د. رشا سمير تكتب: في قلبي أنثي عبرية

مقالات الرأي



■ تختلف الأديان ويبقى عشق الله واحدًا

■ رواية للدكتورة خولة حمدى صادرة عن دار كيان

■ أحبته فاختبأت بين ضلوعه.. وأحبها فنام بين حنايا قلبها


تعود التاريخ أن يكتب وقائعه الجافة بريشة وقرطاس، حروب وغزوات وفتوحات وأنبياء.. قراءة خشنة لحضارات ولت وأخرى أتت.. ويبقى السرد الإنسانى هو اللغز الحائر فى كل الأزمنة.. تبقى الوقائع الإنسانية والمشاعر المختبئة وراء الحقائق هى الدانتيلا الناعمة وسط نسيج من الكتان القاسى.

الحقيقة أن الأدب فقط هو المختص بهذا النوع من السرد.. والرواية هى الصفحات التى تخلق سماء رحبة لسرد مشاعر إنسانية وأحداث اجتماعية أغلق عليها التاريخ أبوابه..

فالبشر يحاربون ويقاتلون ويتسيدون ويحكمون.. وتبقى لحظات السعادة والعشق فى أعماقهم مختبئة حتى تصل إليها أقلام الأدباء.. فتلتقط الأحداث وتصنع منها أوراقاً من السحر لتلتهمها العيون وتسكن القلوب للأبد.

روايات تنجح وروايات تخفق.. روايات تأخذ جوائز وأخرى لا يحالفها الحظ.. روايات يشيد بها النقاد وروايات يقذفونها بالحجارة.. ويبقى النجاح الوحيد هو مدى التأثير الذى تحدثه الرواية فى قلوب قرائها.

هكذا أحدثت رواية «فى قلبى أنثى عبرية» تأثيراً مختلفاً فى قلب كل من قرأها لأن محتواها مختلف ولأنها قصة تحمل مئات المعانى.. كتبتها الدكتورة خولة حمدى وصادرة عن دار كيان للنشر فى385 صفحة وقد وصلت إلى قائمة الأكثر مبيعا فور صدورها.


الحكاية من الألف

من قلب الصراع العربى اليهودى.. ومن قلب المستوطنات العبرية، إلى قلب ندى الصغير المفعم بالحُب.. صراع بين الدول وصراع فى قلوب البشر والنتيجة واحدة تمزق إنسانى أحدثه الدين والسياسة.

هكذا بدأت علاقة الروائية خولة حمدى ببطلة روايتها ندى فى علاقة من لحم ودم، علاقة خيط التقطته المؤلفة لتصنع منه صورة أدبية حالمة.

تقول المؤلفة فى بداية روايتها إنها تعرفت على ندى بطلة الرواية على صفحة إحدى المنتديات الإلكترونية وكانت ندى قد قررت أن تبوح بقصتها علها تتخلص من حملها الثقيل الذى جثم طويلا على أنفاسها.. ومن خلال قصتها تعرفت خولة على المجتمع اليهودى فى تونس والحرب الأهلية فى جنوب لبنان، فسكنت تفاصيل الحكاية مسامها حتى قررت أن تكتب عنها بلسان ندى البطلة التى سكن قلبها أنثى عبرية ومع الحفاظ على سرية ملامح الأبطال بطمس هويتهم الحقيقية.


يهود تونس فى جربة

رغم اختلاف الدين وتداعيات الصراع العربى الإسرائيلى، لا يزال يهود جزيرة جربة، التابعة جغرافيًا وإداريًا للجمهورية التونسية، متشبثين بمدينتهم الأم، برغم ما شهدته البلاد من متغيرات على المستوى السياسى، وما تبع هذه المتغيرات من تأثير على وضع الجالية اليهودية هناك.. لو تحدثنا بصورة أكثر دقة واستفاضة عن مكانة اليهود فى المجتمع التونسى.. لأصبح السؤال الأهم هو: اليهود فى جربة هل هم مجرد طائفة أم جالية أم أقلية؟.

