د. رشا سمير تكتب: « بنت مولانا».. فراشة احترقت بنار العشق

مقالات الرأي



بنت مولانا.. رقدت بالفراش وحيدة، يؤرقها الشوق، ويضنيها الحنين إلى الرجل الذى أحبته، ولا تجده بجوارها فى فراش بارد

■ ذبلت مشاعرها من فرط الاشتياق لرجل أحبته ولفظها

■ طلبت من الرومى أن يزوجها الدرويش وقالت له: « أظن أن شمس هو قدرى»


«تمعن فى هذه الوردة الندية بماء الحياة، الأشد ينوعا الآن فهى قبل عرائس الجنة سوف تذوى حتما».

بأبيات من شعر مولانا جلال الدين الرومى استهلت الكاتبة البريطانية المولودة فى فرنسا مورل مفروى روايتها الساحرة (بنت مولانا) الصادرة عن دار نينوى فى 187 صفحة من القطع المتوسط.

والحقيقة أن الروائية التركية إليف شافاق كانت قد قدمت لنا بطلة هذه القصة كشخصية ثانوية ضمن روايتها مختلفة المذاق (قواعد العشق الأربعون)، التى نسجت فى خيال القراء مقطوعة من الدانتيلا الأدبية فلم تكن مجرد قصة كتبتها روائية محترفة.

الشخصية التى وضعت رتوشها الأولى إليف شافاق والتقطتها مورل مفروى بريشة الفنان لتمنحها ألوان الحياة، هى شخصية كيميا ابنة مولانا جلال الدين الرومى، وعلى الرغم من أن مذاق شخصية (كيميا) كان يتجلى بوضوح ضمن صفحات الرواية الأولى، إلا أن علاقة الرومى بشمس التبريزى لم تُعطها المساحة الكبيرة لتظهر.

فظلت تلك المنطقة خاوية أمام القارئ أو بالأحرى رمادية اللون، وهذا هو بالتحديد ما نجحت الروائية البريطانية مور لمفروى فى تسليط الضوء عليه باحتراف، لتبنى عليه من خلال استلهام شخصية (كيميا) لتكون محور روايتها «بنت مولانا» وتغزل ما يتعلق بها من أحداث، وهى صورة تبدو مبتكرة فى عالم الأدب، أن يقوم روائى باستكمال شخصية كتب عنها روائى آخر فى عمله السابق، ومن ثم يسلط عليها الضوء.

هكذا كانت رواية (قواعد العشق الأربعون) مثلا لمخاض انتهى بولادة شخصية (كيميا سلطان)، قبل أن تلتقط طرفها «مفروى» لترسم ظلالا وخطوطا جديدة للشخصية، حتى إن السرد فى (بنت مولانا) بدأ بكيميا، وهى لازالت جنينا فى علم الغيب تبحث لنفسها عن مكان تحت الضوء، حتى كاد الضوء أن يحرقها، مثل الفراشات التى تنجذب للنور فى أحلامها.


1- الطفولة

(كيميا) هى الأخت الصُغرى لأخ يبلغ من العمر ستة عشر عاما، وأخت فى الثانية عشرة من عمرها، وكيميا فى الحادية عشرة، وكانت منذ طفولتها مختلفة، فأخواها يتصرفان مثل أى طفل، يقعان، ويبكيان، يسكبان الطعام، ويتدحرجان على الأرض، فتتسخ ملابسهما، أما هى فلا، لم تكن أبدا مثل باقى الأطفال.

لم تكن تبكى حين تسقط، أو تتذمر، فقط كانت تغيب عن الوعى فى لحظات غريبة، حيث تنسل منها الحياة، تقف ساكنة، وكأن هناك من تُنصت إليه، أو كأن هناك صوتا من العالم الآخر يسكنها، بهمس من نوع مختلف، همس يملأ نفسها بالسكينة، اعتادت والدتها الأسئلة الشائكة التى طالما أطلقتها كيميا.

سألت والدتها آفدكيا ذات مرة سؤالا حيرها كثيرا: «لماذا أعيش، وأين كنت قبل أن أولد؟».

