ضحايا الفرار من أرض الوطن.. أطفال من عمر 9 سنوات غامر أهلهم بهم حتى تحولت أحلامهم إلى "كوابيس"

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


 

القومي للبحوث: لابد من مواجهة الظاهرة بالتوعية والدعم.. وإنشاء مشروعات تنموية

فقيه دستوري: القانون يشدد العقوبات على من شرع بتهريب الأطفال

خبير نفسي: هجرة الأطفال دليل على عجز الدولة من الاستفادة من مواردها البشرية

في السنوات العشر الأخيرة، شهدت الدول الأوروبية، لاسيما إيطاليا، زيادة كبيرة في أعداد الأطفال المهاجرة من مصر، للهروب من الظروف الاقتصادية، بدعم من آبائهم آملين في تحسين مستواهم المادي باستخدام طرق غير مشروعة للهجرة عبر المياه الإقليمية المصرية، على الرغم من المخاطر والصعوبات التي تواجههم في رحلتهم إلى أرض الأحلام كما يعتقدون، والتي أصحبت نهايتها الموت الوشيك.

وتكررت في الفترة الأخيرة، عمليات ضبط مهاجرين غير شرعيين، بالإسكندرية، وكان آخرها ضبط مركب صيد يحمل قرابة 90 شخصا، أثناء محاولتهم الهروب بشكل غير شرعي إلى إيطاليا، فضلا عن 25 طفلا بمحافظة الشرقية هجروا إلى إيطاليا آملين في تغيير الأحوال، أسوة بشباب آخرين، حيث تتراوح أعمارهم بين15إلى 17 عاما، إلا أن الأحوال لم تتبدل، بل تغيرت إلى الأسوأ، حيث انقطعت أخبارهم وهم فى الطريق إلى إيطاليا، لتتحول محافظة الشرقية، إلى مأساة بعد فقدان الأبناء، وباتت الأهالي ما بين أنباء عن غرقهم في المتوسط أو احتجازهم بالسواحل، وبين مأساة أخرى وهى توقيعهم إيصالات أمانة على بياض للمهربين، والتي أصبحت الآن سيفا على رقابهم.

8 أطفال ضاعت حياتهم بسبب "سماسرة الهجرة"

فيما شهدت محافظة الدقهلية، اختفاء 8 أطفال من أبنائها في البحر، في مركب هجرة غير شرعية، وناشد الأهالي الدولة بسرعة البحث عن الأطفال وكشفت حقيقة اختفائهم في عرض البحر، مشيرين إلى أن أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية أخذ 8 أطفال وتوجه بهم إلى محافظة الإسكندرية، في 9 أبريل الماضي، واكتشفوا فقدان الأطفال في عرض البحر بعد استقلالهم مركب صيد، ولم يستدل عليهم حتى الآن.

مصر أكبر مصدري الأطفال اللاجئين لأوروبا

من جانبها قالت المنظمة الدولية للهجرة، إن "مصر أكبر مُصدر للأطفال المهاجرين غير الشرعيين إلى دول أوروبا"، مضيفة في تقرير صحفية لها أن "هجرة الأطفال المصريين إلى أوروبا بشكل غير شرعي، ودون مرافقة ذويهم، منتظمة وتتضاعف".

وأشارت المنظمة، إلى أنه منذ العام 2011، كانت نسبة الأطفال المصريين غير المصحوبين بذويهم، بين المهاجرين غير الشرعيين إلى الاتحاد الأوروبي، "مرتفعة بشكل ملحوظ"، موضحة أنه في عام 2014، كانت نسبة القاصرين تمثل ما يقرب من نصف عدد المهاجرين المصريين إلى إيطاليا، والبالغ عددهم 4095 شخصا.

وفي السياق، لفتت المنظمة إلى أن أكثر من مليون مهاجر وصلوا أوروبا عن طريق البحر، العام الماضي، بينهم 20% من القاصرين، موضحة أن إيطاليا كانت أكثر الدول الأوربية استقبالا للمهاجرين القصر في العام 2015، حيث سجلت هجرة 1711 قاصرا إليها.

