منال لاشين تكتب: اعترافات الحكومة أمام مجلس النواب

مقالات الرأي



أخيرا اضطرت لكشف الحقيقة

■ وزير المالية اعترف للنواب أن حكومته تحمّل المواطنين تكلفة إعفاء الشرائح الثلاث الأكثر فقرا من الزيادة السنوية

خفض زيادة الأجور. . رفع أسعار الكهرباء وزيادة الرسوم على 12 خدمة حكومية


الكذب السياسى أحد الفنون أو بالأحرى الأدوات التى تستخدمها الحكومات أحيانا، ويلجأ لها السياسيون فى أحيان كثيرة.

فى مصر لا يعتبر الكذب السياسى خطيئة تتطلب كفارة أو صوم أيام. ولكن هناك بعض الحالات النادرة جدا التى لا تستطيع الحكومة الكذب فيها. من بين هذه الحالات موازنة الدولة. والتى تضطر الحكومة إلى الكشف عن نواياها الحقيقية تجاه المواطنين.

وتبدأ الموازنة رحلتها إلى العلانية بمشوار مهم لوزير المالية إلى البرلمان. وهذا ما حدث فى الأسبوع الماضى.

ذهب وزير المالية عمرو الجارحى إلى البرلمان ليلقى بيان الموازنة فانكشف المستور. كل ما كذبته حكومته من قبل من إجراءات جاء فى البيان كحقائق وأرقام.

ظلت الحكومة تكذب رفع أسعار الكهرباء، وأنكرت الحكومة اتفاقها مع البنك الدولى حول تخفيضات فى أجور ومزايا الموظفين. ولكن فى بيان الجارحى للموازنة أمام النواب اعترف وزير المالية ربما مجبرا ومكرها بكل ما كذبته الحكومة من قبل.

الموازنة بشكل عام تكشف ورطة الحكومة الحادة فيما يتصل بتوفير موارد. هذه الموارد ليست لإبقاء الحال على ما هو عليه فحسب، بل لتمويل برنامج بناء طموح جدا على رأسه المحطة النووية والتى زادت الدين الخارجى بـ25 مليار دولار. وهو أكبر وأضخم قرض تحصل عليه مصر فى تاريخها.


1- لغز الكهرباء والبنزين

نشرنا من قبل خطة الحكومة لرفع أسعار الكهرباء. وكذبت الحكومة ونفت رفع أسعار الكهرباء. وخلال اجتماع رئاسى جمع بين السيسى ورئيس حكومته تمت مناقشة تأجيل رفع أسعار الكهرباء القادم. وذلك بعد موجة الغلاء التى ضربت الأسواق. أو بالأحرى ضربت المصريين.

فى بيان الجارحى تأكيد رفع أسعار الكهرباء باستثناء الشرائح الثلاث الدنيا. وبحسب البيان فإن الاستمرار فى خطة خفض الدعم ورفع أسعار الكهرباء وصلت بالدعم إلى 26 مليار جنيه.

من الاعترافات المدهشة لوزير المالية الجديد اعتراف يحرق الدم. فقد قال وزير المالية إن المواطنين الأغنياء يتحملون الجزء الأكبر من تكلفة دعم كهرباء الفقراء. وهذا اعتراف خطير ويكشف مدى ظلم الحكومة للطبقة المتوسطة. فهى تتحمل دفع الضرائب وزيادة مضاعفة فى أسعار الكهرباء. ومن حيث المبدأ فإن تثبيت سعر الكهرباء للأكثر فقرا هو إجراء جيد وعادل، ولكن تحميله لبقية المواطنين هو إجراء ظالم. ويزيد العبء على الطبقة المتوسطة المطحونة. ومن البديهى أن تتحمل الموازنة العامة للدولة هذا الإجراء فى إطار العدالة الاجتماعية.

