تكرار سيناريو التصديق على قانون الخدمة المدنية؛ وعقد الائتلاف سلسلة من الندوات حول الموقف الرسمي للائتلاف، والتي شكلت رسائل سلبية لدى الرافضين للاتفاق.

سيناريوهات التعامل
حدد المركز سيناريوهات تعامل البرلمان مع مسألة الجزيرتين، موضحًا أنه من المحتمل أن تنتقل حالة المبارزة بالوثائق والخرائط التي حدثت على صفحات التواصل الاجتماعي بين الموافقين والمعارضين على الاتفاق إلى ساحة مجلس النواب، خاصة في الجلسات التمهيدية التي قد يعقدها المجلس قبل جلسة التصويت العامة على الاتفاق.

ويؤكد المركز أنه "في إطار التجربة العملية للمجلس حتى الآن، هناك العديد من المسارات التي من الممكن  أن يأخذها التصويت على اتفاقية ترسيم الحدود"، ومنها:

- سيناريو انتخاب رئيس المجلس، وهو يعني اتفاق جميع أعضاء "ائتلاف دعم مصر" وعدد من النواب الحزبيين على تمرير الاتفاقية، باستثناء نواب ائتلاف 25-30 وبعض المستقلين وبعض النواب الحزبيين. وهذا قد يمثل السيناريو الأرجح، لكن لكي يكون مقبولًا  بشكل واسع لدى الرأي العام فيجب أن يقوم البرلمان قبل التصويت بعقد لجان من خبراء ومتخصصين تُعلن ما تتوصل إليه لحسم الصورة أمام المواطنين، مع الاستعانة بكل من لديه مستندات ووثائق من الرافضين للاتفاقية من خارج البرلمان، وضمهم للجان وفقًا لما تؤكده اللائحة الداخلية للمجلس التي تقر باستعانة المجلس بخبراء من خارجه. 

ومن الناحية الدستورية، فبموافقة البرلمان  تصبح اتفاقية ترسيم الحدود نافذة؛ لأن موافقة مجلس النواب تُعتبر تصديقًا عليها، وبالتالي لا تتطلب استفتاء من قبل الشعب، لأنه في هذه الحالة يعتبر البرلمان توصل يقينًا إلى ملكية الجزر للسعودية والإدارة كانت فقط مصرية. وفي  هذه الحالة، تطبق الفقرة الأولى من المادة (151) من الدستور التي تفسرها المادة (157) والمادة (1) من الدستور، حيث يقران بأن "رئيس الجمهورية يدعو الناخبين للاستفتاء في المسائل التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وذلك بما لا يخالف أحكام الدستور التي تعني -وفقًا للمادة الأولى- جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة، موحدة، لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء عنها.

- سيناريو التصويت على قانون الخدمة المدنية، وهو الأقل ترجيحًا، ويعني حدوث انقسامات داخل ائتلاف "دعم مصر"، وعدم قدرة الأحزاب الكبيرة من السيطرة على نوابها، تنتهي برفض الاتفاقية. وهذا السيناريو يتحقق إذا تزايد معدل انعكاس الخلاف الموجود في الشارع على البرلمان، ولم يحسم حتى الجلسة العامة المقرر فيها التصويت النهائي على الاتفاقية. وفي حالة رفض الاتفاقية -وفقًا لهذا السيناريو- لا يُجرى استفتاء شعبي أيضًا، لأن الاتفاقية في هذه الحالة تصبح غير نافذة.