وعادة ما كانت آفدكيا تجد إجابة لتلك التساؤلات الحائرة، لم تكن كيميا بالفطرة حزينة، بل كانت مفعمة بالحياة، مستعدة دوما للضحك، للقفز على قدميها، حين تُطلب منها المعونة، لكن حتى وهى فرحة كانت تختلف فى التعبير عن فرحها عن الأولاد الآخرين، باختصار كانت كيميا تبدو للعائلة كلها وكأنها غرسة من بلاد غريبة.

كانت تحيا بينهم بروح تبدو مختلفة، لا تألف مع من حولها من الأطفال فى مثل سنها. فكل من رآها أجزم أنها ستكون رائعة الجمال حين تكبر، بل وسوف تكون إنسانة مختلفة، أو امرأة سيكتب لها الزمان حكاية مختلفة،وقد كان.


2- النبوءة

منذ أن كانت كيميا جنينا فى بطن أمها افدكيا، بدأت النبوءة تلاحقها، فقد هبط إلى القرية فى أحد ليالى الشتاء القارصة التى لم يجرؤ أحد فيها على الخروج من شدة الصقيع رجل اسمه محسود، رجل لا يذكر من أين جاء، ولا إلى أين مضى؟!.

وبعد أن أكرموه وقدموا له الطعام والمأوى، قال لآفدكيا أم كيميا وكانت حاملا بها: «سيكون المولود بنتا، سمّها كيميا».. ثمّ توقف كمن يفكّر وتابع: «ينتظرها مستقبل كبير»، هكذا جاء أسمها وصدقت نبوءة الرجل.

ثم أسند الدور الآخر لتشكيل هذه الشخصية إلى محمد الناسك القادم من قونية، وقد تعرّفت عليه فى القرية، والذى بدأ يعلّمها الكتابة، وكان أوّل من حدّثها عن مولانا، بل فاجأته بأن ذكرت أوصاف ماكان يرتديه مولانا من ملابس أثناء إلقاء دروسه.

فقال لها: «كيف عرفت؟»

أجابت: «رأيت البارحة رجلا، يلبس عباءة زرقاء، وعمامة رماديّة، عيناه زرقاوان فى رماديّ، ابتسملى وأخذنى من يدى»

قال أحمد بعد وهلة: «محظوظة أنت، فقد ترينه يوما.. من يدرى؟».

فتطلعت فى أحمد بالجدية نفسها التى صدمته بها أوّل ما قابلها وأمها قرب فسقية القرية: «نعم سأراه».


3- الوصية

ثمّ يأتى الدور الأهم للأب كريستوم ،الذى كان يزور القرية كل رابع قمر، وقد كتب فى وصيته بأن تذهب كيميا إلى قونية لتتعلم، وهو الأمر الذى أرّق مضجع أبيها فاروق، الذى لم يتردد فى أن يحقق وصية الأب كريستوم، حتى اهتدى فى النهاية إلى الذهاب بها بنفسه إلى قونية، وتسليمها إلى الرّاهبة أندريه فى دير القديس بطرس حسب وصية الأب كريستوم.

إلا أنّ القدر وضع فى طريقهم مولانا جلال الدين الرومى بالمصادفة البحتة، فى أحد الأسواق وكأن القدر ساق كيميا إلى الغد الذى تمنته بالأمس ووثقت بمجيئه، وهنا طلب مولانا من فاروق أن يستضيفها مع زوجته كيرة وابنه الرضيع عبدالعليم فى بيته، وهو الأمر الذى لقى استحسانا وعدم معارضة من الأب الذى ترك ابنته كيميا لتصير مع الوقت، «بنت مولانا»، اللقب الذى حملته منذ أصبحت جزءا من بيت الرومى.

تتسلل بنا المؤلفة بكل هدوء فى الصفحات التالية إلى وجود كيميا فى بيت جلال الرومى مع زوجته وابنه الأكبر (سلطان ولد) فى قونية، بعدما عهد بها الأب إلى مولانا، كانت الأمور تسير على وتيرة واحدة، سواء بالنسبة إلى كيميا، التى كانت تقضى وقتها فى مساعدة كيرة زوجة مولانا، ومداعبة الصّغير عبدالعليم، وأيضا بالنسبة إلى مولانا الذى كان يقسّم وقته بين دروسه فى المعهد، ومجالسة مريديه، والجلوس إلى أهل بيته.


