د. رشا سمير تكتب: سجينة طهران.. اغتصاب امرأة فى سجون إيران

مقالات الرأي



أن تعطى المرأة زهرة فأنت تزرع فى قلب العالم حديقة من الأقحوان، وإذا أعطيتها سكينا فأنت تُحيل العالم إلى بركة من الدماء.. أن تمنح المرأة حريتها فأنت تمنح العالم صك الغفران ومفتاح باب الجنة، وأن توصد عقول النساء فى سجون القهر فأنت تنفى المجتمعات إلى جُزر التخلف والرجعية.

ففى البدء كانت المرأة.. ثم كانت المخلوقات، فى البدء كانت النساء.. ثم قامت المجتمعات، فى البدء خُلقت الأنثى.. ثم تلتها الحياة.


1-  إيران.. تاريخ من الديكتاتورية

لجأ رضا شاه بهلوى الذى حكم إيران لمدة 16 عاماً إلى المرونة واستخدام الحنكة فى حكمه، كما حاول استخدام قوة النساء الناعمة مقتفيا أثر الزعيم التركى مصطفى كمال أتاتورك فى تركيا، وكان هدفه الأساسى نشر الثقافة الغربية فى إيران، وعلى الرغم من ذلك كان الشعب يصنفه ديكتاتورا.

كان «بهلوى» يرى أن الحجاب سبب لتخلف الإيرانيات، لكن بعد أعوام فى عهد حكومة ابنه الشاه محمد رضا بهلوى أصبح الحجاب فى إيران طوعيًّا، وأعطى النساء الحق فى التدريب، وأصبح بمقدورهن العمل فى المعامل، لكنه لم يمنح المرأة حقوقا سياسية تذكر، فبقى باب دخول النساء إلى البرلمان بابا مغلقا.

قاومت المرأة الإيرانية هذا التهميش المتعمد وحاولت لعب دورا سياسيا ودينيا، ولكن هيهات فقد انحصرت هذه المشاركة حصريا بين شرائح الطبقة العليا من المجتمع، ومع قيام الثورة الإيرانية عام 1979، نزلت النساء من جميع الطبقات إلى الشوارع، فكان لهن الدور الأكبر فى نجاحها، كما كان لهن دور أيضاً فى تأسيس الجمهورية الإسلامية فى إيران عندما سقطت 600 امرأة يوم «الجمعة الأسود» عام 1979، الذى شكل الخطوة الأولى لتأسيس أول نظام إسلامى جديد.

وبعدما اعتلى الخومينى كرسى الحكم وعلى الرغم من اعترافه بدور المرأة فى الثورة التى أتت به، فقد تبدل الوضع، وظهر الوجه الحقيقى القبيح لما أسموه بـ«الثورة الإسلامية» أسقط الخومينى حرياتها المكتسبة تحت حكم الشاه، وفجأة تحول الأمر من مجرد القمع الفكرى إلى التعذيب الجسدى.

اتجهت أنظار العالم فى صمت مخزٍ إلى سجن «إيفين» الذى يخضع لسيطرة استخبارات الحرس الثورى الإيرانى، حيث كان الملالى والحرس الثورى يمارسون أبشع أنواع التعذيب الجسدى والنفسى على النساء.

وفى عام 2004، أظهرت دراسة أجريت على 12 ألف امرأة إيرانية، أن 66.3% تعرضن للعنف، وعانت 10% من العنف الشديد، و28.5% تعرضن لعنف جسدى، حتى وصل الأمر إلى أنه تم رش النساء غير المحجبات بـالأسيد الحارق من قبل مجموعات لا يعرف أحد انتمائها.


2- امرأة كسرت حاجز الخوف

مارينا مرادى بخت أو مارينا نعمت، ولدت «مارينا» بالثانى والعشرين من أبريل عام 1965 بمدينة طهران بإيران، وهى سيدة مسيحية أرثوذكسية من طهران، تنحدر من أصل روسى، حيث تزوجت جدتها من رجلين إيرانيين يعملان فى روسيا قبل اندلاع الثورة البلشفية عام 1917، وبعد الثورة قرروا الذهاب إلى إيران.

امتلك والد مارينا «غلام رضا نيكولاى مرادى بخت» استديو رقص فى وسط طهران عاصمة إيران، أما والدتها «رقية ناتاليا فكرى» فهى تمتلك صالون تجميل فى طهران، لها أخ أكبر ولد عام 1951.