انخفاض دعم المواد البترولية لا يشير إلى اتجاه الحكومة لزيادة أسعارها سواء البنزين أو السولار. لأن هذا الخفض يرجع إلى انخفاض سعر البترول عالميا. وهذا الانخفاض دفع الحكومة لتأجيل إجراء زيادة أسعار المواد البترولية.

فى الكواليس خلاف فى المجموعة الاقتصادية حول خفض الدعم عن المواد البترولية مع بدء ارتفاع جديد فى أسعار البترول. ولكن الخوف من الغضب الشعبى رحج كفة إبقاء أسعار المواد البترولية كما هى. وعلى الرغم من اعتراف الحكومة عبر وزير المالية برفع سعر الكهرباء، فلا تزال هناك اعتراضات سياسية حول الرفع. لأن تقارير بعض الأجهزة الأمنية تشير إلى خطورة رفع ثالث لأسعار الكهرباء فى ظل موجة غلاء عاتية.


2- الدمغة والرسوم

فى بيانه أمام مجلس النواب استعرض وزير المالية عمرو الجارحى إجراءات الوزارة لزيادة إيرادات الحكومة. وذلك فى إطار خطة وزارته لخفض عجز الموازنة. وخلال استعراضه لهذه الإجراءات اضطر وزير المالية للاعتراف بسعى حكومته لزيادة رسوم خدمات حكومية جديدة. وبحسب معلومات «الفجر» فإن هناك نحو 12 خدمة جديدة ستتم زيادة الرسوم عليها. وبعض الرسوم تكون بشكل مالى (كاش) وأخرى فى شكل دمغات.

وكانت الحكومة قد قامت بزيادة الرسوم على بعض الخدمات من بينها شهادات الميلاد والزواج والطلاق والوفاة. وبعض الرسوم المتعلقة باستخراج وتجديد رخص السيارات. وبحسب المعلومات فإن الموجة الجديدة من رفع الرسوم ستكون بقانون واحد يشمل الرسوم الجديدة بعد الزيادة. وعلل الوزير رفع الرسوم بأنها لم تزد منذ سنوات طويلة.

السعى لزيادة الإيرادات دفع الحكومة للنظر فى فلوس البنوك العامة والشركات العامة. فأرباح البنوك والشركات سيتم تحويل معظمها إلى الخزانة العامة للدولة، ولن يتم السماح للبنوك والشركات للاحتفاظ بالأرباح لزيادة كفاءة البنك أو الشركة. ويتوقع أن يؤدى هذا الاتجاه إلى مشاكل للبنوك والشركات الرابحة. ولكن الأزمة المالية الطاحنة للحكومة لم تترك لها الخيار، فجمع أكبر قدر من المال أصبح الهم الأول لحكومة شريف إسماعيل.

فى البيان كشف وزير المالية عن خطة مبدئية لفض الاشتباك مع المعاشات. وفض الاشتباك تعبير مهذب عن استيلاء المالية على أموال المعاشات. ويعد الحديث عن هذه الخطة من الأخبار السعيدة القليلة فى بيان موازنة الفقر.


3- أزمة الموظفين

منذ أشهر كتبت عن نية الحكومة لإجراء تخفيضات فى مزايا الموظفين، وكان الحديث بمناسبة مشروع قانون الخدمة المدنية. وطبعا أنكرت الحكومة المساس بالموظفين ومزاياهم أجورا أو علاوات. بل إن الحكومة نفت نفيا قاطعا أن يؤدى القانون إلى تخفيض مزايا الموظفين. لكن وزير المالية عمرو الجارحى يؤكد فى بيان المالية للموازنة حقيقة التخفيض. ففى إطار إجراءات الحكومة لمواجهة خفض عجز الموازنة جاء الحديث عن إعادة هيكلة الأجور. لأن الأجور زادت فى الخمس سنوات الأخيرة إلى 197 مليارا. وفى العام المالى الجديد ستواصل الزيادة بنسبة 7.5%. إعادة هيكلة الأجور تسعى إلى خفض ما يمكن خفضه من بند الأجور. وهناك أجور ثابتة أو أساسية وهذا البند لا يمكن للحكومة أن تمسه أو تقوم بتخفيضه. ولذلك لا يتبقى لإعادة الهيكلة إلا بندان بند العلاوة والمكافأة. أما البند الآخر فهو المزايا العينية للموظفين. هذه المزايا تتضمن العلاج والانتقال ودعم الخدمات الترفيهية من مصايف ورحلات.

