د. نصار عبدالله يكتب: خالد محيى الدين يتكلم «3»

مقالات الرأي



قبل ساعة الصفر تسرب خبر حركة يوليو إلى القصر الملكى .. عندما وضعت خطة الاستيلاء على مقاليد الأمور لم يكن يعلم أحد بموعد التحرك سوى لجنة القيادة، لكن عبدالناصر قام بتسريب الخبر بطريقة محسوبة تماما إلى القوى السياسية ذات الصلة بتنظيم الضباط الأحرار التى كان كل منها ـ لأهدافه الخاصةـ مؤيدا للإطاحة بالنظام الملكى: الإخوان المسلمين عن طريق حسن عشماوى، وحركة حدتو الماركسية (الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى) عن طريق أحمد حمروش الذى أبلغ أحمد فؤاد والرفيق بدر (سيد سليمان رفاعى).. إلى هنا والخبر مؤمن تماما، ولم تتسرب عبر هاتين القناتين أى معلومات كما يقول خالد محيى الدين فى كتابه الآن أتكلم الذى بدأنا فى عرضه بمناسبة ذكرى يوليو، يضيف محيى الدين أيضا أن الضابط أحمد أنور ذهب ليبلغ شيخا من كلية الشريعة اسمه الشيخ محمد الأودن كان يتبرك به، ونال بركته بعد أن أبلغه بعزم الضباط الأحرار على التحرك! لكن السر مع ذلك ظل مصونا، فكيف تسرب؟ الحقيقة أنه تسرب من مصدرين وليس من مصدر واحد: أولهما أحد الضباط الأحرار من سلاح المدفعية وهو الملازم أول حسن محمود صالح الذى ذهب مسرعا إلى زملائه فى السلاح ليبلغهم أنه توجه فى المساء إلى بيته ليرتدى زيه العسكرى، فشكت والدته فى الأمر، وكانت تعلم أنه ليس لديه خدمة فى ذلك اليوم وأنه على علاقة بحركة ما، فأسرعت إلى إبلاغ أخيه اللواء جوى متقاعد صالح محمود صالح بشكوكها، ليقوم بدوره بالاتصال بحيدر باشا فى الإسكندرية ويبلغه باعتقاده أن بعض الضباط ينوون عمل شىء ما..الليلة، وأما ثانيهما فهو الضابط ممدوح شوقى (وهو ابن خالة ثروت عكاشة)، الذى حاول فى تلك الليلة الحرجة أن يكسب ضابطا إضافيا يضمه إلى الحركة، وكان هذا الضابط هو اليوزباشى فؤاد كرارة الذى ما إن علم أن الجيش سيتحرك هذه الليلة حتى سارع إلى إبلاغ اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة الذى سارع بدوره إلى إبلاغ القصر، وهكذا بدأت ماكينتان فى الدوران.. كل منهما تحاول أن توقف الأخرى وتشل فعاليتها، ومن ثم تسيطر على القوات المسلحة، وعلى البلاد بأكملها! واستدعى اللواء حسين فريد الذى قرر عقد مؤتمر عاجل فى الساعة العاشرة لقيادات الأسلحة والمناطق، ولم يدع اللواء محمد نجيب لحضور المؤتمر مما يعزز الاعتقاد بأن السراى كانت تعتقد أن اللواء محمد نجيب يقف خلف عملية التمرد الجارية، لكن الدعوة وجهت إلى شقيقه اللواء على نجيب قائد قسم القاهرة، وعرف محمد نجيب من شقيقه بموعد المؤتمر والغرض منه، فسارع بدوره بالاتصال بعبدالحكيم عامر، وأخبره بما يجرى فى رئاسة الأركان، وهو ما كان يستوجب الإسراع باعتقال القادة المجتمعين بكوبرى القبة أثناء خروجهم لشل سيطرتهم وإفشال أى خطة للتحرك المعاكس، وأسرع عبدالحكيم عامر إلى جمال وخرجا معا بملابسهما المدنية فى سيارة جمال الصغيرة بأمل أن يلتقطا أى خيط من القوات الموالية للضباط الأحرار ليدفعاه إلى الإسراع نحو كوبرى القبة واعتقال الضباط الكبار.. ولحسن حظهما كان يوسف صديق قد تحرك مبكرا بساعة ونصف الساعة عن الموعد المقرر فى الخطة الأصلية، لكى يقوم بمحاصرة مبنى القيادة دون اقتحامه طبقا للخطة.. وعندما وصل عبدالناصر وعبدالحكيم إلى مبنى القيادة قامت قوات يوسف صديق باعتقالهما قبل أن تتعرف على شخصيتهما وتعرف منهما ما استجد من الأخبار ويتقرر الاقتحام بدلا من الاكتفاء بالحصار، وللحديث بقية.