بلا خطيئة ارتكبتها أو إثم دفعهم لخنق أحلامها تحولت مارينا بين لفتة عين وانتباهتها إلى سجينة سياسية سابقة فى سجن «إيفين» بطهران فى عهد آية الله الخمينى، وهذا هو بالتحديد ما دعاها لكتابة قصتها، فى رواية صادرة عن دار «كلمات» فى 344 صفحة تروى مارينا نعمت ذكريات 730 يوماً من الألم والعذاب كالآتى.


3- لون السماء فى تورنتو

وصلت مارينا بصحبة زوجها وابنها البالغ من العمر عامين ونصف العام إلى تورنتو فى أغسطس 1991، وقتها فقط اكتشفت صحة المثل الفارسى القديم «لون السماء لا يتغير أينما ذهبت»، فالسماء فى إيران لم تختلف كثيرا عن تلك فى تورنتو.

قضت مارينا تسعة أعوام فى كندا أصبحت بعدها مواطنة كندية من الطبقة المتوسطة تمتلك كل أساسيات الحياة وربما الرفاهيات، بعدها فقدت قدرتها على النوم، كلما خلدت للنوم تدافعت الذكريات إلى رأسها لتمنعها من النوم الهادئ، واتخذت قرارها، مادامت لا تستطيع النسيان، فربما يكون الحل فى التذكر، وهكذا قررت أن تكتب.

كتبت عن الأيام التى قضتها فى «إيفين» -المعتقل السياسى السيئ السمعة فى طهران- انتهت من كتابة مذكراتها وتركتها حبيسة الأدراج، لكن هذا لم يساعدها كثيرا، فقررت ولأول مرة أن تبوح لزوجها بقصتها الطويلة بعد 17 عاماً مروا على زواجهما وهو لا يعلم شيئا عن تلك الفترة.

قالت لزوجها وفرائصها ترتعد:

« حاولت..لكننى لم أستطع..فهل تسامحنى؟»

« لا يوجد ما أسامحك عليه..فهل تسامحينى أنت؟»

« علام؟!»

« على عدم السؤال»

وقررت أن تكتب وأن تتذكر، كتبت مارينا تقول:

 أنا مارينا، فى طريقى الطويل المظلم تذكرت كلمات خالتى زيزينيا لى:

«اسمعينى جيدا، هناك شىء مفزع يحدث فى هذا البلد، يمكننى أن استشعره فهو يفوح برائحة الدم والكوارث، هناك احتجاجات ومظاهرات ضد الشاه منذ فترة، منذ سنوات وآية الله يعاند الحكومة وأؤكد لك أنه لا ينوى خيرا، فسوف يرحل نظام ديكتاتورى ليحل مكانه نظام ديكتاتورى أسوأ، وسيكون الأمر خطيرا»

تحول الأمر مع الوقت فى المدرسة من مجرد غطاء للرأس إلى شادور أسود طويل يغطى المرأة الإيرانية مثل الكفن، وكانت تلك هى بوادر الانتكاسة، كانت مُدرسة «التفاضل» تقضى معظم الوقت فى الدعاية للحكومة الإسلامية والحديث عن الإسلام والمجتمع الإسلامى الذى يقاوم الفساد الأخلاقى والتأثيرات الغربية.

وذات يوم وهى تحكى عن الإنجازات العظيمة التى فعلها الخومينى من أجل البلاد.. رفعت يدى لأتكلم..فنظرت إلى باستغراب وسألتنى:  «ماذا هناك؟»، فأجبتها: «لا أقصد الإساءة يا آنسة، ولكن هل يمكننا من فضلك العودة إلى موضوعنا الرئيسى»

رفعت حاجبيها وقالت: « إن لم يكن يعجبك ما أقول..فيمكنك مغادرة الفصل»

وبالفعل قمت على الفور وجمعت كتبى وغادرت المكان، هل أخطأت بالاعتراض؟

 كنت وقتها طالبة تبلغ من العمر 16 عاماً، حين استيقظت فى الساعة التاسعة مساء يوم الخامس عشر من يناير 1982، على صوت قرع حاد على باب البيت وقوة من الحرس الثورى أتت لتأخذنى للتحقيق معى.

