د. رشا سمير تكتب: الهند بين أحضان قاهرة المُعز

مقالات الرأي



لو تعانقت القاهرة ونيو دلهى لأصبح بإمكنهما أن يُغدقا على العالم ألف عام من المعرفة والثقافة.. لو التقى نهر النيل ونهر الجانج لانفتح فى قلب العالم مجرى للفنون والحضارة.. لو التحمت قمتا جبل الهيمالايا وجبل سانت كاترين لتغيرت خارطة العالم وأصبح للقمة مكان واحد هو تاريخ البلدين..

منذ أيام افتتح السيد سفير الهند سانجاى باتاتشاريا مهرجان الهند على ضفاف النيل 2016 بالكلمات التالية:

(بدأت العلاقاتُ بين مصر والهند منذ آلافِ السنين.. لقاءاتٌ وحواراتٌ نمت إلى مستوى الصداقة بين هذين البلدين اللذين تفصلُ بينهما البحارُ، ولكن تجمعُ بينهما العلاقاتُ المتبادلةُ والتى وضعَ أساسهَا التجارُ والرحالةُ والشعراءُ والفلاسفةُ والحرفيون والفنانون. كان هناك تبادلٌ بين الجانبين، ليس فقط فى مجالِ السلع والخدمات، ولكن أيضًا فى الأفكارِ والأحلامِ.. اليوم ومع بزوغِ عصرِ جديدٍ، فإننا نواصلُ تلكَ العلاقاتِ التاريخيةِ من خلالِ عقد هذا المهرجانِ الثقافى السنوى والذى يعكسُ التنوعَ الثريِ لأمةٍ تتمتعُ بتراثٍ مهمٍ وتتطلعُ لخلقِ مستقبلٍ مشرقٍ).

كان لى شرف حضور افتتاح هذا المهرجان الرائع الذى تحرص على إقامته سفارة الهند كل عام فى بيت السفير وبحضور زوجته ولفيف من أبناء الشعبين معا..

حقق المهرجان فى السنوات الماضية نجاحا كبيرا وأظهر حرصا شديدا من الجانب الهندى على الظهور بشكل يليق بحضارة القاهرة وبالعلاقة الطويلة بين البلدين..

لفت انتباهى التكريم الذى قام به السفير وزوجته لمجموعة من السيدات المصريات اللاتى أثرن فى المجتمع المصرى بإيجابية شديدة مما جعلهم يطلقون على الاحتفالية عنوان Women of substance، كما قام بتكريم مجموعة أخرى من الشبابِ الذين يعتبرون محرك التغير الاقتصادى والاجتماعى فى مصر.. الحقيقى أن الأسماء المُكرمة تدل على متابعة جيدة من الجانب الهندى للحراك الاجتماعى فى القاهرة.. والأكيد أن وراء الاحتفال مجهودا لا يستهان به من قبل العاملين بالسفارة.

هبطت الطائرة فى مطار القاهرة لتنزل فرقة بوليوود الإستعراضية مرتدية الملابس المزركشة الزاهية لتبعث بهجة فى المكان وتقدم عرضا استعراضيا خلابا يليق بالقاهرة وحضارتها..

يمتد الاحتفال بتقديم 21 فعالية فى كل أرجاء قاهرة المعز من القاهرة إلى الإسكندرية ومرورا ببورسعيد والإسماعيلية وبنى سويف وأسوان وشرم الشيخ..

ويقام المهرجان بالتعاون بين السفارة الهندية فى القاهرة ووزارتى الثقافة والسياحة ودار الأوبرا المصرية ومكتبة الإسكندرية.. إن المهرجان بكل الأحوال قادر على بعث الروح فى السياحة المُحتضرة فى مصر..

والمؤكد أن هذا الاحتفال الضخم لو تم إلقاء الضوء عليه بشكل جيد لأصبحت رسالة إيجابية نرسلها إلى العالم من قلب القاهرة وهى دون شك رسالة أقوى بكثير من الرسالة التى أرسلها فنانونا من شرم الشيخ وقامت كل القنوات الفضائية بتغطية فعاليتها!.

شعرت بالأسف الشديد عندما قام السيد سفير الهند بدعوة وزير الثقافة على المسرح لتكريمه ولم يكن وزير الثقافة موجودا، فكان الطبيعى أن يقوم بدعوة أى شخص من وزارة الثقافة لاستلام درع التكريم، ولا حياة لمن تنادى!.. ببساطة لأن وزارة الثقافة بكامل هيئتها كانت غائبة عن الحدث!.

وجاءت الطامة الكبرى حين تم استدعاء وزير السياحة على المسرح أيضا لتكريمه.. وبدا أنه كان غائبا بالمثل عن الحدث.. لا هو ولا أحد يمثله من وزارة السياحة.. وكأنهم يقيمون المهرجان فى زنزبار.. وكأن الوطن المعنى ليس وطننا!.

أتمنى أن يقوم المسئولون بكلتا الوزارتين لتبرير هذا الغياب الذى يعد تنشيطا حقيقيا وهاما للسياحة..

متى يعلم المسئولون فى مصر أن مسئوليتهم تجاه الوطن فى هذا الوقت الحرج سيف على رقابهم وتركة ثقيلة سيسألهم التاريخ عنها يوما ما..

وهنا لا يفوتنى أن أقوم بشكر كل من الوزيرة غادة والى والوزير الأسبق منير فخرى عبد النور على حضورهما لتأكيد الحرص من الجانب المصرى على التواجد..

الشكر واجب لسفارة الهند فى القاهرة ودولة الهند الشقيقة والمركز الثقافى الهندى (مولانا آزاد) وشركة (تيم ورك) الهندية للفنون الترفيهية على هذا الجهد الكبير المبذول فى وقت عصيب من تاريخ مصر..

إنها دعوة لتلتقى الحضارات.. دعوة للتغلب على الإرهاب بالفنون والثقافة.. دعوة لعودة السياحة إلى القاهرة.. ودعوة لكل مصرى للمشاركة بالمهرجان..