وحسب بيان المنظمة الدولية للهجرة، قال رئيس مكتب المنظمة في القاهرة، عمرو طه، إن التقرير يتناول فجوة المعلومات مهمة حول قضية الهجرة غير الشرعية للأطفال، وأضاف "نحن نعمل بشكل وثيق مع الحكومة المصرية لتطوير استجابة متكاملة وبحث دعم الجهات المانحة".

القائمون على مشروع " بلدنا أولى بولادنا "- والخاص بالحد من الهجرة غير الشرعية- أكدوا أنه وفقاً إلى التقارير الدولية فإن ٢٥٪ من الأطفال الذين يصلون إيطاليا بدون عائل هم من مصر، معظمهم ما بين ١٦ و17 سنة، بل إن من بينهم ١٣ و ١٤ سنة، و في عام ٢٠٠٨ سجلت شبكة الهجرة الأوروبية وصول ١٠٦٨ طفلا مصريا بدون عائل وعلى الأرجح الأرقام الحقيقة سوف تكون أكثر من ذلك.

إيطاليا بوابة الهروب

 قالت"منى صادق"، باحثه بالمركز القومي للبحوث التربوية، إن قضية تهجير القُصر تمثل أزمة في غاية الخطورة، مشيرة إلى أن التقديرات الرسمية للسلطات الإيطالية تقول إن هناك 2500 طفل مصري هاجر بطريقة غير شرعية، ولكن الأرقام والأعداد الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، داعيًا إلى تكاتف كل الجهات المعنية في مصر لمواجهة القضية.

وأشارت "صادق"، إلى أن معظم الأطفال المهاجرين المصريين غير الشرعيين يسافرون إلى إيطاليا ويتخيلون أنها البوابة للهروب إلى بقية الدول الأوروبية، ولكن للأسف فيهم الكثير الذين يموتون عن طريق العوم في المياه للوصول لبر الأمان، ولكنهم لا يبالوا  من ذلك قبيل حفنة الأموال التي توفر لهم عيشة هنية بحسب معتقدتهم.

الحل يكمن في إنشاء مشروعات تنموية

و لمواجهة هذه الخطورة تقترح "صادق" إنشاء مشروعات تنموية صغيرة ومتوسطة في المحافظات المصدرة للهجرة غير الشرعية، مشيرًة إلى أن الاكتفاء بعمليات التوعية وإنشاء مراكز تدريب للشباب لا يجدي للحد من ظاهرة الهروب غير الشرعي للأطفال، ولابد أيضا دعم الحكومة لهم ومساندتهم، وتفعيل العقوبة على الآباء الذين يجبرون أبناءهم على الهجرة غير الشرعية لتحصيل الأموال، ومساندتهم، في تحمل أعباء الحياة، مشددًة على ضرورة إنشاء مراكز للإيواء والرعاية الصحية ومراكز التعليم عند عودة هؤلاء المهاجرين إلى مصر.

القانون يشدد العقوبات على من شرع بتهريب الأطفال

ومن جانبه يقول الدكتور يحي الجمل، الفقيه الدستوري، إن القانون المصري يجرم الهجرة غير الشرعية وتهريب الأطفال المهاجرين، مشيرًا إلى أنه وضع تشريعًا موحدًا لمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية يتضمن تغليظاً للعقوبات لمكافحة الهجرة غير الشرعية بعد تفاقم الظاهرة في مصر، لكل من ساعد في تهريبهم، أو الشروع فيها أو توسط في ذلك.

 واستند "الجمل" إلى نص مشروع القانون الجديد على أن تكون العقوبة بالسجن المشدد وغرامة لا تقل عن مائتي ألف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيهًا، وذلك ما إذا كان الجاني قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضماً لها، أو إذا كان الجاني يحمل سلاحاً، أو موظفاً عاماً، أو تعدد الجناة، أو تم تهديد حياة أو صحة من يجرى تهريبهم أو يمثل معاملة غير إنسانية أو مهينة، أو تم استخدام امرأة أو طفل أو وثائق مزيفة.

