السيناريو الكامل للتحرش بالفتيات بالمواصلات المصرية

تقارير وحوارات

بشرى في فيلم 678
بشرى في فيلم 678 وتناوله لقضية التحرش الجنسي



أزمة البنات مع المواصلات العامة، ليست جديدة، أو وليدة اليوم، وباتت تؤرقهم بشكل مستمر من حيث استغلال السائقين، وتعرضهم للتحرش والإهانات بشكل ممنهج إلى أن تحولت لظاهرة يومية، فضلا عن غياب الرقابة، والتي ساهمت بحد كبير في أن يصل الأمر لحمل المرأة سلاح أبيض لتحمي نفسها من أنواع العنف الجنسي ضدها من قِبل الرجال.


وتتعرض بعض الفتيات للمضايقات والتحرشات بصمت، ودون أن ينتبه أحد، فيجلس رجلاً إلى جانبها في "الميكروباص" على سبيل المثال ويضايقها فيما يكون خجلها وخوفها من العواقب، سبب في صمتها عن الاعتراض.


وتنقسم المواصلات في مصر إلى خمسة أقسام رئيسية هي "الميكروباصات بأنواعها" و"أتوبيسات هيئة النقل العام" و"التاكسي" و"مترو الأنفاق" و"التوك توك"، فيما يستخدم البعض السيارات الملاكي التي تعمل "تاكسي" داخل المدن، لكن صحابها لا يخرج على الطرق الرئيسية، خوفًا من الملاحقة الأمنية.

وترصد "الفجر"، معاناة المرأة مع المواصلات العامة، والتي حملت الكثير من الأزمات التي لم تجد حالاً حتى كتابة هذه السطور.


معانة الطالبات 

في البداية تقول سهى محمد، طالبة جامعية، إن أزمتها مع المواصلات تتكرر بشكل يومي، نظرًا لذهابها لدراسة يوميًا، فتستيقظ من الساعة السادسة صباحًا لكي تستطيع الوصول للجامعة في توقيت المحاضرات، ولكن بالرغم من ذلك تذهب متأخر نتيجة الزحام الشديد من قبيل الشباب على الأتوبيسات، دون مراعاة لوقفها بالساعات، لافتة إلى أن "قوة العضلات هي التي تنتصر في عالم سباق المواصرت العامة، ودون الالتفاف للمرأة، وبالتأكيد السائق كل الذي يشغله هو العدد المتواجد في سيارته فقط".


وتستكمل "محمد"، أن وصل الأمر أن يستغل السائقين الوضع ويحمل "الباص" عددًا كبيرًا من الركاب يترادفون في المقاعد بحيث تجد أحياناً (5) أشخاص يجلسون في المقعد بدلاً من ثلاثة، فضلاً عن الذين يقفون في حين جلوس الشباب :" وطبعا ما بنسلمش من التحرشات البصرية، واللفظية، ناهيك أن بعض الأحيان بتشهد من عراك شديد بسبب الازدحام وسلوك البعض المنافية للأخلاق.


وبعد إنهاء اليوم الدراسي وخروجها من الجامعة حوالي الساعة الخامسة أو السادسة، تظل منتظرة في موقف السيارات حتى حلول الظلام تتعرض خلاله إلى شتى أنواع المعاكسات، ويصل بها الأمر بأنها أحياناً تترك المحاضرات للخروج مبكراً حتى لا تتعرض لمثل هذه المواقف.


خصومات يومية 


بينما تروي نهلة سعد، موظفة في أحد القطاعات الحكومية، إنها تعاني أشد المعاناة للوصول لعملها:" بفضل واقفة بالساعات حتى تجد سيارة، وتقول :"وطول منا واقفة بسمع كلام ونظراات من كل واحد بيمر وكأني شىء محرم عليه الواقفة في الشارع، وبتحمل تيجي العربية اركب جنب أي حد مضطرة لتأخيري على الشغل، وياريت تيجي على قد كده لا ده كمان بيفضلو يتحرشوا، ولما بنتكلم ما بناخدش لا حق ولا باطل، وبنوصل الشغل متأخرين يتخصم لنا اليوم، وفي المروح تتكرر المعاناة وبنفضل بالساعات، وطبعا كل ده بنروح مهلكين ونصف اليوم بيضيع في الفاضي، ومفيش اي مسؤول بيفكر ينزل يشوف الشارع في أيه، ولو اتكلمنا يقولو اقعدوا في بيتكم".


وتضيف "سعد"، أن "الأزمة المتكررة على الباصات تضطرنا للوقوف طوال الطريق، وأحيانا يجلسونا ثلاث بنات على كرسي زوجي، ويكون الشباب واقفين أمامنا وإللي جانبنا يسندوا ويميلو علينا ونتخبط بهم طوال الطريق، دون نظام ولا مراعاة".


حمل سلاح أبيض


"احنا بعذاب كل يوم والحكومة والناس ودن من طين وودن من عجين"، بهذه الكلمات عبرت سارة أحمد، ممرضة، عن استيائها من الوضع المتردي الذي وصل له حال المواصلات العامة في مصر وكأنه عقاب عليهم ودوام يومي يعيشه، قائلة:" بنتهي من نبطشيتي بعد الأحيان ليلاً، وبكون بمفدري وأثناء انتظاري للباص بتعرض لتحرش بشكل استفزازاي لدرجة وصل بي الأمر أن أحمل صاعق كهربائي، لحماية نفسي"، مشيرةإلى أنها أكثر من مرة تعرضت للهجوم عليها أثناء انتظارها بالموقف ليلا للباص، وما أنقذها سوى بعض البائعين المتواجدون أنذاك بموقف"عبد المنعم رياض".