الحقيقة أن المصطلحات قد تختلف ويبقى المعنى الوجودى واحد.. لأنهم باختصار مجموعة إثنية تمثل أقلية ثقافية داخل مجتمع متعدد الثقافات والأعراق من أمازيغ وعرب مسلمين مالكيين وإباضيين ويهود.. والمعنى الأعمق أن هذا التعدد أنتج عبر التاريخ تناغما وتفاعلاً لخلق نسيج يتميز بالوئام الاجتماعى داخل نسق سوسيو- ثقافى يقوم على شبكة من العلاقات الاقتصادية بين مختلف المكونات الثقافية، مما ترك البناء الاجتماعى فى شكل متماسك.

أهم ما ذكره التاريخ عن يهود تونس أنهم لم يتعرضوا للاضطهاد، فقط أشار المؤرخ منصور بوليفة إلى أنه كان هناك ثمّة تمييز ضدّهم من خلال فرض الجزية عليهم.. وخلال القرن التاسع عشر، فُرض عليهم ارتداء زيّ مختلف عن أزياء المسلمين كارتداء سروال عليه علامة خاصة أسفله، كان ممنوعاً عليهم لبس الشاشية الطويلة الحمراء، بل كانوا يضعون على رءوسهم غطاءً يُعرف باللحفة أو الشال، رمادى أو أزرق، حتى لا يقع الخلط بينهم وبين المسلمين.

وأكد بوليفة أنهم كانوا يتعايشون مع باقى عناصر المجتمع وكانوا متخصصين بالتجارة والوساطة التجاريّة بين أوروبا وتونس خاصة، وتخصصوا فى عهد البايات بتجارة الجلود والشمع وهى تجارة مربحة جداً كما تفرّدوا بصناعة الخمور.

سطرت كتب التاريخ أحداثا طويلة عن يهود عاشوا واستوطنوا فى تونس.. وعن أحوالهم السياسية ولكن السرد فى منطقة المشاعر كان من نصيب الرواية التى بين أيدينا اليوم..


جاكوب.. أب غلبه الحُب

لم تكن ريما قد بلغت التاسعة من عُمرها حين توفيت والدتها بعد والدها بسنوات مخلفا وراءه عائلة تعانى الفقر والحرمان فاضطرت الوالدة إلى أن تقبل عرض الأسرة اليهودية التى تقطن فى البيت المجاور بالعمل عندهم كمدبرة منزل وكان هذا هو الطريق الوحيد الذى يضمن لابنتها ريما أن تستكمل تعليمها.. مع الوقت نشأت علاقة سلمية حميمة بين العائلتين مما جعلهما موضع سخرية وأحيانا حسد من الكثيرين.

تعلق جاكوب بريما لاسيما بعد سفر ابنته الكبرى وزواجها ووعد أمها بأن يتولى تعليمها أمور دينها الإسلامى قبل رحيلها، فكان يصطحبها إلى الجامع لتلقى دروس الفقه الإسلامى ويقف بالخارج منتظرا إياها دون أن يفكر مرة فى الدخول إلى الجامع!.. وكيف وهو يهودى؟!.

إلى أن كان اليوم الذى أدرك فيه أن الشرخ آت لا محالة فهو اليوم الذى اكتئبت ريما فيه وأعياها التفكير ولما سألها يعقوب عما ألم بها، ردت على الفور:» أنا خائفة عليك ولا أريد أن تذهب إلى النار»، وعاد يعقوب يسأل من جديد فى دهشة:» من قال لك هذا، من المؤكد أنه شيخ متعصب؟»

ردت بكل براءة:» بل القرآن هو الذى يقول ذلك».

هنا استطاعت الكاتبة أن تسلط خيطا رفيعا من الضوء على بداية الشرخ الذى بدأ يتسلل إلى الرواية ما بين رجل نحى ديانته ليضمن لابنة ليست من صلبه ولكنها سكنت قلبه التعاليم الدينية التى لا تتفق مع دينه ولكنها تتسق مع حبه لها.


ندى.. مسلمة بقلب عبري

تعجبت ندى لكلمات أختها دانا التى استنكرت فكرة جيش المقاومة اللبنانى وقالت:» كل هؤلاء الشباب الذين يتركون عائلاتهم ومستقبلهم وينضمون إلى جيش مبتدئ لا يعترف أحد بمشروعيته.. ويضحون بأنفسهم دون نتائج تذكر»،ردت ندى:» إنهم يدافعون عن وطنهم.. ولا يهمهم أن يعترف بهم أحد.. طالما كانت قضيتهم عادلة، ليس غريبا ألا ندرك من ما يحركهم، فنحن لم نعرف معنى الوطن!».

