أبو محمد العدنانى.. «شيطان» الإعلام الداعشي

العدد الأسبوعي

أبو محمد العدنانى
أبو محمد العدنانى - أرشيفية


كيف صنع «منجنيق داعش» الهالة الإعلامية لـ«أبوبكر البغدادى» ودولته؟

■ مهندس العمليات الخارجية للتنظيم.. قاد عمليات «الذئاب المنفردة».. وأمر باستهداف المدنيين كأولوية قصوى

■ أشرف على إنتاج فيديوهات القتل والحرق وقطع الرءوس بمواصفات «هوليوودية»

■ أعلن تأسيس «الخلافة» وخروج داعش عن بيعة الظواهرى وخاطبه بـ«سفيه القاعدة»


هو أخطر وزير إعلام ربما شهده العالم بعد "جوبلز"، وزير الدعاية النازية فى عهد هتلر، وفقا للتصنيف الذى لازمه فى حياته.

ويعتبر الصيد الثمين الذى خرجت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا عقب مقتله، قبيل أيام، تتنازعان عليه إعلاميا بلا مواربة، وتنسب كلا منهما لنفسها فخر اقتناصه بإحدى غاراتها الجوية فى حلب بسوريا، فيما لم يستبعد البعض احتمال أن يكون "العدنانى" قد لقى مصرعه فى إطارعملية تصفية داخلية على خلفية صراع تنظيمى.

طه البنشى.. جابر طه فلاح.. أبوصادق الراوى.. حسن خلف نزال الراوى، عدة أسماء تنظيمية حملها طه صبحى فلاحة، المولود فى قرية "بنش بريف إدلب" بسوريا عام 1977، على مدار سنوات تاريخه التنظيمى، وحتى ظهوره بكنيته الإعلامية الأشهر عالمياً وحتى مقتله.. أبو محمد العدنانى، الناطق باسم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش ".

يعتبر مقتل العدنانى، هو الضربة القاصمة الأقوى لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" منذ بدء ضربات التحالف الدولى ضدها قبل عامين، والخسارة الأكبر التى منى بها أيضاً بين قيادات صفه الأول، بسقوط الرجل الثانى فى التنظيم، وأحد مؤسسيه، والذراع اليمنى لخليفته المزعوم، والذى كان ينظر إليه البعض بأنه أكثر خطورة وتأثيراً من أبو بكر البغدادى نفسه.

خسارة "داعش" للعدنانى كقطب أساسى من أقطاب التنظيم، وصفها باحثو الجماعات الإسلامية، بأنها "فادحة" وفيصلية وفى توقيت حرج أيضاً، ربما لن يستطيع التنظيم تجاوزها بسهولة على المدى القريب، وأن التنظيم رغم حرصه على "الجاهزية" بالبدلاء طيلة الوقت، فإنه ربما يحتاج فى هذه الحالة إلى تقسيم صلاحيات "العدنانى" على أكثر من بديل بعد مقتله، نظراً للأدوار المحورية المتعددة التى كان يلعبها "منجنيق الدولة الإسلامية"، كما هو لقبه المعروف بين الدواعش، والمعتمد فى البيانات والإصدارات الرسمية للتنظيم على مواقعه الإلكترونية.

فيما بدأت بورصة الترشيحات للقيادات المحتملة لخلافة "العدنانى" فى منصب المتحدث الرسمى لداعش، بطرح اسم تركى البنعلى الشهير بـ"مفتى داعش"، وصاحب المؤلفات الشهيرة والكنى المتعددة، وأبرزها: أبوهمام الأثرى وأبوحذيفة البحرينى، كما تضم القائمة أبو لقمان "على موسى الشواخ" والى داعش الأسبق فى الرقة، وكذلك أبوالمنذر الأردنى "عمر مهدى زيدان"، تدعمه فى ذلك خبرته الشرعية الواسعة، وطلاقة لسانه، وتاريخه الجهادى الطويل منذ رفقته فى سجون الأردن لأبى مصعب الزرقاوى، وسجالاته الشهيرة مع أبى محمد المقدسى وأبى قتادة الفلسطينى لنصرة داعش.

لم تقف خطورة "العدنانى" فقط على أنه تحول فعلياً إلى "صوت داعش" الأوحد والأكثر تأثيراً وجاذبية عبر إصدارات التنظيم، كناطق باسمه ومتحدث رسمى عنه، وإنما حفر اسمه كصانع الهالة الإعلامية لأبوبكر البغدادى ودولته بالكامل.

وقع بصوته إعلان تدشين الـ"خلافة " فى 29 فى يونيو2014، ونجح فى صياغة سياسة إعلامية قوية للتنظيم حولته إلى البطل الرئيسى لكل نشرات الأخبار فى شاشات ووسائل إعلام وفضائيات العالم كله، بفضل سياسة تصدير فزع مدروسة، وبمشاهد القتل والحرق وقطع الرءوس التى تم تنفيذها بمواصفات ومؤثرات "هوليوودية" بامتياز.

وأشرف على هيئة إعلامية موسعة يقودها أبو الأثير عمرو العبسى، ومهمتها إدارة عدة مؤسسات إعلامية تتبع التنظيم، وهى مؤسسة الاعتصام، ومركز الحياة، ومؤسسة أعماق، ومؤسسة البتار، ومؤسة دابق، ومؤسسة الخلافة، ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامى، بخلاف مؤسسات الصقيل والوفاء والنسائم للإنتاج الصوتى، ومجموعة من الوكالات التى تتبع الولايات والمناطق التى يسيطر عليها التنظيم كوكالة أنباء البركة والخير وغيرهما، وهى نفس المؤسسات التى طالما روجت بدورها للثقافة الشرعية الواسعة لأبى محمد العدنانى.