انطلقت السيارة مسرعة باتجاه الشمال نحو جبال «ألبرز» حيث سجن إيفين، تعرضت للضرب المبرح لمدة يومين، وبعد إصرار بعدم بالوشاية بأى من زملائى، أذاقنى «حامد» أحد المحققين المتسلطين داخل السجن كل أنواع العذاب، فكنت أغفو وأفيق على دوار مؤلم وكدمات تحل بجسدى كلما فتحت فمى لأنكر معرفتى بكل الأشياء التى سألونى عليها.

وعرفت أنه قد صدر حكم ضدى بالإعدام هكذا دون تحقيق ولا دلائل، سحبنى المحقق إلى الخارج ونزع العصابة من فوق عينى، فرأيت جثثا متناثرة هنا وهناك مغطاة بالدماء، كان هؤلاء من أعدموا بالفعل..وأخبرنى بكل هدوء أننى سوف ألقى نفس المصير لو لم أقر بأسماء زملائى.

فى ذلك اليوم بالتحديد عرفت المعنى الحقيقى لكلمة «اغتصاب»، كنت بالأمس أعرف أنه فعل مروع يرتكبه الرجل فى حق إحدى النساء، ولكن ما روته لها إحدى رفيقاتها فى الغرفة واسمها «ترانة» كان كابوسا بكل معنى الكلمة، كان شيئا لم أتخيله ولكنها كانت تراه كل يوم، حين كان يأتى أحد الحراس إلى الزنزانة لأخذ إحدى الفتيات المحكومات عليها بالإعدام لاغتصابها قبل تنفيذ الحكم فيها.

كانت الفتاة المطلوب إحضارها تذهب فى هيئة وتعود فى أخرى، كانت تعلم أنها ستموت، ولكنها لم تعلم أنها نتيجة لهذا الفعل سوف تموت فى كل دقيقة حتى يلتف حول رقبتها حبل المشنقة ليخلصها من هذا العذاب، وكان الأكثر قسوة أن تحمل واحدة من هؤلاء الفتيات سفاحا، هنا يتم تأجيل تنفيذ الحكم فيها حتى تلد الطفل، لأنه من المخالف للشريعة أن يتم إعدام حُبلى أو مُرضع.. يالهم من رحماء!

 اصطحبنى «حامد» فى أحد الأيام إلى مكان بعيد وبندقيته فى ظهرى، عرفت فى تلك اللحظة أنه سيتم تنفيذ حكم الإعدام فى، أمر «حامد» جنوده أن يصوبوا بنادقهم نحونا، وعرفت أنها النهاية، تمتمت فى سرى:  «أتمنى أن يعلم أندريه بحبى له، السلام عليك يا مريم، يا ممتلئة نعمة، الرب معك»

فى لحظة وصل «على» أحد الجنود بالمكان وأعطى حامد ورقة، وحملنى معه فى السيارة وانطلق، وعرفت فى تلك اللحظة أنه انتشلنى من حكم الإعدام إلى حكم بالمؤبد، وحان دور انتقالى إلى 246.


4- المبنى 246

بعد سلسلة طويلة من التعذيب المهين تم إرسالى إلى عنبر 246، وهو عنبر النساء فى سجن إيفين، وانتهيت إلى غرفة ضيقة بلا نوافذ تفوح منها رائحة العفن، فى هذا المكان التقيت صديقتى المدرسية «سارة» التى باحت لى والدموع تفيض من عينيها أنهم حين أتوا بها إلى هنا، أذاقوها مر العذاب وطلبوا منها أن تعترف على زملائها، فما كان منها من شدة الألم، إلا أن نطقت باسمى.

طلبت «سارة» منى مرارا أن أسامحها، لم ألمها على ذلك فأنا كنت قد ذقت نفس ألوان العذاب، حكيت لها كيف أنقذنى «على» فسألتنى: «هل لمسك؟»، استغربت لسؤالها، فهو لم يكن سوى شهم معى منذ رأيته لأول مرة، وهذا أيضا أثار استغرابى.


5- العرض القاسى

ذهبت إلى «على» لأتحدث معه فعرفت أنه قد سافر إلى الجبهة لمحاربة العراقيين، قضيت ليلتى أفكر فى «أندريه» وفى حبى له، وفى محاولاتى الدائمة لاسترجاع ذكرياتى معه حتى لا أنساه فى خضم آلامى، كان يسمح لنا بالخروج لمدة ساعتين كل يوم ويتعين علينا ارتداء الحجاب فى الخروج لأن الحرس كانوا منتشرين فوق الأسطح.