هكذا تدفع الكاتبة بشخصية ندى إلى الأحداث أو هكذا تعرفها على القارئ بأنها شابة يهودية تعيش فى مجتمع إسلامى فى لبنان.. وتتعرف ندى على أحمد الشاب المسلم الثورى الذى يغار على دينه من خلال حادث غير متوقع.. فتتفتح بصيرتها وتتفتح بصيرته إلى ماهو أكبر من الاختلاف.. الحُب.

تظهر الرواية لنا كيف تفتحت ندى فى مجتمع له ثلاثة وجوه.. اختلطت فيه ثلاث ديانات اليهودية والإسلام والمسيحية.. لكنها ظلت تلك الفتاة اليهودية الملتزمة التى ترتدى حجاباً للرأس وتؤمن بتعاليم كل الأديان.. وليست متساهلة قط فى التعامل مع الجنس الآخر.. فهى ولدت لأم يهودية وأب مسلم.. فكانت تعاليم الإسلام شيئاً أصر أبوها على تعليمها إياه وتعلق قلبها بديانة الأم من واقع حبها لها.

تم الطلاق بين الأب غير المتشدد والأم اليهودية بسبب الاختلاف فى الطبائع وليس فى الأديان برغم معارضة الأهل الشديدة.. وانتهت الزيجة بندى وأختها دانا.. وتتعرف والدة ندى وهى فى الخامسة من عمرها على جورج وهو رجل أرمنى مسيحى.. تزوجته ورحلت هى وابنتاها معه إلى لبنان، وحيث أن لجورج ولداً واحداً هو ميشال، فقد تربت ندى وأختها مع ميشال كأسرة واحدة، أخوة توثقت علاقتهم دون تشدد ولا انشقاق دينى.

تقول ندى فى جملة هى خلاصة الرواية:

«تعلمنا أن الله واحد للجميع»

هكذا أرادت الروائية أن تصل رسالتها إلى قلب من يقرأ سطورها..


غرام لا تحكمه العقائد

تغزل الروائية قصة الحب الهادئة التى تنشب بين أحمد وندى.. وهى تتسق مع شخصية أحمد الفتى العاشق المحترم المُحب لدينه الذى قرر أن يتحدى كل المصاعب ويتحدى رفض عائلته بزواجه من فتاة مسلمة على الورق عبرية فى القلب.

يحاول أحمد أن يمد يده لندى كى يدخلها فى نسيج الإسلام.. كانت النقاشات بينه وبين زوجته تدور دائما فى إطار التعاليم الدينية ووحدة الأديان.. بدأ يحثها بشكل هادئ على حضور جلسات دينية وقراءة كتب الإسلام.

حاول أحمد كثيرا أن يفتح عينيها على حقيقة أن التوراة وقعت فى طائلة التحريف.. لانتقالها شفويا من عهد إلى آخر مما جعل قابلية تحريف أعلى.. وأضاف لها أن التوراة كُتبت باللغة الأرامية التى اندثرت فى وقتنا الحالى.. ثم وقعت ترجمتها إلى عدة لغات.. والطبيعى أن النص المترجم يختلف بشكل أو بآخر عن النص الأصلى.

هكذا بات أحمد يتسلل واثقا تحت مسام ندى.. فباتت تستمع إليه وتناقشه وحتى لو احتجت عليه، تعود من جديد إلى نفسها فتجد أن لديه ألف حق.

تظهر ريما فى حياة ندى.. بعد أن انتقلت من منزل جاكوب بناء على طلب زوجه التى رأت فى تمسك ريما بالإسلام وإصرارها على ارتداء الحجاب خطراً يداهم منزلهم. . فطلبت من زوجها أن يرسلها بعيدا.

هنا تظهر راشيل أخت جاكوب التى تأخذ ريما لتعيش معها فى تونس وتقتادها فى وسط الرحلة إلى بيت ندى ودانا لتظل عندهم بضعة أيام حتى تنتهى من أوراق خروجها..

تلتقى ريما بندى فتحدث نقطة تحول حقيقية فى قصتها..


