"مجازر الطيور المهاجرة والحيوانات البرية"

السعودية

السعودية - أرشيفية
السعودية - أرشيفية


تزايدت حالة من القلق بالتزامن مع اقتراب موسم هجرة الطيور ومرورها بالجزيرة العربية وانطلاق هواة الصيد لتنفيذ "المجازر المخيفة" من خلال قتل أعداد هائلة من الطيور بشكل يعدّ تهديداً لأنواع كثيرة منها.


وما زال الصيد الجائر الذي يمارسه هواة الصيد لقنص الطيور المهاجرة وبعض الحيوانات البرية يمثل تحدياً كبيرًا للحياة الفطرية في المملكة، ويهدد باختلال النظام البيئي فيها، رغم منع الصيد وتشريع الأنظمة التي تجرم مرتكبي تلك الأعمال.


وقال المواطن عبدالله الشعلان وهو أحد المهتمين بمتابعة الطيور: "مع دخول نجم سهيل في 24 من شهر أغسطس من كل عام (بعد 10 أيام) تبدأ هجرة الطيور مروراً بشمال الجزيرة وأجزاء من وسطها".


وأضاف: "تنحصر أسباب الهِجرة عند عدد من الطيور في الهروب من برودة الشمال، وقلّة الغذاء في بعض فصوله، إضافة إلى الصراع من أجل البقاء".
وأردف: "على الرغم من ذلك لا يعود ثلث الطيور من رحلة الهِجرة، بسبب الصيد الجائر، والجوع أو الظروف المناخية أو تحوّل الطيور المهاجرة نفسها لمواد أولية تتغذى عليها كائنات أخرى أكثر قوة وأشد قدرة على الافتراس".


وتابع: "في السنين الماضية لا يوجد قتل وإبادة للطيور المهاجرة بهذا الشكل المخيف ولكن مع التقدم في التقنية وتوفر آلات الصيد تضاعف الصيد الجائر للطيور".
وقال "الشعلان": "تقضي البنادق بأنواعها على كم كبير من الطيور المهاجرة، كما شكلت الشباك التي يستخدمها الصيادون وينصبونها في المزارع بين الأشجار فخًا لآلاف الطيور".
وأضاف: "في الآونة الأخيرة أخذ الصيادون يتفننون في خديعة الطيور ونصب الفخاخ لها، إذ بدأوا في استعمال آلة مقلدة لتغريد الطيور تسمى "المنادي" لخديعة الطيور وجلبها لمكان الشباك أو موقع مناسب يتمكن الصياد فيه من رميها ببنادق "الرش".


وأردف: "تتراوح أسعار آلات تقليد أصوات الطيور - حسب نوعها والبلد الذي صنعت فيه -  من 800 ريال إلى 300 ريال سعودي، حيث تصدر قرابة 50 صوتًا من أصوات الطيور التي توجد في البلد خلال مختلف الفصول".


وتابع: "في بعض الأحيان يستعمل الصيادون كذلك خدعة تتمثل في وضع أجسام تشبه أشكال الطيور قرب آلات النداء فتقع الطيور في الفخ بسهولة".
وقال "الشعلان": "تنوعت الشباك المستخدمة في صيد كميات هائلة من الطيور  حيث توجد أنواع منها يستخدم يدوياً وأنواع أخرى تستخدم عن بعد بالريموت".
وأضاف: "هذه الشباك تتسبب في نفوق عدد من الطيور بسبب حاجتها للمراقبة الدقيقة، إذ يموت الطائر خلال دقائق من سقوطه في الشبكة بسبب الإجهاد وحرارة الشمس".
من ناحيته، قال المواطن مساعد أبو راكان أحد المهتمين بمتابعة الصقور والعناية بتربيتها: "تقع الجزيرة العربية ضمن مسارات الهجرة للعديد من الطيور المهاجرة، ومن خلال متابعاتي للتقارير العالمية التي تنشر عن الطيور المهاجرة فإن نسبة كبيرة منها تصل إلى 24% مهددة أو قريبة من مستوى التهديد بالانقراض".


