حسين معوض يكتب: عنب الثعالب

مقالات الرأي


لا تستوعب حكومة المهندس شريف إسماعيل أهمية أن يعرف الناس سبب اقتراضنا من الخارج.. حكومة لا تجيد تسويق بضاعتها، تترك الناس لاعتقاد أننا نستدين لندفع المرتبات أو نستورد سلعا استفزازية.. وهو اعتقاد لا نقبله، ونجتهد لنقتنع بأهمية تلك القروض.

اعتقد أننا نقترض كبديل لتوقف الاستثمارات الأجنبية لأسباب سياسية وحسابات دولية.. ونستغل أن فائدة الاقتراض أصبحت أقل بكثير من أرباح الاستثمارات، والفوائد أو الأرباح كلاهما يتم تحويله إلى الخارج، فنحن أكثر بلاد الدنيا تحقيقا للأرباح، ودوران رأس المال هنا أسرع من كل الدنيا، قد تذهب الاستثمارات إلى مناطق الربح السريع اللهو واللعب والتدخين والرفاهية والاتصالات ولا تبنى مصنعا أو تصدر سلعة أو تشارك فى مشروع قومى فى مقابل قروض تضعها الدولة أينما أرادت.

لا يرفض عاقل الاستثمار ويقبل بالاستدانة ولكن العقلاء أيضا يصنعون البدائل الممكنة، ولكل بديل عيوب ومزايا، وإن شئت احسبنا على أنصار نظرية الثعلب.. فالعنب الذى لا تطوله يداك حصرم.. المهم أن تعرف أن الثعلب دائما يأكل العنب.. فالاستثمارات مثلا من الممكن أن تتحول لأموال ساخنة تهدم ولا تبنى وقد يكون ذلك لأسباب غير معلومة أو لغرض فى نفس الخواجة.. والقروض قد تكون شهادة ودليلا على قدرة البلاد على السداد.. شهادة صلاحية للتعامل مع العالم.

بالطبع الأرقام المتداولة لحجم القروض تبدو مرعبة إن لم نستوعب أهميتها.. فنحن نطلب 12 مليارا من صندوق النقد الدولى، و6 مليارات أخرى تمثل قروضا تمهيدية للقرض الكبير، وروسيا وافقت على إقراضنا 25 مليار دولار لبناء المفاعلات النووية فى الضبعة، ولم نشعر بفارق كبير من مليارات القروض ومليارات الصين للاستثمار فى العاصمة الإدارية الجديدة 20 مليار دولار من الصين وبالتأكيد تنتظر الصين أن تحقق أرباحا من استثماراتها أعلى مرات ومرات من الفوائد على تلك الأموال لو حصلنا عليها كقرض.

المهم ألا نصل لمستوى تبرير يقول: إننا نصدر بـ19 مليارا ونستورد بـ65 مليار دولار والفارق 44 مليار دولار يجب أن نقترضه، الاقتراض لتغطية فواتير الأكل واللبس والرفاهية جريمة.. الحقيقة أننا نغطى الجزء الأكبر من عجز الميزان التجارى من خلال مواردنا الأصلية للعملة الصعبة ومنها قناة السويس وتحويلات المصريين فى الخارج والسياحة وقليل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والنسبة الباقية على «النوتة».. ومحاولات السيطرة على «النوتة» أكثرها فاعلية هى سياسة تخفيض سعر العملة المحلية، فقد سبق ووضع البنك المركزى قائمة سوداء بسلع الرفاهية الممنوع استيرادها وفشلت المحاولة وزادت الواردات، وعندما تحرك سعر العملة انخفضت فاتورة الواردات 7 مليارات دولار.

الآن نحن نقترض ونعيش تحت ضغط سياسات التقشف لنبنى للأجيال القادمة، وليس صحيحا أننا نعيش على حساب الأجيال القادمة، نبنى لهم «هضبة الجلالة – المشروع القومى للطرق – شرق التفريعة – أنفاق سيناء – زراعة مليون ونصف المليون فدان – تنمية محور قناة السويس – الساحل الشمالى الغربى – مثلث التعدين – العاصمة الإدارية – شبكات الكهرباء الجديدة – الضبعة – تطوير الموانئ – المناطق التكنولوجية – حقول الغاز – المزارع السمكية – الإسكان الاجتماعى وتأهيل العشوائيات».

بالطبع تلك حسابات للحظة استثنائية فى تاريخ البلاد، وفكرة الاقتراض كبديل للاستثمار أيضا فكرة يجب أن تكون استثنائية وقد لا يكون لها بديل الآن.. نحتاج فقط أن نفكر ونفسر لنعوض أنفسنا عن صمت الحكومة أو فشلها فى توصيل الرسالة.