د. نصار عبدالله يكتب: خالد محيى الدين يتكلم «6»

مقالات الرأي



عندما تذمر ضباط سلاح الفرسان من تباطؤ مجلس قيادة الثورة فى إعادة الحياة الدستورية والنيابية إلى مصر، بادروا إلى عقد اجتماع فى الميس الأخضر (ميس تعنى: مطعم، والميس الأخضر كما ذكرنا من قبل هو مطعم الآلاى الثانى المدرع).. لمناقشة الأوضاع، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتصحيح مسار الثورة وإعادتها إلى خطها الوطنى المعبر عن شوق المصريين إلى حياة ديمقراطية لا تشوبها الشوائب المعتادة من تزييف الإرادة ..، قرب نهاية الاجتماع فوجئوا بأن جمال عبدالناصر قد سارع إلى الحضور بنفسه مصطحبا معه عددا من ضباط المخابرات وضباط الحرس!، غير أن واحدا من ضباط الفرسان الحاضرين وقف متسائلا : حضرتك جئت للمناقشة والتعرف على وجهات نظرنا، أم لتحديد أشخاص معارضيك واعتقالهم؟... إذا كنت تريد مناقشة حرة فمن الضرورى خروج الضباط والحرس أولا.. نحن قادرون على حماية أنفسنا ..وإلا فليس هناك مبرر للنقاش أصلا!.. وحسم عبدالناصر الأمر بأن طلب من جميع مرافقيه الخروج فخرجوا. ثم بدأ النقاش متخذا منحى انتقاديا شديدا لتصرفات مجلس قيادة الثورة: سلطات السيادة التى منحها لنفسه، والاعتمادات الكبيرة التى وضعت تحت تصرف المجلس وأعضائه، وتصرفات بعض الضباط واستغلالهم للنفوذ، وعمليات الإثراء غير المشروع، وعمليات الاعتقال الواسعة ضد الشيوعيين والإخوان، وتكلم عبدالناصر ليحدد موقفه من عودة الحياة النيابية فقال: فترة الانتقال ضرورية، ولابد منها، فشعبنا لا يستطيع تقدير مصلحته الحقيقية بسرعة، وربما لا تكفى ثلاث سنوات، وشعبنا لا يمكنه تحمل مسئولية الحرية، وقد سبق للإقطاعيين أن اشتروا أصوات الناخبين، وقال: الشعب الذى لا يستطيع أن يتحمل مسئولية الحرية، لا يمكنه أن يستمتع بالحرية، وقد تصدى له عندئذ أحد ضباط الفرسان قائلا: «نحن لا نستطيع أن نفرض وصاية على أهلنا، والحرية هى السبيل الوحيد لتعليم شعبنا كيفية ممارستها، ولا يمكن الحجر على الناس بحجة أنهم ليسوا أكفاء للاستمتاع بالحرية. وهنا وقعت حادثة صغيرة لكنها ، فيما يقول خالد محيى الدين، تركت أثرا كبيرا فى نفس عبدالناصر، فقد تعالت أصوات الإنذار من دبابات متحركة، وبدأ هدير الدبابات يهز المكان... فزع عبدالناصر، وسقطت السيجارة من يده، ونظر إلى أحمد المصرى نظرة تساؤل.. فقال له المصرى: إنها دبابات عائدة من خدمة الطوارئ، وأرجوك أن تطمئن تماما، فأنت هنا فى بيتك. وأشعل عبدالناصر سيجارة جديدة، لكنه وبرغم حديث أحمد المصرى المفعم بالصدق (فيما يقول المؤلف).. فقد ظل يتصور أنها كانت محاولة من الفرسان للضغط عليه وتهديده، وظل يحفظها فى نفسه ولفترة طويلة عندما انتهت عاصفة مارس وبدأت مرحلة الانتقام ممن عارضوه أو حاولوا الضغط عليه، وقد انتهى الاجتماع، بتصميم ضباط الفرسان على سرعة إنجاز الدستور وعودة الحياة النيابية فى غضون ثمانية أشهر على الأكثر، وإلغاء الترقيات الاستثنائية فى الجيش وعودة جميع الضباط إلى وحداتهم، وعودة محمد نجيب رئيسا لجمهورية برلمانية (كان محمد نجيب قد استقال بعد أن رأى سلطاته تتقلص، ورغم استقالته فقد ظل يعقد الاجتماعات الوزارية برئاسته، وظل يمارس مهام منصبه، وهو ما يؤكد عدم جديته فى قرار الاستقالة، وأن همه الأساسى هو المزيد من السلطات والصلاحيات).. وقد كان اجتماع الميس الأخضر إيذانا بهبوب العاصفة: عاصفة مارس!