منال لاشين تكتب: صفقة الحكومة والبرلمان لتمرير الموازنة

مقالات الرأي



خطورة أن يفهم النواب اللغز

■ أزمة المراكز البحثية تصاعدت لأن النواب نقلوا للبرلمان دراسات تؤكد التوزيع الظالم للميزانية

■ بعض النواب تقدموا بـ121طلبا شخصياً للوزارات والمحافظات مقابل التغاضى عن «خروم» الموازنة

■ نائب معارض يتنازل عن طلب إقالة الحكومة مقابل تجديد ترخيص مطعم زوجته

■ نصف الزيادة للأجور ذهبت للداخلية والعدل ومخصصات المشروعات القومية زادت عجز الموازنة


لم يتصور أى وزير أو أى مسئول أن تنتشر تحليلات دقيقة ومحرجة للموازنة العامة الجديدة داخل البرلمان، وأن تتحول الأرقام الصماء السخيفة المعقدة إلى مقارنات كاشفة. مقارنات تعرى أو بالأحرى تسقط كلام الحكومة عن العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، وعن الأموال الطائلة التى تتحلمها موازنة الدولة لعلاوات وزيادات مرتبات الموظفين البالغ عددهم أكثر من 6 ملايين موظف. لم يتصور وزير أو أى مسئول فى الدولة أن تتحول الموازنة إلى خناقة أو صراع حاد بين الحكومة والبرلمان.

صراع جديد ومعقد ومشتبك بالقصص والروايات فى أول مواجهة بين الحكومة والبرلمان حول إقرار أو تمرير الموازنة، وذلك بعد غياب معركة الموازنة لمدة خمس سنوات.

1- أرقام ودورات

فى الغالب تصاب الحكومة بالذعر من الملفات السياسية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والسجناء والنشطاء والمعتقلين، ولكن الذعر فى هذه المرة جاءهم من ملف اقتصادى مالى و«غلس» ومعقد. إنه ملف الموازنة العامة. فقد قام خبراء بتحليل الموازنة وكشفوا معنى الأرقام ومغزى أبواب الموازنة.

فمناسبة بدء مناقشة الموازنة فى البرلمان نظمت عدة مؤسسات دورات للنواب للتعريف بطرق قراءة وتحليل أرقام الموازنة، وتوزيع المخصصات على المؤسسات. فى بعض الدورات جرت مقارنات بين حصص كبرى وزيادة غير مبررة لبعض المؤسسات دون غيرها، ورصدت بعض الدورات زيادة فى موازنة مؤسسات وجهات عليا، وهذه الدورات كانت السبب الحقيقى وراء غضبة الدورات التدريبية التى شهدها البرلمان، والتهديد بالعين الحمراء للنواب الذين يشاركون فى هذه الدورات، خاصة أن دراسات تحليل الموازنة وصلت إلى بعض النواب لم يشاركوا فى الدورات، وأشعلت هذه التحليلات غضب نسبة لا يستهان بها من نواب البرلمان. من بين الأرقام المحرجة جدا للحكومة رقم أو بالأحرى نسبة تخص المرتبات. فقد كشفت إحدى الدرسات أن نصف الزيادة فى مرتبات الموظفين ذهبت لوزارتين فقط، وهما وزاراتا الداخلية والعدل، وهذه الدراسة تكشف غياب العدالة الإجتماعية فى التعامل مع موظفى الدولة. فمن بين أكثر من 30 وزارة ذهبت نصف الزيادة فى المرتبات لوزارتين فقط. من بين الأرقام التحليلية رقم يخص التفاوت فى الزيادة فى فئات المعاشات المختلفة، وذلك بالإضافة إلى أزمة أموال المعاشات التى لم تحلها الحكومة حتى الآن، ولم تشمل الموازنة أى حلول تفصيلية لفك الاشتباك بين المعاشات ووزارتى المالية والتضامن.

لا شك أن المجهود العملى والبحثى الذى بلغ فى الموازنة أثرا إيجابيا على فهم نسبة مؤثرة من النواب خاصة الجدد للموازنة، وإجراء تقييم حقيقى للحكومة. لأن الموازنة تجيب على أسئلة سياسية. أسئلة من نوع لمن انحازت الحكومة، ومن استفاد من سياساتها ومشروعاتها؟ وماهى الملفات أو بالأحرى المجالات الاقتصادية والمشروعات التى ركزت عليها الحكومة؟ وما هو المدى الزمنى لهذه المشروعات؟

كل هذه الاسئلة وغيرها هى محاور رئيسية لتحليل ومناقشة الموازنة العامة للدولة داخل البرلمان. فمن بين التحليلات أحد المراكز البحثية للموازنة تحليل خاص بالنشاط الاقتصادى، وينتقد التحليل غلبة المشروعات القومية على الخريطة الاقتصادية، وذلك للأثر السلبى على الموازنة وزيادة العجز فيه، وتأخر العائد من هذه المشروعات لسنوات.