 فى إحدى الليالى وفى سكون الليل عاد «على» وعقب عودته مباشرة طلب منى أن أتبعه إلى المكتب، قال لى إنه سيحدثنى فى أمر مهم للغاية، فانصت إليه:» أريد الزواج منك يا مارينا، وأعدك أن أكون زوجا صالحا، وأن اعتنى بك، أرجوكى لا تجيبى الآن وفكرى جيدا»

خلا كلامه من كل منطق وكأنه يهذى.. كيف فكر فى هذه الكارثة؟

أخبرته أننى لا يمكن أن أتزوجه، فقال لى بكل بساطة :  «لماذا؟ لأنك تحبين أندريه»،

وتذكرت أننى ذكرت اسمه مرارا وتكرارا أمامه وأنا محمومة فى ليالى التعذيب الطويلة، هددنى صراحة، وأخبرنى أنه قد يأخذنى لو أردت لأشهد تعذيب «أندريه» بعد القبض عليه بنفسى، وربما يتسبب عنادى أيضا فى أن يصبح أبى وأمى ضيفين على إيفين!.

قال بكل هدوء: «سأمهلك ثلاث ليالى لتفكرى..ولا ترتكبى أى حماقة قد تندمين عليها»


6- القرار الصعب

حتى تلك اللحظة لم أكن قد استوعبت الفعل المحدد والمعنى الحقيقى لكلمة اغتصاب، ولكننى تساءلت كثيرا، هل كل ما كان «على» يريده منى مجرد زواج أم هو اغتصاب تحت غطاء الزواج بشرعية السجان؟!

فى اليوم الثالث استدعانى «على» وأخذنى بسيارته إلى خارج إيفين، وقال لى فى لحظة صفا:

« شعورى نحوك ليس انجذابا جسديا عابرا، أريدك إلى الأبد». ، قلت له بهدوء شديد:  «سأتزوجك»

ارتسمت السعادة على وجهه وقال بنشوة فضحتها عيناه:  «أنت فتاة عاقلة، لقد اتخذت القرار الصائب».. أخبرنى «على» أننى حوكمت غيابيا وصدر ضدى حكم بالإعدام ثم حصلت على عفو الإمام وخفض الحكم إلى سجن لمدى الحياة، ووضح لى أنه من غير اللائق أن يذهب «على» إلى الإمام مباشرة ليطلب العفو عنى، ولكن يحق له طلب إعادة المحاكمة وفى اعتقاده إذا تم ذلك بعد زواجنا سوف يخفض الحكم إلى عامين أو ثلاثة.

ذهبت لمقابلة والديه لأول مرة وتصورت أنهما سيعاملانى معاملة قاسية دونية، ففوجئت بهما ودودين للغاية ومرحبين بوجودى، اخترت اسما جديدا وهو اسم «فاطمة»، وبقى اسم «مارينا» هو أهم ملمح من ملامحى، وطلبت من «على» أن يصطحبنى للكنيسة للمرة الأخيرة لأودعها قبل اعتناقى الإجبارى للإسلام، بالفعل استجاب لطلبى.

سالت دموعى أنهارا وأنا أقف بقلب الكنيسة أخلع ديانتى إلى ديانة أخرى لم اخترها، رددت وراء آية الله جيلانى «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، انتظرت غضب الله فى تلك اللحظة، فكم تمنيت لو ضربتنى صاعقة من البرق وأنا أقف مكانى.


7- فراش من الشوك

فى يوم زفافنا ذهبنا إلى منزل والديه صامتة، انتهت مراسم الزفاف ودلفت إلى غرفة النوم وأنا أرتعد، فك أزرار قميصى فأغمضت عينى وأنا أرتجف من الخوف، مزق ملابسى من شدة شوقه إلىّ، فاستسلمت له ودموعى تسبقنى إلى الفراش.

فى تلك اللحظة حدثت فى ذهنى مقارنة غريبة ولكنها حقيقية، مقارنة بين التعذيب على يد «على»، فعندما كنت أتعرض إلى التعذيب طالما تمكنت من الاحتفاظ بالشعور بالسيطرة، نوع غريب من القوة التى لا يمكن للعذاب البدنى أن يقضى عليها، أما الآن فقد أصبحت له، وفقدت كل قدرتى على الصمود.