المقاومة فى جنوب لبنان

بعدما وقع فى أيدى الإسرائيليين ثمرة ناضجة، فى يونيو ١٩٨٢، تحول جنوب لبنان بسرعة الى مستنقع يتخبط فيه «أقوى جيش» فى الشرق الأوسط.. وأصبحت عمليات المقاومة تتواتر بمعدّل هجومين فى اليوم الواحد. لم تتراجع التعبئة الشعبية رغم استخدام المحتل ترسانته المهمة فى مجالات القمع والتوقيف الاعتباطى الطويل والعقوبات الجماعية والإزعاج والإغلاق المتكرر للطريق الوحيدة المؤدية إلى المنطقة. على العكس من ذلك، أجج القمع التعبئة الشعبية.

هذا هو تاريخ المقاومة فى جنوب لبنان بالاختصار الشديد.. وهو ليس إلا نقطة انطلاق لبطل الرواية أحمد الذى انضم إلى جيش المقاومة عن طيب خاطر، وعن اقتناع شديد..

اقتربت ريما من ندى واستطاع أحمد أن يقنع ندى بتفقيهها بشكل أكبر فى الدين فتوافق ريما على الرحب والسعة.


ريما وحُلم الشهادة

تحكى ريما لندى عن أمنيتها بأن تبقى فى جنوب لبنان لأنها تتمنى أن تموت شهيدة أثناء المقاومة.. فتستغرب ندى.. وتتساءل فى نفسها بعد رؤيتها لحماس أحمد وريما: أى دين هذا الذى يتمنى أبناؤه الشهادة دون خوف وبهذا الشكل؟.

وفى ظل الحرب والمقاومة وغياب ريما بعيدا عنها تبحث ندى عن شىء تتعلق به.. عن شىء يدفعها لمزيد من الإيمان.. فتتذكر ما كان يفعله أحمد كلما ضاق به الحال.. تبحث عن القرآن الكريم وتقرأ سورة الدخان التى طالما دخلت على أحمد فوجدته يقرأها.. فتهدأ ويطمئن بالها.

تضع الرواية القارئ فى هذه المرحلة فى قلب الاختلاف بين الإسلام واليهودية  من خلال تخوف أفراد العائلتين من مستقبل تلك العلاقة، فى ذات الوقت الذى تتعرض فيه ريما للتحرش والضرب من طرف زوج عمتها راشيل فتضطر إلى إرسال الفتاة للاستقرار عند عائلة ندى بعد وقوف راشيل  على أفعال زوجها، ويكون انتقال ريما إلى بيت ندى سببا فى أن تلعب دورا رئيسيا فى خلق علاقة روحية  بين أحمد وندى وكأن الأقدار ساقتها لذلك.. لكن الكاتبة فضلت أن تنهى حياة ريما أو تنهى دورها ربما بنهايته فى القصة الحقيقية، بقرارها أن تفجر جسدها أشلاء فى يوم مطير بأحد أسواق قانا تحت القصف الإسرائيلى.. مما يُذهب من عقل ندى ويجعلها تقع فى أزمة نفسية عنيفة وتبحث عن الخلاص منها بأن لجأت إلى كتاب الحق.. القرآن الكريم.


نقطة ضوء

حين تتوالى الصفعات وتنكسر الأنفس، يبحث البشر عن الخلاص فى كلمات الله.. هكذا اقتربت ندى من الله بعد ذهاب صديقتها وغياب حبيبها فلم تجد سوى حروف القرآن لتحتمى بها..

يتحقق حلم اللبنانيين، ويتم تحرير جنوب لبنان وانسحاب الاحتلال الصهيونى وتعم الفرحة كل البيوت فيما عدا بيت أحمد.. الذى يختفى فى الحرب ولا يجده أحد.

هنا يتسق ظاهرها مع باطنها «أعنى ندى» فى محاولة للتغلغل فى ثنايا دين كانت تعتنقه بالاسم وقررت أن تفتح له الباب ليتسلل إلى جنباتها ويسكنها بكل اقتناع.. فتعتنق ندى الإسلام وترتدى الحجاب عن اقتناع وتكتب مشاعرها فى رسائل تقرر أن تعطيها لحبيبها متى يعود.


ونقاط ضعف

تنتهى الرواية بنهاية أقرب إلى الأفلام المصرية القديمة.. أى بالتبات والنبات والصبيان والبنات!.. لا أعلم إن كان هذا هو اختيار الروائية أم أن الواقع الذى تحدثت عنه فى بداية الرواية هو من فرض عليها ذلك.. فقد أشارت الروائية فى المقدمة إلى أن القصة حقيقية، فقط غيرت أسماءها لتطمس معالمهم الإنسانية.