وأضاف: "استخدام الشبك الجائر في صيد بعض أنواع الطيور المهاجرة خاصة الصقور كالصقر الحر والشاهين البحري أثر سلباً على أعدادها".
وأردف: "تشير دراسة نشرت عن أعداد الصقر الحر بالمملكة خلال السنوات الماضية أنه لو استمرت عمليات صيد الصقر الحر على الوضع الحالي مع استمرار المهددات الأخرى كتدهور البيئات وغيرها من المؤثرات بمواقع التعشيش والهجرة، لربما يؤدي ذلك إلى اختفاء الصقر الحر كطائر مهاجر عبر الجزيرة العربية خلال الـ 20 سنة القادمة".


وتابع: "بالرغم من أن الأنظمة المعمول بها بالمملكة تحمي الطيور المهاجرة، إلا أن الدراسات الأخيرة أشارت إلى أن أعداد طائر القميري تتناقص بنسبة وصلت لأكثر من 60 % نتيجة للصيد الجائر على هذا الطائر في الجزيرة العربية ومناطق أخرى من العالم، مما تسبب في ضمه العام الماضي إلى قائمة الطيور المهددة بالانقراض على المستوى العالمي".
وقال "أبو راكان": "تقارير صادرة من الاتحاد العالمي لحماية الطبيعة " IUCN" و"البيرد لايف إنترناشونال" تشير إلى أن 80 % من الطيور المهددة بالانقراض أو القريبة من مستوى التهديد بالانقراض في الجزيرة العربية هي طيور مهاجرة".


وأضاف: "النسبة المتبقية فمنها 18 % طيور مستوطنة - يقصد بها الطيور التي لا توجد في أي مكان بالعالم سوى في الجزيرة العربية، أما نسبة 2 % فهي طيور معششة".
بدوره، قال المواطن خالد العتيبي: "لقد أصبح الضب مهددًا بالانقراض، لتعرضه خلال السنوات الماضية لصيد جائر وبكميات كبيرة غير مبررة، حتى إن بعض المناطق لا يمكن مشاهدة "الضب" فيها إطلاقاً، وبعض المناطق الأخرى يقضي زائرها وقته في البحث عنه ولا يجد منه إلا أعداداً فردية، وذلك بعد ما كانت تشاهد بكثافة في أطراف الصحراء".
وأضاف: "مع بداية الصيف من كل عام يتداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مشاهد مفزعة ومؤلمة لمقاطع فيديو لعملية صيد الضبان مما يوحي بكارثة لتلك الحيوانات في المنطقة التي وقع فيها الصيد".


وأردف: "أسباب الصيد الجائر لبعض الحيوانات والطيور كثيرة، ولكن أغلبها أو ما يمثل 75 % من عمليات الصيد هو لأجل الاستمتاع واللهو وتضييع الوقت، وقد يتعدى ذلك إلى حد التفاخر والبذخ بها".


وتابع: "هذا الأمر يتضح من خلال قيام بعض هواة الصيد بنشر صور ومقاطع الفيديو لكميات صيدهم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي".
وقال "العتيبي": "مما يؤكد أن مقصد عدد من هواة الصيد هو اللهو والتسلية قيام بعضهم بقطع "ذيول" الضبان وتركها ملقاة في الصحراء وتحت الأشجار، بل إن بعض الأشخاص يقتل الحيوانات البرية التي لا تؤكل لأجل التسلية، فيذهب للجبال الوعرة والصحاري القاحلة ليقتل الذئب ويأخذ فروه أو عينه أو أظافره أو ذيله ويفاخر به أمام أقرانه، كما يقتل الثعلب الضعيف ليقطع ذيله ويعلقه في سيارته أو في مدخل بيته أو استراحته".


وأضاف: "في الآونة الأخيرة؛ أصبحت عمليات الصيد الجائر بقصد التجارة والبيع وبكميات كبيرة جدا تجاوزت الآلاف".
وأردف: "أصبحنا نشاهد إعلانات بيع الطيور المهاجرة تغزو المحلات التجارية والميادين طوال العام حيث يقوم الصيادون بتخزينها في الثلاجات ليتمكنوا من رفع سعر بيعها بعد انتهاء موسم هجرتها، مما ينذر بخطر يهدد حياة تلك الطيور".


