مـديـنـة الـفـتـنـة

العدد الأسبوعي

أحداث المنيا
أحداث المنيا


48 ساعة فى المنيا

■ نشطاء يؤكدون أن الحوادث الطائفية دبرها مسئولون يخططون لعرقلة صدور «بناء دور العبادة الموحد»

■ اتهامات لقساوسة بتمويل بناء كنائس غير قانونية.. ولمتشددين بتحريض المواطنين على حرقها


«قتيل و11 مصاباً، هى حصيلة الأحداث الطائفية التى وقعت فى محافظة المنيا، الأسبوع الماضى، التى تضم غالبية من الأقباط بين سكانها،.. المنيا المعروفة بـ«عروس الصعيد» أصبحت حديث المواطنين والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعى.. الحوادث كادت تشعل فتنة طائفية قد تحرق المنيا ومصر كلها، خاصة مع بطء الشرطة فى التدخل، وعجز المسئولين عن التحرك وقصور دور المؤسسات الدينية التى تعتبر جزءًا من المشكلة.

«عروس الصعيد» تحولت خلال الفترة الماضية إلى كرة لهب تحرق الأخضر واليابس، وجوه مواطنيها بائسة، بعد إسالة دم برىء، دون سبب، والأسوأ أن هذا الدم يمكن ألا يكون الأخير، حيث يغلق الناس أعينهم ولا يدرون على ماذا يفتحونها، على بلد يحكمها القانون والتسامح، أم على نظرات الكراهية وسياسات التمييز.

محرر «الفجر» قام على مدار 48 ساعة بالتجول فى القرى والنجوع التى كانت محل الأزمة المشتعلة، والتى وصلت إلى حد مطالبات البعض لتدخل الرئاسة لحماية الأقباط، وكأنهم يعيشون غرباء، حاولنا التوصل إلى حقيقة الواقعتين على الأرض التى شهدتهما، والاستماع إلى شهود العيان، وغيرهم من أهالى القريتين.

«قرية أدمو» تقع على بعد 20 كيلو مترًا من مدينة المنيا عاصمة عروس الصعيد، وبالتحديد على ضفة بحيرة يوسف، والتى تطل عليها أغلب منازل القرية، وفور وصولنا إلى هناك وجدنا سيدات القرية لا يزلن يقمن بغسل الأوانى فى البحيرة، رغم أنه تصرف كان سبباً من أسباب حدوث الواقعة، التى بدأت بسبب قيام شباب صغار بالاستحمام فى البحيرة، هربا من حرارة الجو القاسية، فنشبت مشادة كلامية بين السيدات والشبان، تطورت إلى مشاجرة بين ذوى السيدات والشباب، أصيب خلالها 5 شباب مسلمين و4 أقباط، إصابات سطحية، ورغم انتهاء المشاجرة بالتصالح بين الطرفين، حيث تنازلا عن المحاضر المتبادلة، إلا أن خبر الواقعة، تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعى.

القرية تعيش حالة هدوء حذر، خشية تجدد الواقعة، والمنازل مغلقة ولكن النساء ما زلن يخرجن على استحياء لغسل الأوانى، بينما ينتظر الشباب رحيلهن ليتمكنوا من الاستحمام، فى البحيرة.

يوسف، خريج كلية الحقوق، قال لـ»الفجر» إن المنطقة تشهد مشاجرات عديدة بين أبناء القرية والمنتمين للقرى المجاورة بسبب الاستحمام فى البحيرة ، خاصة أن بعض الشباب الصغار ينزلون للاستحمام وهم عراة، وهو ما يزعج السيدات.

أما الواقعة الثانية فجرت فى قرية طهنا الجبل، والتى تبعد عن مدينة المنيا، 17 كيلومترًا، الطريق إلى القرية غير ممهد ويقع بين الأراضى الزراعية، وفور وصولنا، كان يمكن لنا أن نلمس حالة الاحتقان والقلق بين المواطنين، ويخشى الجميع رواية تفاصيل الحادثة التى نتج عنها مقتل نجل أحد كهنة كنيسة القرية فضلاً عن إصابة شخصين.

وبحسب رواية الأهالى لــ«الفجر»، تعود الواقعة إلى قيام طفل عمره 6 سنوات بقيادة عربة كارو، وتشاجر مع اثنين من شباب القرية التى يقطنها غالبية من الأقباط وذلك بسبب مطالبته لهما بإفساح الطريق، حيث ضربه أحد الشابين فشكى الطفل لأسرته التى تشاجرت مع شباب القرية وأخرج أحدهم سلاحاً أبيض، وطعن به أحد الشباب، حتى فارق الحياة.

