محمد مسعود يكتب: الأنبياء والسلطة 2.. إبراهيم ولوط وشموئيل.. حكايات مثيرة من دفتر «السحار»

مقالات الرأي



الكهنة هددوا خليل الرحمن بالقتل فأمره الله بالرحيل!

نبى الله شموئيل للملك طالوت: مزق الله مملكة بنى إسرائيل عنك

زوجة لوط قالت: فى بيتنا رجال لم أر فى حسنهم فحطم أهل القرية الباب فأعماهم الله!

أبو الأنبياء عرض دفع وزن «سارة» ذهباً على حاكم مصر لتحريرها.. فتركها مجاناً

فى الأسبوع الماضى نشرنا الحلقة الأولى من «الأنبياء والسلطة» المأخوذة عن سلسلة « محمد رسول الله والذين معه»، التى كتبها الراحل عبدالحميد جودة السحار، فى عشرين جزءا، نشرتها مكتبة مصر.

وفى الحلقة الماضية، استعرضنا نشأة خليل الرحمن سيدنا إبراهيم وتبنيه لوطاً ابن شقيقه هاران، كونه لم يكن أنجب من سارة بعد، كما لم يكن قد تزوج من هاجر، ونجاته من النار، وتعجب الملك النمرود من المعجزة، وذبح 4000 بقرة قربانا لله تعالى، غير أنه لم يدخل فى دينه.. وأنهينا الحلقة الأولى بوفاة هاران محروقا بعد طلبه من آلهته إنقاذه من النار كما أنقذ الله عز وجل إبراهيم.

وفى السطور القادمة نستكمل علاقة نبى الله إبراهيم بسلطة السياسة وسلطة الدين، وعلاقة لوط بالملوك فى قرية السوء، بخلاف علاقة نبى الله شمويل، وداود عليه السلام بطالوت.

1- البلدة الظالم أهلها

طلب الكفار من نبى الله إبراهيم عليه السلام، بينة على دينه وعظمته، وأن يأتيهم ببرهان إن كان من الصادقين، فأنجاه الله من النار فى مشهد أدخل فى قلوب الكهنة الرعب، كونهم يحصدون الأموال والتبرعات والعطايا والقرابين والمنح باسم الآلهة التى لا تضر ولا تنفع ولا تغنى عن الناس شيئا، وباتوا فى موقف لا يحسدون عليه، وما زاد من مصيبتهم، رغبة هاران شقيق إبراهيم ووالد لوط فى نصر آلهتهم بأنها ستنقذه من النار مثلما أنقذ الرحمن إبراهيم، وبوفاة هاران فى تجربته الموجعة، محروقا بنار الدنيا، بات الكهنة على المحك.

اشتدت عداوتهم لخليل الرحمن، وذهبوا إليه وطالبوه بالخروج من القرية، وعندما رفض هددوه بالقتل، فأوحى له الله أن اخرج من البلدة الظالم أهلها، فتأهب للهجرة، وجهزت القوافل وسار ومن معه إلى أرض الشام، وبعد أن وقفت القافلة فى إحدى المدن، أمر العبيد والرجال أن يحلبوا الأبقار والأغنام ويوزعون لبنها على أهالى المدينة التى سميت «حلب» كرما للنبى المبارك الذى نشر دين الله فيها، وأسلم معه الكثيرون بينهم إليعازر الدمشقى، وأعلن الكفار الحرب على إبراهيم ومن معه، فنصره الله وباتت دمشق فى حوزته.

وكفر به الكنعانيون وكانوا فى حماية حاكم مصر من الهكسوس فاستنصروه على إبراهيم، ووقعت المعركة ووقعت سارة أسيرة.

ذهب إبراهيم ولوط والدمشقى لملك الهكسوس فى مصر وطالبوا بأن يفدوا سارة بوزنها ذهب، ودخل على الملك ورأسه مرفوع فقال الوزير: «ما لكم لا تسجدون»، قالوا لا نسجد لغير الله، وطالبوا بتحديد فدية سارة، لكن الملك قال: «لا أقبل فدية ممن صانها الله.. إنها لك وما ينبغى أن تكون إلا لك».

منحها ملك الهكسوس لإبراهيم بعد أن حاول التودد إليها والتقرب منها، فرأى أن الله يحميها منه، ومنحه «هاجر» كهدية، وهى أميرة مصرية مات زوجها فى إحدى الحروب وأسرها الهكسوس.

2- «بارع» ملك سدوم

وما إن عاد إبراهيم ومن معه من مصر، أرسل الله لوطا نبيا، إلى قوم «سدوم» بالأردن، وتعانق النبيان، وودع إبراهيم لوطا، وفى قلبه بعض الحزن، كونه كان متبنيا له وبمثابة الابن، وهو لم يرزق حتى الآن، بالذرية.. وبرحيل لوط شعر بأنه فرد.. فدعا الله «رب هب لى من الصالحين»، وسمعت سارة نداءه بقلب مفطور، فدخلت إلى خيمتها باكية، فوجدت هاجر تصلى فى خشوع وتبكى من خشوعها، فقالت فى نفسها: «لعل الله اصطفاها لتكون أما للوارثين».

