د. رشا سمير تكتب: "الوسطى" على جهاز التنفس الصناعى

مقالات الرأي



تنقسم المجتمعات في أي دولة إلى ثلاث طبقات..

(طبقة عُليا) وهى الطبقة المرفهة التى لا تشعر بمشاكل الدولة لانه اببساطة تمتلك ميزانيه أكبر من ميزانيه الدولة ذاتها..

(طبقة دُنيا) وهي الطبقة التي تحمل هموم الدنيا فوق اكتافها ولا تطمع سوى فى قوت يومها ولاتعلم إنكان سيأتى عليها الغد بهموم أثقل أم سيكتفى بما تكابده. 

أما الطبقة الثالثة فهي.. (الطبقةالوسطى) والتيبكل صراحة هى الطبقة التى رقصت علي السلم علي الرغم من كونها الطبقة التي تحدث التوازن المجتمعى الحقيقي..

تحاول الحكومات الذكية فى أغلب الدول المتقدمة أن تحتوي الطبقه الوسطي.. وتوجه كل طاقاتها لرفع العبئ عن الطبقة الدُنيا.. وعادة ما تتجاهل الطبقة العليا او تعمل معها ندا لند للاستفاده من كونها طبقة ذات إستقلالية ونفوذ إقتصادى مستقل قد تستفيد منه الدولة!.

أما فى مصر ولأننا دولة لها طابع خاص وحكومة مختلفة جدا..فنحن نتجاهل الطبقة الدنيا ونحاول القضاء على الطبقة الوسطى ونحارب الطبقة العُليا!..

الحقيقة أن مشاكل الطبقة العُليا هى مشاكل من نوع خاص جدا، فهم فى غيبوبة حقيقية مما تمر به مصر الآن..

ولا يشغل بالهم فى الفترة الحالية إلا مجموعة أسئلة قد تزعج البعض، ولكنها بدون إستفزاز هى الحقيقة العارية.. تلك الأسئلة هى: كيف سينجون بدولاراتهم؟ وكيف يشترون عقارات فى أسبانيا ودبي للحصول على الجنسية؟ وهل يبيعون فيلا مارينا وينتقلون إلى مراسي؟ وهل ستمنع الدولة إستيراد طعام القطط والكلاب أم فقط سيكتفون بوضع ضريبة مضاعفة عليه؟!..

والطبقة الدُنيا فى حالة غيبوبة إنسانية بدأت منذ عصر مبارك ولازالت فى نفس الدائرة المغلقة.. وكل ما يدور برؤوسهم من مخاوف لا يخرج عن إطار: ثمن جلسات غسيل الكُلى.. كيف يدبرون مصاريف الدروس الخصوصية التى تُفرض على أبنائهم فى المدارس الحكومية حتى ينجحوا.. المرار الذى يكابدونه فى توفير مال لتموين رمضان ولحمة العيد ولبس الأولاد..والمعاملة الغير أدمية فى مستشفيات الحكومة..

تلك الطبقة فى الواقع كانت ولازالت وستظل تعانى.. لا جديد إذن؟.

وتبقى الطبقة الوسطى وهى الطبقة الحائرة التى وبفضل الدولة بدأت فى الإنهيار ثم الإنحسار ثم الإندثار قريبا جدا!..

تلك الطبقة التى لازالت تتمسك بالأخلاق والقيم وتتعامل مع مصر على أنها الشريان النابض بالحياة داخل كل منها..

هى الطبقة المحترمة التى كلما غلت الأسعار وتراكمت الديون ورُفع الدعم.. يكون نصيبها الأكبر من المعاناة..فهى طبقة عفيفة النفس.. تحملت الكثير.. ولازالت تتحمل فى صمت..

هى طبقة لا تستفيد من الدولة ولكنها بلا شك توفر لها..

طبقة تتعلم بفلوسها.. وتتعالج على نفقتها الخاصة.. طبقة تمتلك السيارة فلا ناقة لها ولا جمل من تطوير المواصلات العامة ولا إنشاء مترو الأنفاق..

الطبقة التى تعيش على قرض البنك وتدفع فوائده راضية وتدفع مصاريف مدارس وجامعات أولادها من الجمعيات!..

طبقة لا تتعامل مع وزارة الصحة ولا مستشفياتها، بل تدفع من مالها الخاص لتلقى أسوأ أنواع العلاج فى المستشفيات الخاصة.. لا تطمع فى علاج على نفقة الدولة ولا تذهب لمستشفيات الحكومة..

طبقة تدفع من أجل أن تمنح أولادها فرصة تعليم محترمة فى المدارس الخاصة التى تعمل بلا رقيب من الوزارة فترفع المصاريف كلما واتتها الفرصة..ومن ثم طبعا الكليات الخاصة!.

طبقة ليست لديها بطاقة تموين ولا تصل إليها خدمات القوات المسلحة من كراتين رمضان ولحمة العيد وتطوير مساكن العشوائيات..

طبقة لا تنجب إلا طفلين أو ثلاث عن طريق الخطأ حتى يتسنى لهم تربية أطفالهم بشكل محترم..طبقة تسدد ضرائبها على أكمل وجه، فلا هى تتهرب من الضرائب مثل الطبقة المرفهة ولا يتم صرف الضرائب عليها مثل الطبقة الفقيرة.

تلك الطبقة ببساطة هى ضحية التعثر الإقتصادى.. وهى بكل صراحة الطبقة التى تتولى أعباء الطبقة الفقيرة وتساعدها فى غفلة من الدولة..

تلك الطبقة التى تتعامل معها الدولة من منطلق أنها تحمل لقب (حمال الأسية)..

فحين يتم رفع الدعم.. يُرفع عنها!.

وحين تزيد فواتير الكهرباء.. يدخلون على الفور فى الشريحة التى تليها!..

وحين يختفى الدواء من الأسواق يلجأون للمستورد الذى زاد سعره ثلاث أضعاف..فيشترونه وهم صامتون.. طبقة تحملت توابع زيادة أسعار كل شئ من البنزين وحتى دواء الكحة!.

لا أعلم ولا أحد يعلم، لو أن هناك خطة محددة أمام حكومة شريف إسماعيل لتغيير الوضع أو حتى روشتة علاج إقتصادى أم لا؟..

لا نعلم إن كانت هناك خطة للقضاء على تلك الطبقة أم أنه مجرد نصيبهم (طيب يا جماعة، لو كان حبيبك عسل)!.

هناك خلل ما..وهناك فساد لا حدود له يكبد الدولة ملايين الجنيهات تحت مسمع ومرآى من الجهات الرقابية.. هناك قلق مرتقب.. وهناك طبقة تحتضر من شدة الضغط عليها..

لكن.. وطالما هناك غد..وطالما هناك شمس تشرق كل يوم وصرخة طفل يولدمن بين أحضان الحياة.. فلازال هناك أمل..

هذا الأمل لايزال منبعه تلك الطبقة التى أصبحت اليوم تعيش على جهاز التنفس الصناعى..

إنها رسالة إستعطاف إلى الحكومة..أرجوكم..إرحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء..