الحكومة تستولى على 4 مليارات جنيه من أموال «التأمين الصحى»

العدد الأسبوعي

مستشفى
مستشفى


تمثل جزءاً من ضريبة السجائر

■ مفاوضات بين شركات الدخان و«المالية» لرفع السجائر تهدر 500 مليون سنوياً وتخلق سوقاً سوداء


تحاول الحكومة باستمرار السيطرة على عجز الموازنة، حتى لو استولت على أموال كانت موجهة لقطاعات مهمة بالنسبة إلى المواطنين، لذا لم تخجل من توجيه حصيلة الضريبة على السجائر، إلى سد العجر بدلاً من تحسين الخدمات الصحية، حسب القرار الجمهورى الصادر برفع الضريبة فى عام 2015.

ولكى تعرف حجم الحصيلة الذى طمعت فيه الحكومة يجب أن تعرف أن مصر تحتل المركز العاشر عالمياً فى معدلات التدخين، والأول عربياً، وووفقاً لدراسات صندوق مكافحة الإدمان، يستهلك المصريون سجائر وشيشة بـ36 مليار جنيه سنوياً، بدرجة أعلى من المخدرات التى ينفقون عليها 11 مليار جنيه، ما يعنى أن الحكومة تحصل من 5 إلى 5.5 مليار جنيه سنوياً.

هذه الضرائب كانت جزءاً من معركة حامية خلال الأيام القليلة الماضية، بين البرلمان والحكومة، حيث قال الدكتور على حجازى، رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى، مساعد وزير الصحة، فى اجتماع لجنة الصحة بمجلس النواب إن قرار هانى قدرى، وزير المالية السابق، بتخصيص نسبة من حصيلة هذه الضرائب لصالح التأمين الصحى، لم يتم تنفيذه حتى الآن، رغم أن الهيئة خاطبت الوزارة أكثر من مرة لصرف مستحقات الهيئة، البالغة 1.6 مليار جنيه، لكن الوزارة أكدت صعوبة التنفيذ دون وجود تشريع خاص يفيد بذلك.

وتعود بداية القصة إلى القرار الجمهورى رقم 12 لسنة 2015، الذى رفع قيمة الضريبة القطعية المفروضة على السجائر والتى تتراوح حصيلتها بين 5 و5.5 مليار جنيه سنوياً، وكان من المقرر أن يتم توجيه الجزء الأكبر منها «1.6 مليار جنيه» لتحسين خدمات الرعاية الصحية ومنها قطاع التأمين الصحى فى إطار سياسة الحكومة بمراعاة البعد الاجتماعى، لكن الوزير قدرى، أصدر حينئذ قراراً وزارياً آخر رقم 120 لسنة 2015، ألغى به القرار الأول.

الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الصحة، كشف عن بعض كواليس القرار، حيث قال إن الدولة عندما قررت زيادة الضريبة على السجائر، كان هناك قرار آخر بزيادة رواتب أطباء وزارة الصحة، ولم يتم حينها رفع أجور أطباء التأمين الصحى، لأنها هيئة مستقلة وايراداتها غير كافية، ولكن وزارة المالية وعدت حينئذ بتوجيه حوالى 4 مليارات جنيه من حصيلة تلك الزيادة الضريبية البالغة 5.5 مليار جنيه إلى قطاع الصحة بحيث يتم تخصيص 1.6 مليار جنيه منها، لزيادة رواتب أطباء التأمين و2 مليار جنيه لتحسين الخدمة والباقى لوزارة الصحة، ولكن الوزارة استخدمت الحصيلة لسد عجز الموازنة.

القضية كشفت عن عملية استيلاء الحكومة على أموال ضريبة السجائر بالكامل وليس أموال الزيادة الضريبية الأخيرة، حيث لم توجه الحكومة أى أموال للقطاع الصحى، رغم أن الضريبة تم فرضها لهذا الغرض وحده.

وشهدت ضريبة السجائر تعديلات كبيرة خلال السنوات الأخيرة منذ عام 2012، وبلغت حصيلتها حوالى 32 مليار جنيه خلال العام الماضى، وحسب الموازنة الجديدة لعام 2016/2017 تستهدف الدولة تحصيل ضرائب مبيعات وجمارك على التبغ والسجائر بإجمالى 43 مليار جنيه، وتعادل 21.5% من ضرائب السلع والخدمات.

ويرى خليل أن الحكومة دائماً ما تبرر زيادة الضريبة على مبيعات السجائر، بمطالب منظمة الصحة العالمية، لأنها سلع ضارة بالصحة لذلك كان من الأولى بدلاً من الاستيلاء على تلك المخصصات الضعيفة، تخصيصها للتأمين الصحى، واستخدامها فى تمويل الاستحقاقات الدستورية لقطاع الصحة فى الموازنة التى تبلغ 3%، حيث وصلت النسبة فى الموازنة الحالية لـ1.9%.

العجيب أن إلغاء الحكومة قرار الـ1.6 مليار جنيه كان بدعوى عدم تأثر الإنفاق على برامج الرعاية الصحية، بأى تذبذب أو انخفاض فى حصيلة الضرائب على السجائر، رغم أنها من أهم الضرائب المستقرة والسلع ذات الطلب المرتفع، كما انها بررت التفافها على القرار، بأن الزيادة تأتى فى إطار الضريبة العامة، وأنه لا يوجد نص صريح بتخصيص هذه النسبة لصالح التأمين الصحى.