وتابعت" أحمد"، اتعرض للتحرش في أوقات متأخرة من الليل، بالرغم أنها ظهور (البلطو الأبيض) وذلك :" لكي يعلمو أني ممرضة، ولكنهم ذئاب لا تعي غير أنهم ذكورة فقط"، مضيفة أن المواطن أخذ يشعر بدم وجود رادع قانوني أو مجتمعي لهذا يستمر هذا الشخص في التحرش.


دعم الدولة للقضية.. والمشكلة مجتمعية


في هذا الصدد تروي أميرة أحمد، ناشطة في مجال حقوق المرأة، أنها من أحد البنات التي قررت عدم ركوب (الباصات) منذ ثلاثة سنوات، كل أموالها ضائعها من أجل اسقلال"تاكسي" خاص بها لكي تستطيع الوصول لعملها، ولتفادي المضايقات بعد معانة طالت فترة طويلة في عالم المواصلات العامة، على رأسها "التحرش".


وأوضحت "أحمد"، أن في العنف يمارس ضد المرأة في الشارع على أساس أن جسد المرأة مليكة عامة، ومن حقه أن يمارس العنف ضدها من باب ثقافة الممنوعات للمرأة، موضحة أنهم مستعبين أن من حقهم إزائها طالما خارجة عن الخريطة التي رسمها تجاهها، مشيرة إلى أن الإعلام سبب من أحد الأسباب التي تُسلع المرأة في الإعلانات، دون النظر لحقوقها وأنها بتمارس انتهاكها بشكل خاطىء.


وتقول "أحمد"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، إن من أجل تفادي مضايقات المواصلات التي تتمثل في شكل كبير في "التحرش"، لابد وأن يتم تفعيل القوانين الخاصة بهذا الشأن بشكل صارم، مشددة على دعم الدولة لهذه القضايا وعليها بتبني سياسة للحد بشكل واضح من هذه الأفعال، ولابد من وجود جهات رقابية تراقب الجهة التنفيذية من أجل إعطاء حقوق المرأة، ولابد أن تكون على وعي وإدراك بتنفيذ ذلك لنشر ثقافة أن جسد المرأة ملكية فردية وليست مليكة عامة، فضلا عن تع الجهات التنفيذية.


غياب الرقابة


من جانبها قالت سميرة معوض، أمين المرأة بحزب المساواة والتنمية، إنه لا يوجد حل لهذه الأزمة سوى أن تجنب أسبابها بألا أتزاحم داخل المواصلات العامة، وأجلس بجوار أي راجل، نظرًا لأن الفكر الذكوري متخيل وجود المرأة بجواره بالكرسي شىء نابع من داخلها، لذا الإنتظار بالشارع أفضل من استقلال "الباصات" هكذا.


وأضافت"معوض"، في تصريحات خاصة لـ"الفجر"، أن العامل بالنقل ليس مؤهل، فمن المفترض أن من يعمل بهذه المهنة يكون مؤهل لها، ويكون على قدر من المسؤولية وليس غرضه ملء سيارته فقط، والتعامل مع المرأة على أنها سلعة ليس أكثر، مشيرة إلى أن هذه مسؤولية وزارة النقل فعليها وفير سائقين مؤهلين لذلك، إضافة إلى المواقف العشوائية الذي لايكون عليها رقابة ومتاح فيها عمل كل شىء منافي للأخلاق، لابد من تشديد الرقابة عليها منعًا لحدوث هذه الظواهر التي انتشرت بشكل غير طبعي هذه الفترة.


وبما يخص التحرش الذي تعاني منه المرأة خلال استقلالها المواصلات العامة، لفتت" معوض"، إلى أن المرأة السبب فهي من تصمت على حقها متخيلة أن التهمة قد توجه بشكل عكسي عليها، أو بما يمس سمعتها، وأن الشخص المتحرش قد لا يعاقب قانونيًا، وهذا يمنعها بشكل كبير من الشكوى خوفنا من "الفضيحة" الذي تظل عالقة بها نتاج مجتمع بيحمل المرأة دائما جميع كل شىء. 


دراسة:  84%  تعرضن للتحرش لفظي بالمواصلات


وأجرى قسم البحوث والمتابعة بجمعية تنمية جنوب مصر، دراسة لتعرف على هذه ظاهرة التحرش بالمواصلات العامة، وتفسير جوانب مختلفة ومن ثم الوقوف على أهم الأسباب والدوافع التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة في المجتمع والوقوف على أهم المؤشرات والنتائج التي تسهم في إيجاد حلول مناسبة لها.


وأكدوا على تزايد ظاهرة التحرش في الآونة الأخيرة وقد أكدت 63.5% منهن على تعرضهم للتحرش وأن من أكثر مظاهر التحرش حدوثًا هي باللفظ والكلام وذلك بنسبة 27.3% يليهم التعرض للإشارة أو النظر بنسبة 22.1% وكذلك المعاكسات التليفونية بنفس النسبة ثم الاحتكاك والملامسة بنسبة 20.9%.


أسباب تزايد هذه الظاهرة فقد جاء في المقدمة ضعف الوازع الدينى بنسبة 84 % يليه ارتداء الملابس الفاضحة بنسبة 74% ثم التنشئة الأسرية بنسبة 70%.


وأكدت الدراسة أن وسائل المواصلات جاءت في المركز الأول للأماكن التي يحدث بها التحرش بنسبة 84% يليها الأسواق بنسبة 82% ثم الشارع بنسبة 78% برغم أن قانون التحرش قانون صارم إلا أن نسبة ضئيلة 22% تعتبر هذا القانون كافيا لمكافحة هذه الظاهرة كما أشارت الغالبية العظمى من جمهور البحث إلى ضرورة الاهتمام بالتربية السليمة حيث بلغت نسبة الموافقين على هذا الاقتراح 95%.