لو كان ذلك هو الواقع لما استطعت أن ألوم د.خولة لأن الواقع أحيانا يحمل ألف علامة اندهاش أكبر بكثير من الخيال.. ولو كانت النهاية من اختيارها لتمنيت أن تنهيها بشكل أكثر واقعية.. والرد مكفول لها.

أخذ على الرواية أيضا أنها إذ أظهرت الإسلام على أنه دين الحق والتسامح إلا أنها أظهرت فى شخصية أحمد دون أن تقصد شيئاً من التعصب الشديد لدينه وانحيازه المُطلق له.. وهو ما يظهر ضد المعنى الحقيقى للرواية الذى كما فهمته وفهمه الكثيرون هو أن الأديان كلها واحد والله واحد مهما تعددت السماوات.

أيضا لم أستمتع باللغة القوية والمفردات اللغوية بين صفحات الكتاب، فلغة الكاتبة سهلة وسلسة ولكنها بسيطة إلى درجة لا تسرقك إلى المرادفات والكنايات والاستعارات.. وأعتقد أن لغتها تطورت مع أعمالها الجديدة وهذا طبيعى بالنسبة لأى كاتب يبدأ طريقه ونظرا أيضا كما أعتقد لصغر سنها، ولا أعتبر هذا التعليق ثغرة أبدا فى الرواية بل هو رأى شخصى بعين القارئ وليس الناقد.

أجد الروائية أيضا قد سقطت فى هوة كثيرا ما يقع فيها الكاتب وهى ببساطة وكما نُطلق نحن الروائيون عليها جملة: أن يعلو صوت الكاتب على صوت القارئ!.

فالكاتب عادة ما يكون لديه توجه سياسى أو دينى بعينه والمفترض ألا يصل هذا الصوت للقارئ.. فالكاتب يجب أن يكون حياديا تماما مثل الإعلامى والمذيع.

ولكن الواقع أننا أحيانا نتحمس لآرائنا ودون أن ندرى نفصح عنها فى موقف ما أو من خلال بطل بعينه فنكشف الغطاء بسذاجة عن توجهاتنا وهذا خطأ وقعنا فيه أغلبنا كأدباء فى مرحلة ما.

هكذا استطعت أن ألمح شخصية الروائية من بين سطورها وأكاد أجزم أننى ألمس المناخ الذى تعيش فيه وآراءها وملامح شخصيتها.

لا أنتقد فعلتها ولكنها نصيحة أهمس بها فى أذنيها: «اختبئى سيدتى خلف حروفك وتوارى وراء ما تكتبين.. حتى يصبح غموضك هو الدافع لقراءتك.. فيبحث القارئ عنك فى سطورك دون أن يلمحك».


رسالة إليه

«دعنى أعترف لك بأشياء لم أبح بها إليك من قبل.. حين رأيتك للمرة الأولى، كنت أبعد ما يكون عن تصور الرحلة التى تنتظرنى.. كان لقاء فوق العادة، وما لحقه من أحداث كانت تفوق خيال الطفلة البريئة التى كنت.

حبى لك كان الدافع الرئيسى لأخوض التجربة معك.. وكانت حكمة الله أن أتعلق بك ونحن نختلف فى كل شىء.. وكانت حكمته أيضا أن أفقدك وأنا فى أشد الحاجة إليك.. حين توصلت إلى اليقين وأعلنت اقتناعى بالإسلام كنت أجهل إننى لم أقطع سوى أميال قليلة من رحلة الألف ميل.. وكان على أن أعبر بعدها أميالا لأثبت على دينى ولا أرتد عنه.. أمام كل المعوقات التى تسعى لإرباكى وتحطيم مقاومتى... أعلم إنى لن أكون قوية على مدار الرحلة، قد أتعب وقد أحيد قليلا عن الطريق.. لذلك أريدك أن تأخذ بيدى وتردنى إلى الصواب.. كن معى لنمضى إلى آخر المشوار».

الحقيقة إنها ليست فقط كلمات ندى لأحمد ولكنها كلمات أى أنثى يسكن قلبها رجل فتقرر أن تعيش بين ضلوعه ما تبقى لها من العمر.