حمل لوط ابنتيه الصغيرتين وزوجته واماءه وعبيده وأنعامه فى قافلة إلى سدوم، ودخل أسوار المدينة، وكان كل ما فيها ينطق بالثراء، واندهش لوط لأنه لم يقابل كاهنا أو يجد معبدا، فقد كان أهل سدوم فى ضلال بعيد، ومرت القافلة على أناس قابلوها بالسخرية، وعبث بعضهم فى وجوه العبيد و«ظهورهم»، لتنطلق الضحكات الماجنة والكلمات الفاحشة، ووجد لوط أن الفواحش الدنيئة ترتكب فى كل مكان، ووجد الحزن يكسو النساء على حقوقهن الضائعة بين قوم فضلت شهواتهم الرجال عليهن!

ولكى يعيش لوط فى مدينة «سدوم» كان عليه أن يقابل ملكها، وكان الملك «بارع» أحد أربعة ملوك يحكمون الأردن، وكان ملكا على سدوم، ودخل لوط القصر ووصل إلى العرش، ولم ينحن للملك، واستأذنه فى الإقامة فى سدوم على أن يتعاهد معه أن يكون حرا على من يحاربه، وأن ينصره على أعدائه.. ووافق بارع على إقامته، ليبدأ لوط رسالته: «إنى رسول الله إليكم.. ربكم رب السموات والأرض»، فقالوا: «بل أنت كذاب أشر، لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين»، فقال: «رب نجنى وأهلى مما يعملون».

ومرت السنوات ولوط يدعو قومه إلى الهداية وتأبى قلوبهم، فينذرهم عذاب الله وبطشه: «إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين.. إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون».

وتاقت نفس سيدنا إبراهيم إلى نبى الله لوط، فأرسل اليعازر الدمشقى وكيل بيته وأمره بالسفر ليأتيه بأخبار لوط، وما إن نزل إليعازر الدمشقى المدينة سرق حماره، وفى اليوم التالى وجد شخصا من أهل سدوم يركبه، فأمسك بتلابيبه وذهب به إلى القاضى فحكم بأن يدفع اليعازر أجر تبييت الحمار وأكله، فعلم اليعازر من البداية أن سدوم لا عدل فيها ولا إنصاف.

3- لوط أسيرا.. وبارع هاربا

بقى الدمشقى مع لوط إلى ما شاء الله، قبل أن يعود إلى إبراهيم، ورأى «بارع» أن شباب سدوم يتمتعون بالطول الفارع والصحة المفرطة، غره شبابهم، فقرر أن يقطع الجزية التى يدفعها للآشوريين، فهم يدفعونها صاغرين منذ اثنتى عشرة عاما، بعد هزيمتهم شر هزيمة من مملكة آشور، وقابل الملوك الثلاثة فى الأردن، واتحدوا معه وقرروا عدم دفع الجزية والاستعداد جديا لمحاربة الآشوريين فى موقعة جديدة.. وجيء بلوط وطالبه بالقتال معه.. أيحارب لوط مع الكافرين الذين يأتون فاحشة ما أتاها أحد قبلهم من العالمين؟

بلى دخل لوط الحرب مع بارع لأنه عاهده أن ينصره، وعهد الأنبياء حق.. واشتعلت الحرب وهزم بارع الذى فر إلى الجبال.. وأسر لوط وأهل بيته جميعا.. فجرى أحد أتباعه إلى سيدنا إبراهيم الذى أعد العدة.. وأعد كمينا للآشوريين بعد أن علم بمكانهم.. وأخذهم وهم نائمون فهزمهم شر هزيمة.. وحرر لوطا من أسره، فعاد لوط إلى سدوم مبلغا رسالات ربه، وعاد بارع إلى مملكته منصورا.. ويعود إبراهيم إلى حيث ترك سارة وهاجر التى وهبتها الأولى لزوجها، وأصبحت حاملا، وبكت سارة من فرحتها.. وسجدت هاجر متضرعة لله شكرا، فجاءتها رؤية: «يا هاجر إن الله سمع ضراعتك وسيرزقك ولدا سمه إسماعيل لأن الله استمع إلى صلاتك».

4- أليس الصبح بقريب؟

لم تغير الهزيمة سلوك أهل سدوم، ولم ينل رفضهم من عزيمة لوط عليه السلام، فلايزال يهدى قومه وينذرهم عذاب الله فيقولون بقلوب غليظة: «ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين.. اخرجوا آل لوط من قريتكم أنهم أناس يتطهرون»، فقال لوط: «رب انصرنى على القوم المفسدين».