ولذلك فإن إعادة هيكلة الأجور التى أشار إليها الوزير الجارحى ستكون فى هذين البندين. وبحسب تصريحات للجارجى فإن الحكومة بتخفيض الزيادة فى الأجور، وعلى بلاطة تخفيض العلاوات وقصف عُمر المكافآت. وكانت الحكومة قد بدأت بالفعل فى إجراء حركة تقشف تحت شعار الترشيد فى المزايا العينية. وهى مزايا مهمة بالنسبة لموظفى الحكومة. من بين المزايا التى تم تخفيضها بند الانتقال وبند العلاج جرى تخفيضه بنسب. كما جرى العصف ببند الترفيه. فبحجة أن الحكومة ليست شركة سياحة. قام العديد من الوزارات بإلغاء هذا البند، بينما سعت وزارات أخرى إلى تخفيضه إلى أقصى حد. وخيرت وزارات وهيئات ثالثة الموظفين بين زيادة حصتهم أو نصيبهم فى الرحلات أو إلغائها تماما.

تخفيض أجور الموظفين ليس خطوة وليدة الأمس أو حتى مرتبة بموازنة العام الجديد. فهو جزء أصيل من خطة الحكومة التى تقدمت بها للبنك الدولى. وذلك من أجل الحصول على قرض الـ3 مليارات لتدعيم الموازنة الخربانة. هذه الخطة الحكومية صارت التزاما عليها بعد تقديمها للبنك الدولى.

فى هذه الخطة وفى أول بند بها تخفيض أجور الموظفين إلى 7.5% من الناتج الإجمالى المحلى. وهذا التعهد يؤدى إلى خفض إجمالى الأجور عاما بعد عام. كلام وزير المالية حول الأجور لم يكن التصريح أو البيان الحكومى الوحيد خلال الأسبوع الماضى.

فقد كرر بيان الخطة نفس الكلام بوضوح شديد. وقال بيان الخطة الذى ألقاه وزير التخطيط الدكتور أشرف العربى (حيث تعتبر السيطرة على تفاقم الأجور أحد الإصلاحات الهيكلية والمالية الضرورية لتحقيق الاستقرار المالى).

ربما يكون إصلاح الأجور أحد الإصلاحات المالية، ولكن من المؤكد أنه ليس الطريق الوحيد، ولا يجب أن يكون الطريق الأول للبحث عن إصلاح مالى، خفض عجز الموازنة. هناك طرق أخرى تحقق الإصلاح المالى والعدالة الاجتماعية معا. فالتركيز على الإصلاح الضريبى أكثر أهمية من تخفيض مزايا أو علاوات الموظفين. لأن معظم الأهداف التى تسعى الحكومة لتنفيذها ترتبط بالموظفين. فالحكومة تسعى لجذب الاستثمار. ومستعدة لفعل أى شىء لإرضاء المستثمرين. ولا يمكن أن تنفذ الحكومة لا هذا ولا ذاك دون العبور بجسر الموظفين. فالموظف يجب أن يحصل على حقوقه المالية والمعنوية حتى يعمل بجد ويقدم للمستثمر الخدمات المطلوبة دون تطفيش أو رشوة. ولذلك يجب أن نوفر للموظف مناخا جيدا للعمل ولا ننتقص من مزاياه المادية أو المعنوية، خاصة أن الموازنة تحمل بنودا يمكن التوفير والترشيد فيها، وتحمل بنودا أخرى تحمل زيادتها دون المساس بالطبقة المتوسطة المطحونة. ولكن تلك قصة أخرى.