القرآن والسنة

إسلاميات

بوابة الفجر


جاءت الحملة الضارية علي السنة النبوية الشريفة كجزء من خطة واسعة وقديمة في مخطط مشروع التغريب  , والغزو الفكري الواسع , و المركز الذى عمد  إلي استهداف السيرة النبوية المتمثلة في السنة الشريفة وفي صاحبها عليه أفضل الصلاة والسلام ,  وكذلك القرآن الكريم المنزل من رب العالمين , وهو ما تتمثل فيه الشريعة الاسلامية بشقيها الرئيسيين , والذين لا يمكن الفصل بينهما او العمل بأحدهما دون الاخر .

وهذا ما كشفت عنه مخططات مراكز التنصير – التبشير – والاستشراق التي انتشرت في كثير من الدول الاوربية تحت رعاية   -  توجيه -  ودعم حكومي  او كنسي مباشر .  منذ اكثر قرابة ثلاث قرون متعاقبة تمثلت فى ارسال البعثات التنصيرية – التبشيرية – الي كافة اصقاع البلاد الاسلامية, وكذلك الرحالة , والمستكشفين الذين يقومون بجمع المعلومات , وارسالها الي بلدانهم ظاهرها الاكتشاف الجغرافي , وباطنها البحث عن الثروات ,وطرق التجارة للاستيلاء علي أراضي ومقدرات بلاد الاسلام , ومحاولة التأثير علي معتقدات  ابناء المسلمين وخاصة فى الاصقاع النائية والفقيرة . لترك دينهم والدخول في الديانة المسيحية.

جُند لهذا الغرض عدد ضخم من خصوم الاسلام  من اتباع مدارس الإرساليات التنصيرية ممن اُعدوا وجهزوا من قِبل دُعاة التغريب فى محاولة مستميتة , رصدت لها الاموال الضخمة لتدمير حواضر  ومنابع الفكر الاسلامي وخاصة في مجالات العقائد والمفاهيم والقيم الاساسية التي تقوم عليها المجتمعات الاسلامية .

يقول الدكتور مصطفي السباعي رحمه الله عن  الهدف والوسيلة  من تجنيد هؤلاء المستشرقين وكيفية اختراقهم لبعض العقول لمن ينتسبون للإسلام – لتسميم هذا المنبع الروحي , فنصبوا الفخ باسم البحث العلمي والتفكير الحر , وجاء نفر من ابناء المسلمين فوقعوا في الفخ  المنصوب لهم  , وراحوا يروجون بضاعة الغزاة و  إما عن جهل بحقيقة التراث الاسلامي . أو عن الانخداع بترويج ما يسمى بمنهج البحث العلمي . وإما رغبة في الظهور بمظهر التحرر العلمي , وشجاعة الرأي , وإما عن انحراف عقدي , وتشوه , وفصام  فكري , وغياب نور البصيرة  , وإتباعاً لهوي النفس الأمارة بالسوء .. !

وهذه المشروع التغريبي الممنهج كانت له جذوة التاريخية ، فهو ليس بالجديد ولا المبتكر حديثاً  فقد كتب المؤرخين المسلمين  عن الحملة علي السنة مع بداية التاريخ الإسلامي , تولي امرها من عرفوا بالشعوبيون , ومن تمسكوا بداناتهم المجوسية والمانوية وغيرها من العقائد والديانات التي كانت سائدة لدي شعوب المنطقة  قبل الاسلام و وظلوا متمسكين بها بصورة او بأخرى – بقوا علي دينهم  دون اكراه , لان الاسلام لا يُكره احد علي الدخول فيه او اعلنوا الدخول في الاسلام في ظاهرهم وهم يبطنون الكيد له من داخله – بهدف هدم الاسلام الصحيح الجامع بين الكتاب والسنة في علاقة تربط نصوص القرآن , الذى نزل به الروح الامين علي قلب خير المرسلين , وبين نصوص السنة النبوية الشريفة بصورها القولية والفعلية والتقريرية .

