د. نصار عبدالله يكتب: ما الذى حقا يؤرقهم؟ (1)

مقالات الرأي



السيناريو الآتى مستوحى من شخصية: «هبة» فى العمل الروائى البديع «تغريدة البجعة» للروائى المبدع مكاوى سعيد. سوف نقوم بإضافة بعض اللمسات إلى الشخصية بحيث نجد أنفسنا أمام إحدى البغايا اللاتى يتكسبن من بيع أجسادهن لطالبى المتعة.. سنستمع إلى البغى وهى توجه سؤالا إلى أحد شيوخ الفضائيات الذين يتكسبون من بيع فتاواهم لطالبى الفتوى..البغى تقول للشيخ الفضائى بكل صراحة...إننى أعلم أن ما أفعله حرام، ولكننى لا أعرف وسيلة أخرى للحياة (الكريمة)..لاحظ أن صاحبة السؤال هى التى وضعت كلمة «الكريمة» بين قوسين حيث سوف تنوه فى حديثها إلى أنها تعنى بالكريمة تلك الحياة التى لا يعانى فيها الإنسان من الشظف والتى لا تضطره إلى مد يده بالسؤال، وأنها لا تقصد بالكريمة شيئا أكثر من ذلك، لكنها على أية حال لا تطلب من فضيلة الشيخ أن يقول لها إن كان متفقا معها فى ذلك أم لا، ولا تسأله إن كان الله سيقبل توبتها إذا ما تحسنت ظروفها المالية وسمحت لها بالتوبة!!، ولكنها تسأله فقط سؤالا محددا جدا ألا وهو: هل سيضاف إلى إثمها إثم جديد لو سمحت لمسيحى بأن يضاجعها؟..أم أن الإثم واحد لا يختلف أيا ما كانت ديانة من يرتكب معها الخطيئة.. بالطبع سوف يقول الشيخ الفضائى كلاما كثيرا وسيستشهد بآيات وأحاديث كثيرة تصور مدى شناعة وقبح الفعل الذى تأتيه السائلة «وكأن قبح مثل هذا الفعل محتاج إلى بيان»..وسوف يذكرها بالمثل الذى يقول: «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، وسوف يصمم على أن حياتها بعيدة كل البعد عن الكرامة... وباختصار فإنه سوف يجيب عن كل الأسئلة التى لم تطرحها عليه، وسوف ينسى فى غمار ذلك أن يجيب عن السؤال المحدد الذى طرحته عليه، وعلى الأرجح فإنه سوف يتعمد أن يبدو كمن نسى الإجابة عنه فى زحمة الموضوعات الكثيرة التى تطرق إليها «الحقيقة أن لديه تعليمات من أمن الدولة بعدم التطرق إلى مثل هذه الموضوعات التى تثير الفتنة»..أعود إلى تذكير القارئ بأن هذا السيناريو مستوحى من شخصية «هبة» فى تغريدة البجعة، حيث «هبة» بغى منقبة !!..نعم منقبة، ولا تستغرب عزيزى القارئ، ولا تتصور أن هذه مبالغة من المؤلف، أو إمعان فى التجنى من جانبه على فئة المنقبات، فالمؤلف معروف بأنه من القلائل الذين غاصوا فى أعماق مدينة القاهرة وتجولوا فى كل دهاليزها وحاراتها، وألموا بالكثير من خباياها التى لم يقدر للكثيرون أن يلموا بها، وله فيلم تسجيلى يعتبر واحدا من المرجعيات المهمة عن أطفال الشوارع، كما أن له كتابا رائعا عن خبايا وسط المدينة عنوانه: «حكايات وسط المدينة»، سبق أن عرضت له فى هذا المكان على مدى أكثر من حلقة،..أعود بعد هذا الاستطراد إلى شخصية البغى المنقبة «هبة» التى تعرف عليها بطل الرواية من خلال صديق مسيحى هو وليم، وعندما تعرف هبة أن اسمه هو مصطفى تسأله فى جدية إن كان مصطفى هو اسمه الحقيقى أم أنها سرعان ما سيتبين لها أنه مسيحى مثل وليم، وعندما يسألها عن السبب فى مثل هذا السؤال تجيبه ببساطة لأن فعل هذا الشىء مع مسيحى حرام!!.. يقول لها يابنت الكدابة..إن معرفتى بك أصلا من خلال وليم، ولولاه لما عرفتك!! تجيبه بأن هذا كان يحدث قبل أن تعرف أنه قبطى، لكنها منذ أن عرفت لم تسمح له بأن يلمس حتى أظافرها، واكتفيا بأن يكونا صديقين فحسب! إن شخصية هبة نموذج للشيزوفرانيا التى أصابت الشخصية المصرية فى مرحلة التحول السريع. وللحديث بقية