وفي سياق متصل، قال المواطن نواف العتيبي: "ينادي كثير من المواطنين والمهتمين بوضع حلول حازمة ومدروسة للقضاء على ظاهرة الصيد الجائر ولكن ما زال مسلسل الصيد الجائر لعددٍ من الكائنات الفطرية والطيور المهاجرة مستمرًا ما لم يجد ممارسوه عقوبات حازمة من الجهات المختصة، تحد من أفعالهم، وتردعهم عن هذه الاعتداءات التي أصبحت مشاهد مؤلمة تشكل إبادة واضحة لبعض الحيوانات البيئية".


وأضاف: "من أسباب عدم القضاء على هذه الظاهرة عدم وجود شرطة بيئية أو أمن بيئي، لأن الأمن البيئي جزء لا يتجزأ من أمن الوطن وإذا لم يتم وضع أمن بيئي وتقوية الجهاز المسؤول عن البيئة فحتما لن تحمى الحيوانات والطيور والأشجار البيئية، إذ لابد مع وجود النظام وجود جهاز يطبق النظام سواء نظام الصيد أونظام الاحتطاب والمراعي".
وقد نص نظام صيد الحيوانات والطيور البرية الصادر من مجلس الوزراء في مادته الثانية: لا يجوز لأحد مُباشرة الصيد دون الحصول على ترخيص من الهيئة أو من تُفوِضه.."، وجاء في مادته الأولى" الصيد: المُطاردة أو الإمساك أو الجرح أو القتل لأيِّ حيوان أو طير بريِّ".


وجاء في نصّ المادة السادسة: "مع عدم الإخلال بأيِّ عقوبة أشد يفرِضُها نِظام آخر، يُعاقب كُل من يُخالف أحكام هذا النِظام بغرامة لا تزيد عن عشرين ألف ريال، وفي حالة تِكرار المُخالفة يجوز مُضاعفة الغرامة، وفي جميع الأحوال يجوز أنَّ تُضبط الأسلِحة والآلات والأدوات التي اُستُعمِلت في الصيد، وكذا الحيوانات والطيور التي تم اصطيادُها، ويجوز مُصادرتُها في حالة ثبوت المُخالفة".
وفيما يتعلق بالجانب الشرعي، فإنه إذا كان الصيد للهو واللعب والتسلية فلا يجوز، ورد في "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/ 512): "أما قتله "يعني الحيوان" لمجرد اللعب واللهو فممنوع؛ لما فيه من ضياع المال، مع تعذيب الحيوان، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك"، وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "فَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الِانْتِفَاعَ بِهِ "يعني المصيد" حَرُمَ ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، بِإِتْلَافِ نَفْسٍ عَبَثًا" فتح الباري.


ومن الأدلة على النهي عن ذلك ما جاء عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا بِغَيْرِ حَقِّهِ ، سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . قِيلَ: وَمَا حَقُّهُ؟. قَالَ: " َنْ تَذْبَحَهَا فَتَأْكُلَهَا، وَلَا تَقْطَعْ رَأْسَهَا فَيُرْمَى بِهَا"، رواه النسائي (4349)، والدارمي (1978)، وقال الذهبي في "المهذب" (7/3614): "إسناده جيد"، وصححه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/376)، وحسنه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/368)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1092).


وقال الشيخ ابن عثيمين: "فهذا مكروه، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه؛ لأنه عبث، وإضاعة مال، وإضاعة وقت "الشرح الممتع".
وأضاف: "أما إذا كان الصيد للانتفاع بالمصيد، إما بالأكل، أو البيع، أو التصدق به، أو إهدائه للأصدقاء والأقارب ، أو غير ذلك من وجوه الانتفاع، فهذا مباح بإجماع العلماء وهذا لا شك في جوازه، وهو مما أحله الله عزّ وجل في كتابه، وثبتت به السنة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأجمع عليه المسلمون "الشرح الممتع".