دأب في العقود الاخيرة أقوام ممكن ان نطلق عليهم انهم سلالة وامتداد للتوجهات التي ذكرنا سابقاً ,  وهم  يعتبرون انفسهم تلاميذ مدرسة التحرر العقلي , وشجاعة الرأي الى توجيه الاتهامات لمصادر السنة ورجالها دون ان يكون لهم ادنى معرفة بعلم الاسناد ولا علم الجرح والتعديل  , وعلم الرجال بل ان احدهم لا يعرف ان يميز بين مصطلح السند ومصطلح المتن فهم كمن يلج اعماق البحار, و يغرق في شبر من الماء , ولا بضاعة لهم الا ما يرددونه من كلام اساتذتهم  من سدنة مدرسة الاستشراق , ويحذون حذوهم حذو القدة بالقذة .

وخير وصف لهم هو ما اطلقه عليهم العلامة الشيخ القرضاوي  – عبيد الغرب – فأبرز مقالاتهم هي الاعتماد على كتب النوادر , والمحاضرات , والقصص والحكايات دون الرجوع الي المصادر المعتمدة عند اهل الاختصاص التي تتصف بالمصداقية والصدقية في التوثيق وتعتبر عمدة في مجالها .      

بل نجد ان اغلب الذين حملوا لواء الشبهات حول السنة والحديث النبوي من ابناء المسلمين المعاصرين   كان جل اعتمادهم علي ما كتبه المستشرقون دون أن  يكلفوا انفسهم عناء البحث من المصادر العربية الاصلية المعتمدة في علوم السنة والقرآن الكريم وكان للمستشرق – جولدسهير-  وكتابه (العقيدة والشريعة الاسلامية )  التأثير الكبير علي عقول  هؤلاء المقلدين دون بصيرة .

فكانت كتاباتهم عبارة عن ترديد لدعوات الشبهات حول السنة النبوية والدعوة الي الاكتفاء بالنص القرآني  فقط , والاستغناء عن السنة الشريفة ؛  وكأن النبي صلى الله عليه وسلم  اوتي الكتاب ولم يؤتي مثله معه ؟ وهذه الدعوة تنطوي علي خطورة كبيرة بإبعاد السنة عن حياة المسلمين والاكتفاء بالنص القرآني , وهذا الامر لا يستقيم . لأن السنة هي التطبيق العملي للقرآن الكريم والشارح لآياته ,والمبين لمحكمه ومتشابهة  وخاصة وعامة وناسخة ومنسوخة والواجب والمستحب و.....الخ .

والقرآن  ينص علي ضرورة الاخذ بالوحيين معاً ويرد علي كل من دعي او ادعي الاخذ بالقرآن دون  اتباع السنة قال تعالي : ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر 7 , منها قوله تعالي ( ونزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ) وغيرها من النصوص الصريحة الي تلزم المُتبع المُقتنع  بالعمل بالسنة والسير علي نهجها والالتزام بأوامرها وتجنب نواهيها  , وتُركس الشبهات واصحابها  , وتلجم المعارض الذى لا  دليل معه , ولا برهان ؛  بل عن انحرف عقدي او تشوه فكرى او اتباعا لهوى النفس . إن السنة الشريفة هي المصدر الثاني للإسلام بعد القرآن باعتباره عقيدة , وباعتباره تشريعا وباعتباره أخلاقا ..

وقد انزل الله القرآن الكريم وامر رسوله صلى الله عليه وسلم ان يبين ما اجمل فيه وأن يقيد ما أطلق منه وأن يخصص العام إن احتيج الي ذلك . بل ان الله تعالي اذن لرسوله ان يشرع تشريعا مستقلا لا اصل له في القرآن وهو ما نجده بكثرة في كتب السنة وهو ما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه ) اخرجه ابو داوود وقال الترمذي حسن غريب .

حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من أي دعي يدعوا الي الاكتفاء بالقرآن والتخلي او ترك السنة وهذا معجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام فهو الذي لا ينطق عن الهوي بل كلامه وحي يوحي  ودليل علي ان كل دعوة خبيثة الي الاكتفاء بالقرآن دون السنة ما هي الا خطوة اولي للفصل بين الوحيين ثم تعاد الكرة بتوجيه السهام نحو القران بالطعن والتشكيك واثارة الشبهات ليفصلوا بين ابناء المسلمين ودينهم ورسالتهم وبين ربهم وقرآنهم ونبيهم .