التصالح مع مخالفات البناء.. "فساد بالقانون" و كارثة عقارية تهدد "المحروسة".. (تحقيق)

تقارير وحوارات

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


بعد ثورتين متعاقبتين الدولة تتصالح مع مخالفات المباني وتضرب بالقانون عرض الخائط
 الإخوان رفضوا التصالح مع المخالفين.. ومحلب وعبدالعال قننوه لحفنة مليارات
 350 مليار جنيه حصيلة مخالفات المباني.. والمجموع منها "زيرو"
متابعون: "فين فلوس التصالح"؟!.. ومختصون: تقنيناً للفساد وضوء أخضر من الحكومة إلى المخالفين بالحماية وبالقانون
 



يبدو أن الفساد في مصر أصبح كائنًا خرافيًا نمى وترعرع وأصبح مخيفًا لا يقوى عليه أحد، وفي الوقت الذي يعلن فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي خططه لمكافحة الفساد في جميع قطاعات الدولة ويؤكد أنه لا تصالح مع المخالفين والفاسدين، يخرج علينا مسؤولين من حين لآخر كاشفين عن حزمة ضخمة من فساد "إداري وقانوني وسياسي" يهدد أمن واستقرار البلاد والعباد في ظل صمت الأجهزة الحكومية عن مواجهة ذلك أو تكون هي نفسها طرفًا في هذا الفساد.
 
كانت هذه المرة مع فساد مشروع "قانون التصالح مع مخالفات البناء" بهدف جمع عدة مليارات، رغم ما يمثله من كارثة بكل المقاييس من إزهاق لأرواح المصريين وضياع للأراضي الزراعية، المهم سد عجز الموازنة وعجز مسئولي الدولة عن التفكير والإدارة والتخطيط لاستحداث وتعظيم موارد الدولة.


سبب لجوء الحكومات لهذا القانون؟
تلجأ الحكومات المتعاقبة لهذا القانون ليدير مليارات الجنيهات علي خزينة الدولة مستشهدا بقيمة الغرامات التي استطاع الجهاز إثباتها علي مستوي الجمهورية حتي نهاية 2013 التي وصلت وقتها إلى 16٫2 مليار جنيه ويقدر عدد العقارات المخالفة للتراخيص بنحو نصف مليون عقار هو ما أمكن حصره في هذا العام.
 
سبب ارتفاع ظاهرة العقارات المخالفة
يرجع سبب انتشار المباني المخالفة إلى غياب تطبيق القانون ورقابة أجهزة الدولة، إلى جانب استغلال حالة الانفلات الأمني، وعدم قدرة وزارة الداخلية على التصدي للخارجين عن القانون بعد أن أصبحت أغلب قرارات الإزالة حبرًا على ورق.

المخالفات تجتاح مصر
ووفقًا لتقارير حكومية، هناك 318 ألف عقار مخالف، و415 مليون وحدة سكنية من دون ترخيص في كافة المحافظات، كشف عنها الحصر الذي أجري للعمارات التي أقيمت خلال الفترة من يناير 2009.كما كشفت تقارير أخرى صادرة من وزارة الزراعة عن ارتفاع عدد حالات التعديات على الأراضي الزراعية إلى 775 ألف حالة بإجمالي مساحة 32 ألف فدان، بمعدل 3,5 فدادين من الأراضي الزراعية كل ساعة، منذ 25 يناير 2011 إلى اليوم.

أزمة قانون التصالح
كشفت مصادر مسؤولة عن أزمة فساد كبرى ترقى إلى مستوى "الأزمات القومية" ليست فقط في قانون التصالح مع المخالفين في بناء الأراضي، لكن أيضا في نهب الأموال الناتجة عن غرامة المخالفة والتي استند إليها رئيس مجلس النواب أثناء موافقته على قانون التصالح بقوله إن "التصالح مع المخالفين يجلب مائة مليار جنيه للدولة".
 
عقارات تُشيد وأرواح تزهق ومخالفات ترصد وقرارات إزالة لا تنفذ هذا.. هو حال بيزنس الاستثمار العقاري المخالف في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 حتي الآن.

الوزير الإخواني يرفض تقنين مخالفات البناء ويغلظ العقوبة
أعلن وزير التنمية المحلية الإخواني "محمد علي بشر"، رئيس مجلس المحافظين – السابق, رفض تقنين مخالفات البناء , ووقفه  البناء  بعد الثورة  فورا وتغليظ الغرامات على المخالفين، وقرار مجلس المحافظين بحظر تقنين أوضاع البناء المخالف– وتغليظ الغرامات لحين الإزالة.