من جانبه أعلن الدكتور مجدى مرشد، رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب، أن وزارة المالية بصدد تقديم مشروع قانون ينص على تخصيص حصيلة ضرائب السجائر لقطاع الصحة، لعرضه على المجلس فى أقرب وقت، وفى حال تأخرها ستقدم اللجنة مشروعاً آخر.

وقال النائب هيثم الحريرى، عضو اللجنة لـ«الفجر»: إن اللجنة قدمت مقترحاً بتعديل القانون الخاص بتعديل قيمة الضرائب القطعية المفروضة على السجائر حتى يتم استقطاع 40 قرشاً من قيمة كل علبة سجائر، للتأمين الصحى، لوضع البند الذى قالت وزارة المالية إنه لم يكن موجوداً فى القانون القديم.

واتهم المركز المصرى للحق فى الدواء، وزارة المالية، بالاستيلاء على أموال التأمين الصحى، واصفاً ما قامت به الوزارة، بأنه تدليس للحصول على أموال عامة تحت دعوى وقوع خطأ فى تطبيق القانون.

وتنفق وزارة الصحة، سنوياً حوالى 3.4 مليار جنيه، لعلاج الأمراض الناتجة عن التدخين، وحسب الدكتورة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، فإنه يجب إعادة تخصيص حصيلة الضريبة على السجائر لصالح التأمين الصحى، لأن المبرر لفرض الضريبة هو دعم الصحة والتأمين الصحى، مشيرة إلى أن العام الماضى شهد مطالبات عديدة من جانب نقابة الأطباء لوزارة المالية ورئاسة الوزراء لتخصيص حصيلة الضريبة للهدف الذى تم فرضها لأجله وهو دعم التأمين الصحى، الذى يعانى من ضعف شديد فى ميزانيته.

ووفقا للدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الصحة، فإنه لا يوجد قانون ينص على توجيه حصيلة ضريبة السجائر إلى قطاع الصحة إلا نص واحد موجود فى قانون التأمين الصحى الصادر عام 1992 الذى يفرض ضريبة ثابتة بواقع 10 قروش على كل علبة سجائر لصالح طلبة المدارس وهى نسبة ضعيفة، لافتاً إلى أن نصوصاً مقترحة فى مشروعات قوانين سابقة للتأمين الصحى، رفعت تلك النسبة لـ10% من سعر بيع العلبة، وحسب اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية لمكافحة آثار التدخين، والتى صدقت عليها مصر عام 2005، وبموجبها يتم رفع ضرائب السجائر كل فترة، فإنه يجب أن تصل الضريبة لـ70 أو 80% من سعر العلبة الأصلى، وألا تقل النسبة الموجهة للإنفاق على الصحة عن 10% من سعر العلبة.

ما فعله وزير المالية السابق هانى قدرى، لم يختلف كثيراً عما قرره وزير المالية الأسبق يوسف بطرس غالى، فى التسعينيات مع بداية نظام التأمين الصحى على طلبة المدارس، فبعد سنة واحدة قرر غالى ضم هذه الحصيلة لميزانية الدولة.

وحسب دراسة «اقتصاديات ضرائب التبغ فى مصر»، الصادرة عن مؤسسة بلومبرج الخيرية، فإن رفع قيمة ضريبة التأمين الصحى على طلبة المدارس من 10 لـ50 قرشاً عن كل علبة سيوفر إيرادات تفوق 860 ألف جنيه.

ووفقا للمسودة النهائية لمشروع قانون التأمين الصحى، الذى أعدته الحكومة، فإن من مصادر تمويل التأمين الصحى، هى ضرائب بنسبة 15% من قيمة كل علبة سجائر، و15% من كل وحدة مباعة عن مشتقات التبغ غير السجائر.

ويرى عبدالهادى أن الحكومة تتعامل مع السجائر باعتبارها سلعة عامة استراتيجية ولذلك فالشركات ليست صاحبة قرار رفع الأسعار، لافتاً إلى أن الوزارة رفضت رفع الأسعار، رغم تقديم الشركات مقترحات للوزارة منذ 8 أشهر لتحريكها على الشريحة العليا فقط، وهو ما أضاع على الدولة 500 مليون جنيه سنوياً مع ظهور سوق سوداء للسجائر يتم فيها البيع بأسعار مرتفعة.

ويقول عبدالهادى إن سعر ضريبة المبيعات المفروضة على السجائر كان 200 و250% من قيمة العلبة يضاف إليها مبلغ مقطوع 150 أو 175 قرشاً، وفى عام 2014 تم تعديلها لتصبح 3 شرائح: 50% من سعر بيع المستهلك يضاف لها 175 قرشاً للعلبة التى لايزيد سعرها على 9 جنيهات، أما التى يتراوح سعر بيعها بين 9 و15 جنيهاً فيتم تحصيل 225 قرشاً للعلبة، الشريحة الأعلى «السجائر المستوردة» والتى يزيد سعرها على 15 جنيهاً فيتم تحصيل 275 قرشاً عن كل علبة.