4- النار والفراشة

الوقت آخر الظهيرة، وذرات من ذهب تتذبذب على حوائط الغرفة الصغيرة، تتلوها حركات شجرة الكستناء العجوز فى النسيم بالخارج.

هل تعرفين حكاية الفراشة وعشقها للنار؟

فاجأها جلال الرومى.. وهى تقرأ نصا لفريد الدين العطار، الشاعر الذى صادفه مولانا منذ سنين وهو صغير، وقبل أن تُجيب، قاطعها مولانا بسؤال آخر:

«تنجذب الفراشة للنار، فتطير أقرب وأقرب، حتى تتبدد الفراشة».

لم تعرف الحكاية، ولم تظن أنها هى الفراشة، هى النار، نار تحت رحمة ريح، فى بيت مولانا، تهب باتساق.

قرأ مولانا أفكارها، فقال:

«ستشتد الريح، والنار ستكبر، إلى أن تصبح النار فى النهاية والريح والفراشة شيئًا واحدًا»

وكرد لحظى، سرت رجفة فى شجرة الكستناء، فنثرت على الجدران شذرات الذهب، وكان الحُب فى عينى مولانا لا يُحتمل، فصرفت كيميا نظرها بعيدًا.

هل كانت هى الفراشة، ولكن أين تكمن النار، وهل تحترق بها، أم تنجو وتنهزم الأسطورة؟


5- الدرويش

هبط شمس الدين التبريزى قادما من تبريز، فالتقى مولانا بالصدفة فى أحد الأزقة، وبكرم أخلاق مولانا عرض عليه استضافته فى بيته، وهنا تأخذنا الرواية إلى منعطف جديد فى حياة مولانا جلال الدين الرومى.

حيث انقلبت حياة الرومى وأسرته ومريديه رأسا على عقب، مع قدوم الغريب، وهوماعبّرت عنه كيميا بكلمات بسيطة قالت فيها: «شيء يتغيّر، شمس الدين يغيّرنا، لا أعرف كيف؟»، وهو الأمر الذى لم يتحمّله مريدوه، بعد أن ابتعد عنهم مُعلمهم وقدوتهم، وانصرف تماما إلى ضيفه الجديد. ولّد هذا معارضة من محبيه، ووصلت الرّسالة إلى شمس مصحوبة بتهديدات بالقتل.

فضّل الرّحيل، لكنه عاد مرّة ثانية، وما إن عاد حتى عرض عليه مولانا الزّواج من كيميا التى صارت ابنة الثانية عشرة، وبتشجيع من كيرة زوجة مولانا قبلت كيميا، نعم، كانت كيميا تكن الكثير من الإعجاب لشمس دون أن تجرؤ على البوح، فرحبت بالزواج، وهللت له أساريرها بخجل خافت.

فقد أصابها سهم الحب ّمنذ أن التقت عيناها عينيه لأول مرّة، والحقيقة أن سهم الحب لم يصب كيميا فقط، بل أصاب أيضا مولانا، حتى إنه تفرّغ تماما لصديقه شمس التبريزى، وهو ما ظهر فى نحول جسده، وإن كان لا يخفى وميض السّعادة فى عينيه، فقال معبّرا عن هذه العلاقة التى آلمت الجميع بحروف قال فيها بكل تحد: «شمس الدين صُن روحي».

ساد الفضول كل قونية، فالناس يلمحون شمس والرومى معا فى كل مكان، ظلان لعلاقة لا تتضح ملامحها، يذهبان إلى المسجد، إلى السوق، وحتى إلى الحمامات العامة معًا، يتكلمان بحيوية فى أغلب الوقت، ويغرقان فى الصمت أحيانا.

انصب اهتمام مولانا على شمس الدين، فجعله كالمسحور، غير واع بالعالم من حوله، ويومًا بعد يوم، يتفاقم غضب مريدو مولانا جلال الرومى، الذى انصرف عنهم، وتعثر فى المواظبة على دروسه بالمعهد الدينى، حتى ضاعت هيبته بينهم، وشعروا بإحباط شديد.

هنا تأخذنا الرواية إلى التلميح بوجود علاقة وطيدة بين الرجلين دون الإفصاح عن مكنونها، فعشقهما إلى الله تحول إلى حالة من عشق الكون والأشياء، بل والأشخاص فى بعض الأحيان.


