تاريخ حرية الصحافة مع الرؤساء.. من استغلال "عبدالناصر" حتى تقييد "السيسي"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


ثورة من الغضب شهدتها نقابة الصحفيين، بعد أن اقتحمت قوات الأمن مقر النقابة، والقاء القبض على الزميلين عمرو بدر، رئيس تحرير موقع البداية الإلكتروني، ومحمود السقا، واللذان كانا يعتصمان منذ أيام في بهو النقابة، اعتراضاً على ملاحقات الأمن لهم وتفتيش منازلهما في فترة غيابهم، لاتهامهم بالتحريض على خرق قانون تنظيم حق التظاهر والإخلال بالأمن ومحاولة زعزعة الاستقرار بالبلاد، على خلفية المشاركة في الدعوات للتظاهر في "جمعة الأرض" في إبريل الماضي للتنديد بقرار الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، طبقًا لاتفاقية ترسيم الحدود.

ويعد ذلك الموقف المتعدّي على حرية الصحفيين هو الأول في تاريخ نقابة الصحفيين، فبالرغم من عدم استقرار العلاقة بين الصحفيين والرؤساء السابقين، إلا أنه لم يجرؤ أي نظام أو وزير داخلية سابقين على التعدي على نقابة الحريات بمثل هذه الطريقة.

وحول ذلك ترصد «الفجر» تاريخ رؤساء مصر مع أبناء صاحبة الجلالة.

«عبد الناصر» بين الصداقة والاستغلال

شهدت العلاقة بين الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وصاحبة الجلالة حالة من الصداقة في ظاهرها، وبباطنها كما ردد الكثيرون استغلال، فقد عرف عبدالناصر بأنه كان صديقاً لكثير من الصحفيين، ومن هؤلاء إحسان عبدالقدوس وجلال الدين الحمامصي وأحمد أبو الفتح، ولكن لم تشفع الصداقة لهؤلاء الصحفيين من انقلاب عبد الناصر عليهم حتى وصل الأمر لحد الاستغلال وقت احتياجه لهم والاعتقال.

وكان الكاتب الصحفي، إحسان عبدالقدوس صديقًا لعبد الناصر والذي كان أول من استجاب للضباط الأحرار، وتبنى حكاياتهم عن الأسلحة الفاسدة، ووقف في العديد من المواقف بجانب صديقه، ولكن عند أول خلاف أمر عبدالناصر باعتقال عبد القدوس.

ولم يتغير نهج عبد الناصر مع صديقه الصحفي أحمد أبو الفتح والذي يعد الصحفي الوحيد الذي عرف موعد قيام الثورة، ولكن عند اختلافهما أغلق عبد الناصر جريدة صديقه.

وعن الحمامصي الذي كان مقرباً من عبدالناصر أيضاً فاستعان به الأخير لدعم علاقته بأمريكا، فعينه مستشاراً صحفياً لمصر في السفارة المصرية بواشنطن عام 1953، وضحى الحمامصي بعمله الصحفي رئيساً لتحرير جريدة الأخبار ليقوم بهذه المهمة القومية، ثم عينه عبدالناصر بعدها رئيساً لتحرير جريدة الجمهورية، ثم ابتعد عنه وعلى إثر ذلك الابتعاد اضطر الحمامصي أن يترك الصحافة.

«السادات».. وتهديد الصحفيين بالاعتقال أو الهروب

وصار الرئيس الراحل محمد أنور السادات على نفس نهج عبد الناصر في كبح جماح الصحفيين، عن طريق السجون والاعتقالات أو العزل من المنصب، فقام بعزل الصحفي عبدالرحمن الشرقاوي من منصبه في جريدة روزاليوسف، بعد أن عجز عن كبح جماح الصحفيين اليساريين وعين بدلا منه مرسى الشافعي.

وفي موقف آخر خوفاً من الاعتقال هرب الصحفي أحمد بهاء الدين من السادات بسبب دفاعه عن ثورة الخبز وسافر واستقر في الكويت.