واستجاب الله نداء لوط الذى بشر أهل سدوم بعذابه، وجاء لإبراهيم ضيفان لم يرهما قبلا، فأراد أن يضيفهما بنفسه، فذبح عجلا وشواه، وساعدته سارة، وقدم إليهما الطعام فلم يأكلا، فأوجس منهما خيفة، قالا: «لا تخف إنا رسل ربك أرسلنا إلى قوم لوط، ثم بشرا سارة بإسحق ويعقوب، قبل أن يذهبا إلى سدوم، وعندما بلغا أبواب المدينة وجدا ابنة لوط عند النهر، فسألاها هل من منزل للمبيت؟ ولما رأت جمالهما قالت لا تدخلا المدينة حتى آتيكما، وذهبت إلى لوط وقالت هناك شابان ما رأيت أجمل منهما يريدانك، فاذهب إليهما حتى إذا دخلا المدينة لا يفضحنا أهلها بأعمالهم.

وذهب لوط إليهما عند النهر، فطلبا ضيافته، فوافق، ودخل لوط وضيفاه داره، من دون علم أهل القرية، فخرجت زوجته إلى أهل القرية قائلة إن فى بيت لوط رجلين ما رأيت مثلهما حسنا.

شاع الخبر بسرعة وجاء أهل القرية يهرعون إليه ويطرقون الباب بمنتهى القوة، فقال: «هذا يوم عصيب»، وخرج إليهم وعرض عليهم بناته للزواج فقالوا: «لقد علمت ما لنا فى بناتك من حق وأنك لتعلم ما نريد»، فدخل وأغلق الباب بسرعة، فحاولوا أن يكسروه، خشى لوط، فقال الضيفان: «نحن رسل ربك وإنا مهلكو أهل هذه القرية.. فقال: أهلكوهم الساعة.. قالوا: بل موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب».

نجح أهل القرية فى كسر الباب، فطمس الله على أعينهم وصاروا عميانا، يتحسسون الجدران ليسيروا، وخرج لوط بأهله سرا إلا زوجته كانت من الغابرين، فجاءهم العذاب حجارة مسومة من السماء.. أى مكتوب على كل حجر اسم من سيصيبه.

5- نبى الله شموئيل.. وطالوت ملكا

صار شموئيل نبيا لبنى إسرائيل، يدعوهم لعبادة الله وحده وترك اللذات التى صاروا عبيدا لها، وكانوا يتعجبون كونه يتكلم بما تكلم به إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب ويوسف وموسى، لكنهم لم ينصاعوا لدعواه، ودخلوا فى حربهم مع الكنعانيين «أهل فلسطين»، فهزموا هزيمة منكرة، وسقط التابوت غنيمة فى أيدى الأعداء، ومرت السنون وشموئيل يدعو لعبادة الله الواحد القهار.

وجمعهم قائلا: «توبوا إلى الله وكفوا عن عبادة عشتار والآلهة الأخرى، يطهركم الله وينصركم على أعدائكم»، قالوا: «تبنا إلى الله وأنبنا»، فنصرهم الله على الكنعانيين، وصار شمويل شيخا، فذهبوا له ليدعو ربه ليجعل لهم ملكا، فأوحى الله إليه أنه سيجعل طالوت ملكا، فخرجت أصوات مستنكرة، طالوت؟! أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال، فقال: «إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء والله واسع عليم»، فشككوا فى ذلك «وما أدرانا أن الله اختار طالوت دون غيره»، فقال: «إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن فى ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين»، وتحققت آية الله ووجدوا التابوت أمام أعينهم.

وأصبح طالوت ملكا يقود بنى إسرائيل من نصر إلى نصر، ودخل عليه شموئيل فوجده متكبرا فقال: «أصبحت ملكا يوم كنت متواضعا فما الذى غرك لتعصى أوامر الله..» قال: سأتضرع إلى الله أن يغفر خطاياى.. وأراد شموئيل أن ينصرف فأمسك طالوت بذيل جلبابه فتمزق فقال: «مزق الله مملكة بنى إسرائيل عنك»، فدخل طالوت فى نوبة حزن.. ماذا لو استجاب الله دعاء نبيه؟، فقال له رجاله: «روح عن نفسك.. إنى أعرف غلاما إذا غنى وضرب على العود أصغى الكون وخشعت القلوب فصوته عذب لا يحاكيه صوت فى الوجود».

وكان هذا الغلام هو نبى الله داود عليه السلام.

الأسبوع القادم

■ هل قفز داود على السلطة؟

■ لماذا دبر طالوت أكثر من عملية اغتيال لداود؟

■ لماذا تآمر يوناثان ابن الملك على والده ونصر نبى الله؟

■ كيف وقع الملك طالوت فى يد داود؟ ولماذا رفض قتله؟