وأضاف الجمل، لـ"الفجر"، أن هؤلاء الأطفال يتم تهريبهم بطرق مأساوية من عمر الحادية عشر إلى الخامسة عشر، دون معرفة مصيرهم المجهول حين يجدوا أنفسهم خارج نطاق الحماية الأسرية، والقانونية، فيعيشوا بين عصابة أو مجموعة من أناس فاسدين وفاقدين للهوية ومن بينهم يحظى المعاقون الصغار بحفاوة أكثر لأن فرص التسول تنقاد إليهم بسرعة.

لابد من مواجهة الظاهرة بالتوعية والدعم

وعن الأسباب التي وضعت بعض الأسر المصرية للتضحية بحياة أبنائهم، تقول "منال عمران"، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، إن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة في مصر، تعد من أول الأسباب التي ساعدت على هجرة الأطفال الغير شرعية، لاسيما أن هذه المشكلة قائمة منذ عقود والحلول الفعلية للحد منها بطيئة من قبيل الدولة، رغم العقوبات الجديدة بدليل زيادة الظاهرة؛ إذن لابد من حلول جذرية والقضاء على الأسباب الحقيقة لظهورها.

وأوضحت "عمران" في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن الفقر والجهل، سببان رئيسيان في هذه الظاهرة، ولابد من وعي الأسر البسيطة عن طريق الجهات المعنية، ومؤسسة المجتمع المدني في مواجهة الظاهرة سواء بالتوعية، أو تقديم الخدمات اللازمة لهؤلاء الأطفال وأسرهم لتأهيلهم بشكل سليم للاندماج في المجتمع في السن القانونية، للحد من الدفع بهم لمخاطر الهجرة غير الشرعية، سواء كان ذلك بدافع شخصي من الأطفال أنفسهم، أو من الأسر التي ضاقت بها الأحوال الاقتصادية والاجتماعية".

وأكدوا خبراء علم النفس الاجتماعي، أن الأحوال في الأسر المصرية، وتدهور الوضع الاقتصادي وكثرة المشاكل الاجتماعية من أهم أسباب انتشار ظاهرة هجرة الأطفال الغير شرعية، مؤكدين أنه من حق هؤلاء الأطفال أن ترعاهم الدولة وتضمن لهم حق الرعاية الكاملة وتأهيلهم نفسيًا ومعنويًا لأنهم عماد الأمة المقبل.

عجز الدولة عن الاستفادة من مواردها البشرية

في هذا السياق اعتبر الخبير النفسي أحمد ثابت، أن هجرة الأطفال من أبشع الجرائم التي تُحاك ضدهم، ودليلًا قويًا على عجز الدولة عن الاستفادة من مواردها البشرية والذي يُعد مخزونها البشري في المستقبل.

وعن أسباب هجرة الأطفال قال "ثابت" أن من أسبابها والتي وصفها بالمفزعة، لها جوانب اجتماعية ويتسبب فيها سوء معاملة الأهل وخصوصًا زوجة الأب أو زوج الأم، مشيرًا إلى أن خطورة الظاهرة أنها تستهدف شريحة غير ناضجة من الناحية النفسية والجسمانية، وتحتاج لمزيد من الرعاية الأسرية.

وعن حلول السيطرة على الظاهرة قال "ثابت": "يجب علينا معرفة السبب قبل علاجة، لابد من عمل دراسة يشارك فيها كل الوزارات مثل الخارجة والداخلية والمرأة ومنظمات حقوق المتخصصة في حقوق الأطفال ومؤسسة الأزهر والكنيسة للوقوف علي أسباب هجرة الأطفال ومحاسبة من يسوق لمثل هذه الأفكار التي تُدمر مستقبلنا".

دور الإعلام في توجيه الأطفال

ومن جانبه قال الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية، إن كثير من الأطفال المهاجرين يعيشون حياتهم تحت الكباري ويتخذون من الشوارع سكنًا لهم، ومن هذا المنُطلق لا مانع عندهم أن يسيروا وراء أي شيء يحقق فيه أحلامهم.

وتابع "هاني" أن للإعلام دور كبير في توجيه الأطفال وتغير تفكيرهم، مضيفًا أنه لابد من الأهالي الحفاظ علي ابنائهم، خاصة وهم بحاجه لعونهم ومساندتهم بالحياة.