«مبارك»: دول عالم لبط وخليهم يغلطوا

«الصحفيين دول عالم لَبَطْ  يدَّعون أنهم يعرفون كل شيء، في حين أنهم هجاصين لا يعرفون شيئًا، فالحين قوى، ولابد أن ينكشفوا أمام الناس على حقيقتهم.. خليهم يغلطوا» .. بتلك الكلمات وصف الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل علاقة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك بالصحفيين التي كانت تتميز بالتوتر، حيث نقلها عن لسانه في إحدى مقالاته.

وتعرضت الصحافة خلال حكم مبارك ، لعدد من الأزمات، أبرزها أزمة قانون تشديد عقوبات جرائم النشر، وفرض القيود على الصحف المستقلة، والحزبية، فقد حوى القانون رقم 93 لعام 1995 على ست مواد، معظمها يضمن تعديلات لبعض مواد قانوني العقوبات، والإجراءات الجنائية، والقانون 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين.

ولكن تصدت نقابة الصحفيين والصحف بمختلف توجهاتها لقانون 93 وللعقوبات المشددة به، وكتبت جميع الصحف عن تلك العقوبات في محاولة منهم للتصدي لحرية الصحافة، كما شهد عهد مبارك الكثير من القمع للصحفيين الذي كان يتمثل في سياسات اعتقالهم لكبح جماحهم وحرية الرأي والتعبير لدى ممثلي صاحبة الجلالة.

«مرسي».. ورقم قياسي لمحاكمات الصحفيين

وفي عهد الرئيس المعزول محمد مرسي كانت العلاقة بينه وبين الصحفيين علاقة صدام، فقد كانت حرية الصحافة موجودة بعهده ولكن بحدود، فقد صار على نهج «السم الذي دسه في العسل».. فخلال حكم مرسي حقق نظام الإخوان رقماً قياسياً في محاكمات الصحفيين الذين كانوا كثيرا ما ينتقدوا سياسة مرسي ونظامه وينددون بقراراته الضارة بمصلحة الوطن، وكان يقابلهم مرسي بالمحاكمات، ومن أشهر وقائع محاكمات الصحفيين بعهده هي محاكمة الصحفية "علا الشافعي" التي تقدمت الرئاسة ببلاغ ضدها لنشرها مقالاً بعنوان «جواز مرسي من فؤاده باطل» والتي انتقدت فيه عنف الإخوان تجاه المتظاهرين أمام الاتحادية، بعد صدور الإعلان الدستوري المكمل الذي يوسع من صلاحيات الرئيس وقتها.

كما شهد عهد مرسي ظاهرة استهداف الصحفيين وقتلهم، حيث شهد عهده واقعة مؤسفة باستشهاد الصحفي الزميل الحسيني أبو ضيف أثناء تأدية عمله بتغطية أحداث الاتحادية، ليدفع بروحه ثمنًا في سبيل كشف الحقيقة للرأي العام.

«عدلي منصور».. والتقييد المقنن والمبرر

وفي عهد الرئيس السابق والمؤقت عدلي منصور، كانت نقابة الصحفيين وأبنائها مثل باقي مؤسسات الدولة تعاني من الكثير من التخبطات التي ساهم الإخوان في دسّها بكافة مؤسسات الدولة، ومع عزل الإخوان كانت الحاجة للتطهير هي الشغل الشاغل للجميع، ومن أبرز ما طرأ على الصحفيين هو القوانين التي كانت تقيدهم بالدستور الجديد والذي يتوافق مع المرحلة الانتقالية والذي نص على حبس الصحفيين في قضايا النشر.

ولكن قام الرئيس عدلي منصور وقتها بلقاء مجلس نقابة الصحفيين الذين طالبوا بإلغاء عقوبة الحبس، ووقتها وافق منصور وقام بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر واستبدلها بالغرامة.