ومن جهتها أصدرت مطرانية المنيا بياناً، أكدت فيه التعدى على أقباط القرية، كما أكد الأنبا مكاريوس، الأسقف العام للمنيا وأبوقرقاص، فى تعليق على صفحته الشخصية بـ«فيس بوك» أن الواقعة هى تعد على الأقباط.

أما إيهاب رمزى، المحامى، الناشط الحقوقى، البرلمانى السابق، فحمل مسئولية وقوع المشاحنات الطائفية، بقرى المحافظة، لقيادات الجماعات المتشددة، إذ إن المحافظة مسقط رأس عدد من قياداتها التاريخية، ومنهم عصام دربالة وعاصم عبد الماجد، والقيادى الإخوانى سعد الكتاتنى، وغيرهم والذين يعملون على زعزعة استقرار المجتمع المصرى منذ سبعينيات القرن الماضى، عن طريق تحريك أنصارهم بالقرى والنجوع، وهو ما يفسر وقوع أكبر عدد من الحوادث الطائفية فى المنيا على وجه التحديد.

وطالب رمزى الدولة بالتدخل، لتحقيق العدالة العاجلة فى وقائع التعدى على الأقباط، وألا تتأثر المحاكمات الجارية بنتائج جلسات الصلح العرفية، كما يجب تطبيق القانون وعدم التمييز فى بناء الكنائس، والعمل على زيادة معدلات التنمية بقرى ومراكز المحافظة التى تنتشر فيها البطالة التى تسببت فى تحول بعض الشباب للأفكار المتشددة.

ويرى الدكتور حسن على، أستاذ الإعلام بكلية الآداب بجامعة المنيا، أن الدولة تعالج الملف الطائفى بأسلوب خاطىء، وتعتبر الفتن الطائفية مسألة أمنية وتحمّل الشرطة وحدها مسئولية إدارتها ما يزيد من الأعباء على هذه المؤسسة، لافتاً إلى أنه كان يوجد عقلاء بالمجتمع، يفرقون بين الخلافات اليومية التى تقع بين أى أشخاص وما يخص الخلافات الدينية، حيث كانت تقع خلافات بين مسلمين ومسيحيين ومسلمين ومسلمين على حدود الأرض، وكان الجميع يعرف حدود خلافاتهم وأنها لا تتعلق بأى أبعاد دينية، ولكن الغريب أن أى خلاف عادى يشهد حالياً تدخلاً مباشراً من قيادات الكنائس، الذين تحول تصريحات بعضهم المشاحنات العادية إلى أزمة طائفية ما أثر على توجه وفكر المواطن فى ظل تبنى الكنيسة توجهات تربوية ودينية بعيدة عن تعاليم الدولة.

وطالب «على»، بضرورة ابتعاد القساوسة والشيوخ عن التدخل فى النزاعات، حيث يظهرون عقب أى خلاف لتلتقط الكاميرات صورهم بما يوحى بالتصالح، ما يضيع هيبة القانون، الذى يجب تطبيقه على الجميع سواء مسلمًا أو مسيحيًا بدلاً من الاعتماد على لجان فض المنازعات.

وأضاف «على» لـ«الفجر»، أن الدولة من جهتها لا تزال تتجاهل التوصيات الصادرة عن لجنة تقصى الحقائق التى شكلها مجلس الشعب، بعد أحداث الخانكة فى سبعينيات القرن الماضى، وأهمها حق الأقباط فى بناء أى عدد من الكنائس كى يتساوى جميع المواطنين فى حق بناء دور العبادة، وغيرها من التوصيات فى هذا الشأن، والتى لا نزال فى حاجة إليها لاستقرار المجتمع، خاصة أن عدم تنفيذ تلك التوصيات سيؤدى لاستمرار الاحتقان الطائفى، مع ملاحظة أن هناك كهنة يمولون بناء منازل تمهيداً لتحويلها إلى كنائس لخلق أمر واقع ما يتسبب فى مشاحنات بالقرى والنجوع، حيث يسود الجهل.