بكيت طول الليل وكنت أحترق من داخلى..بينما يحيطنى بذراعيه، سألنى: هل آذيتك؟

فقلت له: نعم.

قال: سوف تتحسن الأمور

 انعقدت المحكمة من جديد لنظر استئنافى وكما توقع «على» فقد تم تخفيض الحكم ضدى إلى ثلاث سنوات قضيت منها ثمانية أشهر بالفعل وكان علىّ العودة لـ«إيفين» لقضاء ما تبقى، وفى خلال تلك المُدة كان «على» يستدعينى عبر مكبرات الصوت إلى مكتبه فى الليل ليقضى حاجته منى ثم أعود قرب الفجر إلى الزنزانة وسط صمت من زميلاتى وخوف من مجرد التفكير فى سؤالى عن الموضوع برمته..الآن فقط عرفت الفعل الحقيقى للاغتصاب.

 فى ليلة حزينة أطلق أحد المجاهدين النار على «على» ونحن على أعتاب منزل والديه، فطالما ثرثر أمامى بكلمات تنم عن مخطط يحاول به المجاهدون اغتيال شخصيات مسئولة فى سجن «إيفين»، وكانت البداية زوجى، سقط على الأرض ينزف بغزارة وكانت آخر كلماته إلى والده:

« أخذها إلى بيت أهلها»، مات «على»، وأوفى أبيه بالوصية وأصطحبنى إلى بيت أبى..

فى عيد ميلادى التاسع عشر، قررت أن أعود إلى الدراسة لاستكمال تعليمى، وتزوجت من «أندريه» على الرغم مما كانت تحتويه تلك الخطوة من خطورة، طوقنى بذراعيه وتلاقت شفتانا، وفى تلك اللحظات شعرت بأن «إيفين» لم يعد سوى ذكرى بعيدة، بعيدة يمكنها أن تبقينى أسيرة لها للأبد.


8- حوارى مع سجينة طهران

بعد أن أبقتنى مارينا نعمت حبيسة الأنفاس طوال مدة الرواية، تتسارع نبضات قلبى مع كل خطوة تخطوها لتنجو، قررت أن أبحث عنها وأحادثها قبل أن أكتب عنها، أردت أن أستمع إليها، وأدعوها لتقرأ ما كتبت، وصلت إليها بعد محاولات عديدة وكأننى وجدت كنزا، أرسلت إليها رسالة عرفتها بنفسى، فاستجابت بكلمات كلها إطراء.

سألتها: « هل أنت حقا مارينا نعمت سجينة طهران؟»

ردت: «نعم سيدتى، أنا هى، صاحبة السيرة الذاتية، أعيش فى كندا وأتحدث الإنجليزية، والفارسية وبعض الإيطالى والروسى»

أوضحت لها أننى سوف أكتب عنها، فردت: « أشكرك شكرا جزيلا، كنت أتمنى أن أكون قارئة للغة العربية»

سألتها:  «هل هناك ما تريدين أن تضيفينه لكل من قرأ سيرتك الذاتية فى مصر؟»

أجابت: « أشكرك..أعتقد أن كل ما أردت أن أقوله موجود بين صفحات الكتاب، وأرجوكى أوصلى حبى واحترامى لكل المصريين»

سألتها:  «لماذا لا تفكرين فى زيارة القاهرة ؟»

أجابت بعد صمت قصير:  «من المؤكد، ولم لا، فقد رأيت أماكن لم أكن أتخيل أننى سأراها، طالما أنا قادرة على التنفس فأنا قادرة على التحلى بالأمل».

انتهت كلماتى معها عبر التشات وظلت جملتها الأخيرة عالقة فى ذهنى، كم هى سيدة شجاعة ومتفائلة على الرغم من كل شىء.

فى النهاية:

استطاعت مارينا نعمت بحق أن تخرج من سجنها الأبدى بكتابتها لتلك المذكرات التى كتبت عنها صحف العالم ووصفها النقاد بأنها مُطلق الشجاعة فى البوح، استطاعت مارينا نعمت أن تتحلى بالشجاعة كى تكتب ما كابدته خلف أسوار سجن إيفين الوحشى.

وفى حين تكلمت هى، صمتت أخريات، وحبست الكثيرات بداخلهن ألف حكاية من حكايات القمع.