6- واحترقت الفراشة

وقفت أمام صدرالدين فى حالة من السعادة والترقب والقلق، وسأل شمس: «هل تقبل كيميا، بنت مولانا جلال الدين الرومى زوجة مخلصة؟»

فأجاب الدرويش الهائم: «أقبل كيميا بنت مولانا جلال الرومى زوجة لى»

ثم سألها: «هل تقبلين شمس الدين التبريزى زوجا مخلصا؟»

فترد مبتسمة: «أقبل شمس التبريزى زوجا لى»

فأعلن صدرالدين: «أنتما الآن زوج وزوجة»

على باب الغرفة، دعاها شمس للدخول، وقال بهدوء: «أنت متعبة، وهاهى غرفتك، فنامى بسلام، وتذكرى.. إن الله معك دائما».

رقدت بالفراش وحيدة، يؤرقها الشوق، ويضنيها الحنين إلى الرجل الذى أحبته، ولا تجده بجوارها فى فراش بارد خاو من المشاعر، تنتظر أن ينفتح الباب ويدخل إليها، فلا يأتى، تمر الأيام والليالى، وشمس قابع فى غرفته فى نهاية الردهة، يتوضأ ويصلى، ويغلق عليه الباب بالأيام، متضرعا إلى الله، طالبا منها أن تضع صينية الشاى أمام الباب، وتمضى.

ومع بزوغ شمس كل نهار، كانت تتوضأ وتصلى الفجر، ثم تتضرع إلى الله بقلب منكسر وعين غابت عنها الطمأنينة وتسأله: «مامعنى الزواج، ولماذا تزوجنى وهو لا يريدنى؟»

حاولت كيميا كثيرا أن تقترب من زوجها، وحاولت أن تعبر له عن حبها، وعن مكنون نفسها، وحاولت أن تشعره بمدى احتياجها إليه، ولكنه كان يدفعها بعيدا، بكلمات حاولت كثيرا أن تفهم مغزاها ولم تستطع: «لا حد أمام الله فى تعريف نفسه.. هو الله الأحد.. العشق الذى تحسينه هو الله.. أنا خادمه وحسب، فلا تنسى.. واحذرى ألا تخلطى بين عشقك لى وعشقك لله».

كيميا ابنة مولانا، العروس التى أخذت تحلم وتنسج ليوم عرسها أحلاما وآمالا مثلها مثل أى فتاة فى سنها، استيقظت على هجر وجفاء لم تحتمله، فشمس التبريزى الذى وقعت فى غرامه لم يُعطها من عشقه سوى قُبلة واحدة، وعدة قواعد فى العشق.

قواعد حفظتها فى قلبها الحزين، وأوصدت عليها الباب بالمفتاح، قواعد تركتها فى حالة عشق متأججة، وتركت جسدها جائعا يبحث عن الخلاص بين أحضان حبيب قرر أن يبتعد قبل أن يقترب.

حبيب آثر أن يبقى فى الصورة مجرد رسول للعشق، لا يملك حُجة الإقناع برسالته، يشجعها على أداء صلاة الفجر فى موعدها، ثم يتركها لينام.

ذبلت الوردة.. واقتربت الفراشة أكثر من النار.. فتحققت النبوءة، واحترقت الفراشة بنار العشق.

فى هذا اليوم الغائم توجهت بعينيها إلى السماء وتساءلت: «هل يتساوى أن تُحب أو تُحب؟، سيحين وقت ما، تكون فيه السكينة والحياة نهرين يندفعان إلى البحر ذاته»

أغمضت عينيها وراحت فى غفوة بعيدة، وبقيت الحقيقة الوحيدة، وهى أن كيميا عشقته لكن قلبها الرقيق لم يحتمل ذلك الحريق الذى اتّقد فى قلبها، واتضح لها مع الوقت أنها كانت الفراشة التى تنبأ باحتراقها أبوها ومولاها جلال الرومى.


7- قونية وليرنده

من أجمل الأشياء التى قدمتها الرواية دون أن تجعل القارئ يلهث وراء التفاصيل هى الأحداث التاريخية التى تسللت وسط الأحداث لتنسج خيوطا جعلت الحبكة القصصية أكثر تماسكا، وصبغت على الرواية قيمة ابتعدت بها الكاتبة عن تحولها لمجرد سرد سطحى لأحداث قصة غرام عادية بين شخصين.