ويرى جمال أسعد، البرلمانى السابق، أن الجميع يجب أن يلاحظ أن ما يحدث فى محافظة المنيا، مرتبط بأنها الأرض التى أخرجت أهم كوادر تنظيمات الإسلام السياسى، والتى لا تزال قواعدها تتحرك فى إطار أفكارها الخاطئة دون تعليمات محددة، حيث يصورون للمواطنين أن وجود كنيسة أمر مرفوض من وجهة نظر الإسلام، وأن هدمها خدمة جليلة للدين، وانتشرت تلك الثقافة فى ظل العزلة التى يشهدها المجتمع سواء من قبل الشباب المسلم أو المسيحى، وفى المقابل تهتم الكنيسة بأبنائها سواء من الناحية الاقتصادية أو التربوية أو الفنية أو الدينية، وهناك تنظيمات وجمعيات قبطية تبنى مدارس ومستشفيات، لرعاية أبنائها من الشباب المسيحى، ويقوم الطرفان بخلق حياة افتراضية لأبنائهما، وقال أسعد لـ«الفجر» إن مصر تحتاج لضرب جميع الأفكار الانعزالية، لأن أعداء الوطن يعتمدون على خلق الفتن بين أبناء المجتمع.

فيما قال أحمد عزمى مدير العلاقات العامة بمديرية الأوقاف بالمنيا، إن الوازرة تعمل بشكل دورى على تنظيم قوافل دينية تضم دعاة الوزارة والتى تنتشر فى القرى التى تشهد حوادث طائفية أو ثأرية لتوعية أهاليها بصحيح الدين وحقوق أصحاب الديانات الأخرى، حتى لا تؤثر وقائع الصراعات الطائفية أو آراء المتشددين، فى نفوس العامة.

من جانبه استنكر محمود جمعة، رئيس بيت العائلة، بالمحافظة، ما يقال عن وجود ضغوط فى بعض الوقائع الطائفية، لفرض الصلح، إذ إن الصلح يتم فقط فى حال قبول الطرفين، مؤكداً أن الجميع يعمل لترسيخ القانون، مشيراً إلى أن بيت العائلة أخمد وقائع طائفية بعدد من القرى، حيث كادت تقع أزمة بقرية الحواصلية بسبب علاقة عاطفية بين شاب مسيحى وفتاة مسلمة، حيث تم تشكيل لجنة من كبار العائلات تواصلت مع طرفى الأزمة وانتهت بالتزام الجميع بالهدوء.

وأضاف جمعة، أن البيت تدخل أيضاً فى قرية أبو يعقوب، والتى قام عدد من الشباب فيها بإحراق منزلين بعد شائعة تحويلهما لكنيسة، حيث تم عقد جلسة وقبل الطرف المسيحى التعويض الذى قدر حجم التلفيات بـ30 ألف جنيه وتنازل الجميع أمام المحكمة وانتهت الأزمة، كما تدخلت لجنة من البيت فى المشاجرة التى وقعت فى قرية ادمو، وتنازل الجميع وتصالحوا، فضلاً عن واقعة اختفاء فتاة وظهور شائعة بأنها سافرت مع فتاة قبطية ستحاول تنصيرها، وتدخل عمدة عزبة النخل مع لجنة مصالحات بيت العائلة وعادت البنت وتبين أن الواقعة مختلقة تماماً، مشيراً إلى أن القضاء العرفى يعمل على إنهاء العديد من الأزمات دون إكراه طرف على الصلح وهى لجان معترف بها بكل محافظات الصعيد، تتدخل فى قضايا الدم لإتمام المصالحات وإنهاء المشاجرات اليومية.

فيما قال مصدر أمنى، إن جميع الوقائع التى جرت تم السيطرة عليها، وتفعيل القانون، والقبض على المتهمين فيها دون تمييز طرف على آخر، حيث تعتبرها الشرطة وقائع جنائية، وليست حوادث ذات بعد سياسى.

أما الأنبا مكاريوس، أسقف عام كنائس المنيا وأبو قرقاص، فقال لـ«الفجر»، إن الأزمة التى تشهدها المنطقة، لم تكن وليدة اللحظة، فى إشارة إلى أن المنيا تعانى من الفتن منذ عشرات السنوات، مؤكدًا أن المنطقة شهدت حادث الاعتداء على كنيسة الشهيد مار جرجس للأقباط الأرثوذكس بمنطقة أبو قرقاص خلال الفترة من 1989-1990، ما ترتب عليه مقتل 9 من أبناء الكنيسة، بالإضافة إلى مقتل كاهن كنيسة منطقة التوفيقية عام 1987، منبهاً إلى أن وتيرة الأحداث الطائفية ارتفعت مؤخرًا، والسبب الحقيقى لاشتدادها غير معلوم بشكل كامل.