محلب يوافق على مشروع التصالح
فيما وافقت حكومة المهندس إبراهيم محلب على مشروع قانون التصالح مع مخالفات البناء في مقابل تحصيل غرامة تقدر بنصف تكلفة حجم الإنشاءات وقت إقامتها إلا أن الكارثة تفاقمت والأموال ضاعت.


البرلمان يوافق على مشروع التصالح
قال معتز محمود، رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب، في تصريح له مايو الماضي، إن قانون التصالح على مخالفات البناء يوفر لخزينة الدولة مليارات الجنيهات، ولكن لابد من وضع آلية لتقنين عمليات التصالح حتى لا يصبح بابًا خلفيًا للقضاء على الأراضي الزراعية والتعدي على أملاك الدولة. وهو الأمر الذي استنكره المتخصصون لما له من عواقب وخيمة على مستقبل البلاد.
 
قانون التصالح مع المخالفين "دمية" في يد المسؤولين
شبه المتخصصون قانون التصالح مع المخالفين بأنه أشبه بـ "الدمية"، التي يتلاعب المسؤولين وبات أصحاب تلك التجارة من ملاك ومقاولين يتسترون خلف موظفين ولجان بالأحياء والوزارات يرفعون شعار «نفع واستنفع» كما أصبحت الدولة تتلاعب بالقانون.

350 مليار جنيه حصيلة المباني المخالفة في 2014
رجح خبراء أن استثمارات هذه المباني المخالفة تقدر بنحو بـ 350 مليار جنيه. ويقول المصدر الذي ترأس الجهاز المختص بالتفتيش الفني على أعمال البناء إن غرامات المباني المخالفة بالأخذ بالمحاضر ذو أسعار مخفضة "متهاودة" بلغت 350 مليار جنيه قبل 2014. إلا أنه سيعود ليتساءل "أين أموال التصالح"؟!.
 
عُشر تطبيق قانون التصالح مع مخالفات المباني يوفر "خزينة عامة" 35 مليار جنيه

في حين أن أدنى ما يستحق  لبيت المال – الخزانة العامة - 35 مليار جنيه، وبالتالي فإن تحصيل العُشر – بضم العين وتسكين الشين – كان كفيلا بسداد ديون الوطن الخارجية والداخلية - معا, ويساهم في "إنشاء آلاف المصانع – المستشفيات , عشرات من قنوات السويس – الجديدة , وربما يفيض عن حاجة الدولة المجاورة – بأسرها"- بحسب ما ذكر من معلومات موثقة.

الدولة تجمع "صفر" من تطبيق قانون التصالح مع مخالفين المباني

ويؤكد المصدر لـ"الفجر" أن الحصيلة الفعلية التي تم جمعها من المباني المخالفة هي "(زيرو), بسبب ما وصفه فساد أجهزة الحكم المحلي – أو بالأقل امتناعها عن أحد واجباتها الوظيفة , مجرد ملء بياناتأنموذج لائحي مطبوع – معد سلفا , والنتيجة المترتبة ضياع آلاف المليارات من هذه النوعية من الموارد السيادية – كل عام.


رغم تحذيرات المتخصصين البرلمان التصالح مع المخالفين سيد الموقف
إعلان الحكومة التصالح مؤقتا مع مخالفات البناء أثار ردود أفعال غاضبة من القانون ويرونه تقنيناً للفساد والمخالفين، والسماح بتكرار وتعاظم المخالفات ورسالة اطمئنان وضوء أخضر من الحكومة إلى المخالفين بالحماية وبالقانون.


تقول الدكتورة منار حسني عبدالصبور، مدير عام المكتب الفني بمديرية إسكان محافظة القاهرة والمدرس المنتدب للمعهد العالي للهندسة بأكاديمية طيبة، إن قانون التصالح مع مخالفات البناء ردة للخلف ومكافأة للمخالفين والفاسدين والمفسدين.
 