إن تقديم التاريخ وسط صفحات أى رواية، عادة ما يأخذ الكاتب إلى طريق من اثنين، إما أن يستطيع الروائى بحرفية مزج التاريخ وسط الأحداث لتصبح الرواية نسيجا واحدا، وإما أن يسقط الروائى فى هوة الاستطراد بشكل أكاديمى ممل، يجعله يتعامل مع تلك المساحة المتاحة له بطريقة (القص واللزق)، فهو ينقل حرفيا من الإنترنت، فتنتهى مهمته الثقيلة فى توصيل الأحداث التاريخية، بفقدان قدرته على الإقناع وبالتالى انعدام مبيعات الرواية.

وفى الرواية التى نحن بصدد الكتابة عنها استطاعت «مفروى» أن تُقدم باحتراف شديد الأحداث السياسية فى زمن الرواية، وأن تربطها بحكى أحد الأبطال تارة وبملامح «الفلاش باك» تارة أخرى، فلم تُشعر القارئ بإقحام التاريخ على الأحداث.

فعلى سبيل المثال، يقوم فاروق والد كيميا بالرد على سؤال ابنته عن قصة حبه لوالدتها، فيقول:

«جاء عمى وابنه إلى مدينتى ليرندة وقونية، حيث كنا نُقايض حليبنا وصوفنا، وجبننا بالخضار والفاكهة، وكانا يعودان محملان بالحكايات عن مبان من حجر محفور وناس يتكلمون لغات غريبة، وذات يوم وأنا فى الثامنة عشر من عمرى ذهبت إلى ليرندة وقونية لأرى بأم عينى ما حكيا عنه عمى وابنه».

«تحدث الناس عن أحلاف مؤقتة ما بين السلطان وأمراء بيزنطة.. وتحدث الناس عن تحالف السلطان مع إمبراطور غربى عظيم يُدعى ذو اللحية الحمراء»

حتى لا تفرض الكاتبة خشونة التاريخ على نعومة السرد الإنسانى، لم تذكر اسم الإمبراطور ولا حكايته، فدفعتنى بفضول كى أنبش فى كتب التاريخ لأصل إلى اسم وقصة هذا الرجل الذى جاء ذكره بذكاء شديد وغموض أشد فى الرواية.

كما تطرقت الرواية أيضا بخفة إلى الحادثة التاريخية التى اجتاح فيها المغول أراضى الأناضول، والأهوال التى لاقاها الشّعب أثناء الاجتياح، لكن التوقف الحقيقى ّكان عند الحياة الاجتماعية، فبالإضافة إلى ذكر مواسم الحصاد للتفاح وأشجار الأرز والأطعمة، إلا أنها توقفت أيضا وغاصت فى عُمق العلاقات بين أفراد المجتمع، التى كانت مع الأسف تشير إلى حالة من التداخلات غير المقبولة.

وكما أن الرواية لها ما لها، فيجب أن أذكر بأن عليها أيضا ما عليها، واعترف بأن ما أفسد على القارئ العربى بحق متعة قراءة الرواية هى الترجمة الركيكة للمترجم المصرى، الذى أفسد متعتنا بسوء اختيار الأوصاف وخلو الترجمة من سحر اللغة وجمال مفرداتها، حتى إن الجُملة الواحدة أستوقفتنى مرارا فاضطر إلى قراءتها أكثر من مرة حتى أصل إلى تفسير مقبول لما أراد أن يقوله النص الأصلى.

وهنا يجب أن أقارن تلك السقطة التى بحق أفسدت مذاق الرواية بالترجمة الرائعة المنمقة للمترجم السورى خالد الجبيلى، الذى قام بترجمة رواية (قواعد العشق الأربعون) إلى العربية، فخلق من بين صفحاتها رواية موازية أكثر نعومة وصلابة من لغتها الأصلية، مما جعل القراء يبحثون عن النسخة العربية لأنها أضافت للنص.

فى النهاية يجب أن أعترف بأن الروائية تركت قراءها فى حالة من الفضول لمعرفة المزيد عن علاقة جلال الدين الرومى وشمس التبريزى، تلك العلاقة الغامضة بين مولانا العاشق والدرويش الهائم، وكيميا الفراشة، التى اختارت أن تحترق طواعية بنار العشق.