أما الأنبا أغابيوس، أسقف دير مواس ودلجا، فقال لـ«الفجر»: إن منطقة دلجا ودير مواس، لا تعانى حالياً من أى فتن أو مشكلات طائفية، إلا أنها كانت تعانى فى الفترة السابقة من الازمات أشهرها أزمة حرق الكنائس، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة، حيث كان لمحافظة المنيا بمراكزها نصيب الأسد فى حرق الكنائس.

وأشار الأنبا أغابيوس إلى أن انتماء القيادى الجهادى عاصم عبد الماجد للمنيا، كان سببًا رئيسيًا فى نشوب الأزمات والفتن الطائفية بالمنطقة، مؤكداً أن منطقة دير مواس لا تعانى فى الفترة الأخيرة من أى فتن.

الفتن لاتقتصر على الكنائس فقط، لكنها تمتد للأفراد أيضًا.. هكذا أكد مايكل سمير، 25 سنة، موضحًا أن الأزمات لفظ واسع جدا فالأزمة تشتهر ويسمع الجميع صداها وتصل للإعلام، بينما توجد أزمات أخرى لا أحد يسمع عنها وتنتهى بدفع فدية، وهناك أزمات أخرى لم يتم حسمها منها على سبيل المثال اغتصاب أحد المتشددين لأرض مملوكة لأسرة قبطية، حيث لم يتمكن أحد من مساعدة هذه الأسرة على استرداد أملاكها.

مايكل قال إن المنيا محافظة جميلة، وأهلها يتمتعون بالطيبة الزائدة عن اللزوم، لذا يستغل المتشددون هذه السمة فى خداعهم، حيث يستغل المتشددون خطب الجمعة لتضخيم أى مشكلة بسيطة ويحولونها إلى أزمة، ويحرضونهم على حرق الكنائس، والاعتداء على الأقباط، خصوصاً الأثرياء منهم.

من جانبه قال فادى يوسف، الناشط الحقوقى، مؤسس ائتلاف أقباط مصر، إن ما تشهده المنيا أكبر تعبير عن حال الأقباط فى مصر، بعد أن قدموا أرواحهم من أجل إسقاط الفاشية الدينية وإعلاء دولة المواطنة.

وأضاف يوسف أن التدخل الأمنى فى جميع الأحداث التى تشهدها المنيا يأتى متأخرًا جدًا، فى إشارة إلى أن ذلك يحدث فى حالة من التعمد، إذ تأتى الشرطة بعد أن يعانى الأقباط، من القتل وفقدان الممتلكات، مؤكداً أن السياسة المتبعة فى الفترة الأخيرة تجاه أقباط المنيا، تعتبر تأديباً لهم بعد انتفاضهم ورفضهم لما حدث للسيدة سعادة ثابت، والمعروفة بـ«سيدة أرض الكرم»، مؤكدًا أن تلك الحادثة ليست يتيمة بل تتكرر، وفى كل مرة يقابل الحدث بالسكوت التام من أكبر المسئولين حتى أصغرهم، منبهاً إلى أن تلك الأحداث تكسر هيبة الدولة وتعتبر تعدياً على القانون.

ويرى يوسف ان الحل يتلخص فى التدخل الأمنى والاجتماعى الفورى، لاقتلاع جذور الفتن الطائفية المشتعلة والمتصاعدة بمصر كافة وفى المنيا خاصة، ويجب على قيادات الدولة أن يعلموا أن هناك نظامين سابقين تم إسقاطهما بسبب الديكتاتورية والفاشية الدينية وكان الأقباط عاملاً رئيسياً فى الثورتين ولن تكون ثورتهم الجديدة أمراً غريباً إذا تأكدوا من استمرار تعرضهم للظلم.

وأشار يوسف إلى عدم فاعلية دور المؤسسات الدينية، الذى ينحصر فى كيان «بيت العائلة المصرية» غير المؤثر، لأنه يعطل مسيرة تطبيق القانون من خلال رعايته للجلسات العرفية، مشيراً إلى أن ارتفاع عدد الأحداث الطائفية يأتى فى المرتبة الأولى بسبب شائعات بناء الكنائس، ولكن من المرجح أن السبب الحقيقى له ارتباط وثيق بتوقيت تقديم مشروع بناء دور العبادة الموحد فى البرلمان، وهو أمر غير مقبول من جانب بعض المسئولين، الذين يرون أن عرقلته تأتى من خلال الأحداث الطائفية.