2- معارضة ومقايضة

وتواجه الحكومة أمام هذه الأوضاع والتساؤلات نوعين من النواب، نواب غاضبون ورافضون للموازنة بأرقامها وتواجهاتها الحالية، ونوع آخر استغلوا الأزمة أو المعركة القادمة لتحقيق مكاسب شخصية، وبدأ بعض النواب يتحدثون بفخر عن طلبات تم إقرارها بسرعة فى وزارات والمحليات. بعضها يتعلق بإنارة الشارع الذى يقطن فيه النائب أو رصفه، وبعض الطلبات تتعلق بتحقيق طلبات لأهالى الدائرة، ويصل عدد هذه الطلبات فى الفترة الأخيرة لأكثر من 100 طلب.

داخل إحدى الهيئات البرلمانية لحزب جرى تداول هذه الواقعة. أحد نواب الحزب طالب بإقالة الحكومة أو نصف وزرائها، وكان هجومه حادا وشديدا على أداء الحكومة وموازنتها، ولكن أعضاء الهيئة توقعوا بألا تطول عمر معارضة النائب للحكومة. فقد حصل النائب على تجديد ترخيص مطعم. المطعم لزوجة النائب وليس باسمه، وكانت صاحبة المطعم قد دخلت فى سجال مع المحليات لمنحها حق استغلال الرصيف المجاور للمطعم.

وتسعى بعض الوزارات والوزراء والمسئولون إلى تلبية ما يتيسر من طلبات للنواب، فتمرير الموازنة هو موسم برلمانى مهم وحاسم للحكومة، وهذا الموسم يزداد سخونة هذا العام. فالموازنة تحمل «بلاوى» على المستويين الإجرائى والموضوعى. فعلى مستوى الإجراءات تأخرت الحكومة فى إرسال الموازنة نحو 50 يوما عن الموعد الدستورى، وهو ما حرم النواب من حقهم فى وقت كاف لدراسة وتحليل الموازنة. على المستوى الإجرائى أيضا يرى بعض النواب أن الحكومة قامت بتوزيع بيان فقط من كل من الموازنة والخطة، وأن النواب لم يتح لهم أن يدرسوا التفاصيل الدقيقة فى الموازنة. هذا على مستوى الإجراءات.

أما على المستوى الموضوعى فإن عورة الموازنة دستوريا يتمثل فى فشل الحكومة فى الوصول إلى المعدل الدستورى. فموازنات كل من التعليم والصحة والبحث العلمى أقل من الحد الأدنى المنصوص عليه دستوريا، ومعظم النواب بما فيهم نواب من دعم مصر يرفضون خروج الموازنة بهذا العوار الدستورى، خاصة أنها أول موازنة يقرها مجلس النواب.

وتبدأ الحكومة فى المواجهة الفعلية فى الأسبوع القادم من خلال تواجد وزيرى المالية والتخطيط فى البرلمان، ولكن الحكومة تستعد أيضا بسيناريوهات لحل الأزمة الدستورية فى الموازنة، والتفاوض السياسى مع كتل برلمانية لحل الأزمة. أقرب سيناريو مطروح هو إجراء تعديلات أو بالأحرى نقل من بند إلى آخر، وذلك للوصول إلى المعدل الدستورى فى موازنات التعليم والصحة والبحث العلمى. لأن سيناريو زيادة المخصصات الثلاثة دون تخفيض بنود أخرى سيزيد عجز الموازنة. خطة الحكومة هو توريط مجلس النواب فى الاختيار المر أو الصعب. لأن الموازنة هى مشروع قانون، ومن حق البرلمان أن يجرى تعديلات على مشروع قانون الموازنة، والاختيار للنواب. أمام زيادة عجز الموازنة أو الإبقاء على الموازنة كما هى. هذا الخيار الأخير يؤدى إلى أن يبقى الوضع على ما هو عليه. يبقى الظلم فى توزيع العلاوات والزيادات على الموظفين، ويبقى التوجه إلى المشروعات القومية على الرغم من تكلفة هذا التوجه على الموازنة من ضغوط، وتظل أحلام الفقراء فى محطة انتظار قطار الموازنة القادمة، وتزداد الضغوط على الطبقة المتوسطة، ويستمر إهمال ملف التعليم والعلاج. لأن الحكومة لا تريد الاقتراب من الأغنياء ورجال الأعمال، ولا ترغب فى إغضابهم بزيادة الضرائب فى الشريحة الأعلى. فقد نفذت الحكومة المادة أو بالأحرى الأمر الدستورى بالضرائب التصاعدية بأسوأ صورة.

صراع الحكومة والبرلمان على الموازنة لم ينته إلا بتمرير الموازنة، ومع إقرار قانون الموازنة سندرك مع من وقف البرلمان ولمن انحاز وماهى الفئات التى دللتها الحكومة والمجالات والبيزنس الذى حظى بدعم الحكومة؟، ولم ننتظر طويلا لمعرفة إجابات هذه الاسئلة.