حاكى "العدنانى"، نموذج قيادى تنظيم القاعدة الأشهر ونبى "الجهاد الإلكتروني" أنور العولقى صاحب لقب "بن لادن الإنترنت"، وتفوق عليه أيضاً بعدما أدرك خطورة وتأثير مواقع التواصل الاجتماعى، فنجح فى تحويلها إلى أضخم سوق تجنيدية للشباب، من الشرق والغرب، واستدراجهم كوقود بشرى للتنظيم، كمقاتلين فى المعسكرات أو كذئاب منفردة "مفخخة" فى دولهم.

أبومحمد العدنانى أيضاً، ووفقا لبيان وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" فى إعلان مقتله، هو "مهندس العمليات الخارجية للتنظيم"، والمسئول عن عملياته فى أوروبا، حيث كشفت التحقيقات فى هجمات باريس على سبيل المثال أن عبد الحميد أباعود قائد العملية كان يتلقى منه الأوامر بشكل مباشر.

كما صك بصوته الدعوة إلى "الغزوات الرمضانية" مع حلول الذكرى الثانية لتأسيس "الدولة الإسلامية" المزعومة، فى إصدار بعنوان "ويحيى من يحيى عن بينة"، وخص بها أتباع التنظيم وذئابه المنفردة فى أوروبا وأمريكا والسعودية بشكل خاص، قائلاً: "اجعلوا هذا الشهر شهر المصائب على الكفار فى كل مكان".

العدنانى هو من أعلن حسم مسألة "مشروعية" استهداف المدنيين إلى غير رجعة داخل التنظيم، ووضع استهدافهم كأولوية فى الحرب المقبلة لأن استهدافهم أشد إيلاما ونكاية لحكومات دولهم ،".."واعلموا أن استهدافكم لما يُسمى بالمدنيّين أحبّ إلينا وأنجع، كونه أنكى بهم وأوجع لهم وأردَع، فهبّوا أيها الموحدون فى كلّ مكان، عسى أن تنالوا الأجر العظيم أو الشهادة فى رمضان" ،وهى إشارة البدء التى منيت بعدها عدد من الدول الغربية بعمليات متناثرة لذئاب داعش المنفردة.

تحول العدنانى كذلك إلى "منصة قصف داعشية "، تتكفل بتصفية الحسابات وشن الحرب الشرعية والإعلامية بلا هوادة ضد خصوم التنظيم من التنظيمات الأخرى كـ"القاعدة"و"جبهة النصرة"، وبذلك أطلق عليه التنظيم لقب "منجنيق الدولة الإسلامية".

من أشهر إصداراته "عذراً أمير القاعدة" فى 12 مارس 2014 الذى شن فيه هجومه الضارى على أيمن الظواهرى وخلع بيعة التنظيم له ومن تبعيته للقاعدة، واتهمه بالموالاة لإيران وأنه كان يحاول التحكم فى مسار التنظيم مع اندلاع الثورة السورية بما يتوافق مع مصالح إيران وحساباته معها، وكما درج على تسمية "الظواهرى" فى إصداراته الصوتية بـ"سفيه القاعدة"، فقد أطلق على خصوم "الدواعش" من الشرعيين، وعلماء الدين الموالين للأنظمة التى يهاجمها التنظيم بـ"حمير العلم" كما سمى خصوم داعش من الفصائل الإسلامية المسلحة بأنهم "صحوات جديدة".

وذلك علماً بأن أبو بكر البغدادى كان قد سبق وعين العدنانى نائبا لأبى محمد الجولانى زعيم "جبهة النصرة"، ليكون عيناً عليه، ينقل إليه كل تنقلاته، عندما قرر البغدادى تأسيس فرع للدولة الإسلامية فى الشام، وذلك قبل أن ينشق الجولانى عنه بعد ذلك، وهى الحادثة التى ترجمت الثقة المطلقة التى كان يضعها خليفة داعش فى أبى محمد العدنانى، لما بينهما من علاقة طويلة، حيث سبق وأن تزاملا، فى سجن "بوكا" فى العراق 5 سنوات.

وكانت المخابرات الأمريكية قد ألقت القبض على العدنانى، ثم عادت وأفرجت عنه فى 2010 للمرة الثانية، حيث لم تتوصل إلى هويته الحقيقية بفضل اسمه المزور حسين خلف نزال الراوى، واكتشفوا بعد ذلك أنهم أفلتوه من بين أيديهم بعدما عثروا على تسجيل قديم كان قد ظهر فيه بوجهه، كما سبق وسجن ثلاث مرات فى سوريا.

نفس الثقة المطلقة، حصل عليها العدنانى من أبى مصعب الزرقاوى نفسه، وذلك بعد أن بايعه العدنانى أثناء وجوده فى سوريا، ثم انتقل معه إلى العراق، وشغل عدة مناصب فى تنظيمه "التوحيد والجهاد" أولها مدرب فى معسكر حديثة، ثم أمير لـ"حديثة"، ومدرب فى معسكر الجزيرة، وشرعى القطاع الغربى للأنبار، ثم أصبح المتحدث الرسمى باسم "الدولة الإسلامية فى العراق " فور تأسيسها، وكان صاحب الفضل على التنظيم فى تجنيد "أبوعمر البغدادى" نفسه، والذى أصبح بدوره قائدا لقاعدة العراق كخليفة للزرقاوى، حتى مقتله فى قصف جوى مع وزيره أبوحمزة المهاجر.