وتساءلت: "كيف للمسئولين من الدولة وبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو أن يقننوا الفساد، بدلا من مجازاة المخالف إلي حد مصادرة الأرض المقام عليها المخالفة وكيف لحكومة بعد ثورتين قامتا ضد الفساد والمفسدين أن يكون تقييمها للمخالفات والغرامات معتمداً على لجان فحص وتقييم هي أساس البنك، فيما يجري من مخالفات وانهيارات للعقارات في مصر بدلا من سؤالها عن مليارات الجنيهات حصيلة مخالفات هم أيضا من قام بتحصيلها أو موافقات وتراخيص لعقارات ومبانٍ جديدة هدمت علي رؤوس مواطنيها ومئات الآلاف من قرارات إزالة لم تنفذ".


وتابعت: "لمصلحة من كل يوم يتم إصدار تشريع جديد لمساندة المخالفين مع وجود ثغرات تمتلئ بها قوانين الإسكان تمكن المخالفين من التمادي في الخطأ وهم مطمئنون أن القانون مؤقت وأن القوانين يتم تفصيلها لصالح المخالفين والفاسدين عديمي الذمم والضمائر، وإلى أي مدى سيظل التخطيط غائباً والعشوائية والمصالح العليا الخاصة هي الحاضرة منوهة إلى أن مصر شهدت تزايدًا في حالات انهيار العقارات لصدور قرارات التنكيس والإزالة دون تنفيذها وكذلك انتهاء العمر الافتراضي لعدد كبير من المباني مع إهمال جميع أنواع أعمال الصيانة".

حماية الفساد
الدكتور محمد سامح كمال الدين، أستاذ العمارة بهندسة القاهرة ووكيل لجنة الإسكان بمجلس الشورى سابقا، يؤكد عدم جدوى قانون التصالح مع مخالفات البناء مثل القوانين المنظمة للبناء والإسكان التي ظلت مليئة بالثغرات التي تمكن المخالف من الإفلات من العقوبة والحساب وطالما هناك استمرار لفساد الضمائر يدعمه انعدام للرقابة الداخلية من قبل الأحياء والمحافظات التي عليها مسئولية تطبيق القوانين على المخالفين ومراقبة أعمال البناء باستمرار، ولكنها لا تقوم بدورها بل ومساعدة المخالفين بل تتغاضي عن المخالفات لأعوام طويلة، والنتيجة موت المواطنين تحت أنقاض العمارات المخالفة أو الآيلة للسقوط حتى أصبح البناء المخالف بيزنس يتحدى القانون وأبلغ دليل علي ذلك ما تشهده محافظة الإسكندرية من انهيارات متتالية تعدت آلاف العقارات.
 
فين فلوس التصالح؟!
ويضيف المصدر بحرقة "ليست هناك طريقة لتقنين إجرام - أيا كانت صورته - مطلقًا, خصوصا في الدول التي تحترم نفسها. لكنهم أرادوا تهريب الجناة لقاء وعد بمبلغ تافه نسبيا, (حاجة ببلاش كده) , بخس وعهود – آجلة- بعيدة  المنال , أيضا مشروطة بإيقاف الإجراءات بعمومها - التي اتخذت أو تتخذ - مستقبلا ؟!.
 
وتساءل في حديثه لـ"الفجر"، هل من حكومة - في دولة محترمة - فعلت ذلك - قننت إجرام؟! شجعت مواطنيها على الخروج على تشريعاتها – مستقبلا ؟! سخرت أدواتها - التشريعية – لإفادة حفنة - ثلة - ومن المجرمين؟!، متابعًا اسئلته "فين فلوس التصالح"؟!.


جدير بالذكر أن قانون تنظيم البناء – رقم 119 لسنة 2008 ينص على:

عقوبة المخالف
تنص المادة 102 /1 : يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات أو الغرامة التي لا تقل عن مثلي قيمة الأعمال المخالفة ولا تجاوز ثلاثة أمثال هذه القيمة كل من قام بإنشاء مبان أو إقامة أعمال أو توسيعها أو تعليتها أو تعديلها أو تدعيمها أو ترميمها أو هدمها بدون ترخيص - من الجهة الإدارية المختصة.

الموظف "المسؤول"
المادة 99 : يعاقب بالحبس والغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من أخل بأي من مهام وظيفته ويجوز الحكم فضلا عن ذلك بالعزل من الوظيفة ، وتتعدد العقوبات بتعدد المخالفات.
 
إلا أنه كما ذكر أعلاه أن المسؤولين باتوا يتلاعبون بالقانون ويتخذونه "دمية" وبات شعار «نفع واستنفع» هو من يحكم دولة بحكم مصر.