«السيسي».. والحرب الدائرة

وفي عهد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي شهد الصحفيين ونقابتهم أسوأ مراحل تكميم الأفواه وقمع الحريات، فبالرغم من لقاء السيسي للصحفيين ورؤساء تحرير الصحف أكثر من مرة إلا أن وعوده بالحرية التي رددها في لقائاته بهم كأنها لم تكن، حيث وصلت في النهاية تلك الوعود لاقتحام حرم صاحبة الجلالة والقبض على أبناء النقابة بداخلها، وقبل تلك النهاية التي عبر عنها جميع الصحفيين بالاستياء كانت ممارسة وزارة الداخلية تستهدف بشكل دائم الصحفيين ويقوموا باعتقالهم وملاحقتهم وتعطيلهم عن أداء مهمتهم الأساسية وهي كشف الحقيقة أمام الرأي العام.

ومن أبرز ممارسات النظام الحالي لقمع الحريات وتكميم أفواه الصحفيين هو يوم 15 من شهر إبريل الماضي انتفضت تظاهرة تضم الآلاف للاعتراض على اتفاقية ترسيم حدود البلاد والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وكعادة أبناء صاحبة الجلالة توثيق الأخبار فخرج المصورين الصحفيين لتوثيق اليوم وإذ بوزارة الداخلية تستهدف الصحفيين وتعرقل إنجاز مهامهم في إظهار الحقيقة واعتقال أكثر من 60 منهم ولم تتوقف الإستهدافات إلى ذلك اليوم بل امتدت ليوم 25 من نفس الشهر.

حيث تعرض الصحفيين لحملات ملاحقة من قوات الأمن حتى وصل بهم الأمر لتكسير كارنيهات الصحفيين ومصادرة كاميراتهم ومسح محتوياتها وكان من يعترض منهم على تلك المعاملة السيئة كان يهان ويتعرض للسجن والاعتقال.

من سيطرة "عبدالناصر" حتى تقييد "السيسي"
وفي هذا الشأن وصف محمد عبد القدوس، عضو مجلس نقابة الصحفيين، تاريخ رؤساء مصر مع الصحفيين قائلاً، «علاقة عبد الناصر مع الصحفيين كانت تحت السيطرة، ومع السادات امتازت ببعض من التحرر، واستمر ذلك التحرر حتى السنوات العشر الأولى في عهد مبارك ولكن تحول الأمر بعد ذلك لبعض التقييد والسيطرة».
وأضاف: «في عهد مرسي وعدلي منصور بعد ثورة يناير تمتعت صاحبة الجلالة بحرية الرأي والتعبير، ولكنها بعد إسقاط الإخوان وقيام ثورة 30 يونيو وصلت حرية الرأي للصحفيين لحد القمع، مؤكدًا أنه الحد الذي لم يستطع أي رئيس قبل السيسي أن يقوم به، فبدلاً من الحرية التي رُسِم لها بعد 30يونيو تحول الحلم لثراب ليأخذ مكانه القمع والتقييد».
من استغلال "عبدالناصر" لسوء إدارة "السيسي"
كما وصف مكرم محمد أحمد، الكاتب الصحفي ونقيب الصحفيين الأسبق، علاقة الرؤساء بالصحفيين قائلاً: «الرئيس عبد الناصر كان يستطيع أن يستغل الصحفيين لكي يكونوا قوة حشد له لينفذوا خططه.. والسادات كانت علاقته بالصحفيين تمتاز في البداية بعدم الثقة إلى أن جاءت حرب أكتوبر وأثبتت الثقة بينه وبين أبناء صاحبة الجلالة».
وتابع: «مبارك كان يحسن مخاطبة الصحفيين ولكنه لا يحسن الاستفادة منهم وكان يتلاعب معهم بالألفاظ.. ومرسي كان مجرد سقطة في حياة الشعب والصحفيين.. والسيسي يعاني من سوء إدارة للأمور ولا يحسن كيفية معاملة الصحفيين حتى وصل الأمر لوجود تلك الخلافات بين النقابة والنظام الحالي المتمثل في شخص السيسي».