ألاعيب «لوبى البورصة» لإسقاط ضريبة الأرباح الرأسمالية

العدد الأسبوعي

البورصة المصرية -
البورصة المصرية - أرشيفية


إفشال طرح شركات القطاع العام.. وخفض قيمة أسهمها.. الترويج لضرورة فرض ضرائب على ودائع البنوك

الادعاء بإضرار الضريبة بمؤسسات وهيئات الدولة العاملة بسوق المال


بدأت وزارة المالية معارك العام الجديد، مبكراً جداً، وأول هذه المعارك تخص الضرائب حيث تحدث عمرو المنير، نائب الوزير للسياسات الضريبية، فى مايو الماضى، عن أن الوزارة لم تقرر بعد مد فترة تأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية على البورصة من عدمه، مشيراً إلى أن مسئولى الوزارة لا يميلون للمد، فى إشارة واضحة لتجدد المعركة بين الوزارة ورجال الأعمال، وتبدو الوزارة مصممة على تفعيل الضريبة خاصة فى ظل البحث الشديد عن موارد إضافية لتمويل الموازنة.

ولم تكن هذه المرة الأولى التى تلمح فيها الوزارة إلى عزمها على تفعيل الضريبة التى تسببت فى معركة حامية بين الوزارة ورجال الأعمال، انتصر فيها الطرف الأخير، إذ إن نائب الوزير قال نهاية سبتمبر الماضى بوضوح أن الوزارة تدرس الأسباب التى أدت لتأجيل تطبيق الضريبة وستنتهى من ذلك خلال الربع الأول من العام المقبل أى قبل مارس المقبل قبل نهاية فترة التأجيل الممتدة إلى مايو من نفس العام.

موقف الوزارة من الضريبة تؤكده موازنة العام المالى الجديد 2016/2017 حيث تضمن مشروع الموازنة حصيلة الأرباح الرأسمالية ضمن مصادر الإيرادات المستهدفة والتى بلغت تقديراتها نحو 2.5 مليار جنيه مقابل 3.5 مليار جنيه بتقديرات موازنة 2015/2016 بنسبة انخفاض 28.5% نتيجة تأجيل الضريبة لمدة عامين.

وقصة تأجيل ضريبة أرباح البورصة ليست وليدة مايو 2015، حينما تم اتخاذ قرار وقف العمل بها لمدة عامين، لكنها تعود إلى عام 1992، حينما كانت مفروضة وفق المادة 14 من القانون رقم 95 لسنة 1992 والخاص بسوق المال، بنسبة 2% ويتم خصمها من المنبع واستمر العمل بالمادة لمدة 4 سنوات حتى تم إلغاؤها مع دخول أبناء كبار مسئولى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك فى دخول البورصة والاستثمار بها.

وبعد ثورة يناير طرح مجموعة من الخبراء على حكومة المجلس العسكرى، عودة الضريبة بنسبة 2% أو 5% ولكن لوبى البورصة ضغط على الدكتور سمير رضوان، وزير المالية حينئذ، وبعده الدكتور حازم الببلاوى، وخلال عام 2013 نجحت الدولة فى إصدار قانون ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة والتى تخصم أيضا من المنبع ثم تم إلغاؤها وإصدار قانون فرض ضريبة على التوزيعات النقدية بنسبة 10% بجانب ضريبة على الأرباح الرأسمالية المحققة بنسبة 10% وذلك فى يوليو 2014 والتى تم تأجيلها لمدة عامين بعد ضغوط كبيرة على الحكومة وصلت إلى رفع دعاوى قضائية ضد الحكومة.

وحسب خبراء فإن البورصة المصرية هى الوحيدة فى العالم التى نجح فيها المضاربون بالضغط على الحكومة وإجبارها على التراجع عن قراراتها لأن تأجيل الضريبة جعل البورصة معفاة تماماً من الضرائب على أرباح التعاملات، رغم أن ضريبة الأرباح الرأسمالية التى أقرتها الحكومة كانت الأقل مقارنة بمعظم دول العالم والتى تصل بالدانمارك لـ62% وبريطانيا 40% والسويد 30% والولايات المتحدة 20.3% وإسبانيا 15%.

وبعيدا عن البحث عن موارد إضافية لتمويل الموازنة التى تعانى عجزا كبيرا فإن الحكومة فتحت مع بعثة صندوق النقد الدولى التى زارت مصر مؤخراً لبحث الاقتراض من الصندوق، ملف الضريبة على الأرباح الرأسمالية خاصة أنها كانت من بين نصائح الصندوق للحكومة لزيادة الإيرادات وتحقيق العدالة الضريبية، ولاقى قرار الحكومة بتأجيل الضريبة وقتها انتقاد الصندوق والذى رأى أن القرار معناه تحمل القطاعات الأقل دخلاً عبء الإصلاح المالى.

وبالإضافة إلى ذلك تواجه الحكومة انتقادات حادة لعدم قدرتها على تحصيل أى ضريبة من الأغنياء وعلى رأسهم مستثمرى البورصة الذين يحققون أرباحاً بالمليارات لا يدفعون عنها أى ضرائب، فى ظل تحمل المواطنين العاديين العبء الأكبر من الضرائب خاصة بعد تخفيض ضريبة الدخل من 25% إلى 22.5% وإلغاء الضريبة على الثروة.

ويستخدم معارضو ضريبة البورصة فكرة ضعف إيراد الضريبة مقارنة بالخسائر التى روجوا بأن سوق المال تكبدها مع هروب المستثمرين،فى مقابل مؤيدى الضريبة الذين يرون أنها ليست أداة فقط لجمع الأموال ولكنها أدوات ضبط اقتصادية واجتماعية مثل فرض ضرائب مرتفعة على التدخين أو الصناعات الملوثة وفرض جمارك مرتفعة لحماية الصناعة المحلية وفى هذه الحالة فإن ضريبة البورصة تحد من الأموال الساخنة الناتجة من المضاربات لتصبح سوق المال المصرية مكانا للمستثمر الحقيقى.


1- 3 وسائل ضغط على الحكومة

تشهد بداية العام المقبل جلسات واجتماعات مع مستثمرى البورصة للتعرف على مخاوفهم من الضريبة وإمكانية إدخال تعديلات على القانون وآلياته لتقليل آثاره ومناقشات لشرح القانون لهم، وبالإضافة إلى المستثمرين والمتعاملين بالسوق فإنه سيتم الاطلاع على ملاحظات هيئة الرقابة المالية.

ويبلغ عدد الشركات المقيدة فى بورصة مصر وبورصة النيل 270 شركة وعدد المستثمرين الذين لهم حق التعامل فى السوق 500 ألف مستثمر، لكن عدد المتعاملين الذين يتداولون مرة واحدة سنوياً يتراوح من 80 لـ100 ألف مستثمر.

وتكشف دراسة البنك الدولى الصادرة عام 2015 بعنوان: «وظائف أم امتيازات: إطلاق إمكانيات التوظيف فى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»،عن سر تراجع الحكومة عن تطبيق ضريبة أرباح البورصة ونجاح حملة الضغط عليها وذلك فى إشارتها إلى أن هناك 32 شخصا مرتبطا بالنظام السياسى وهم أعضاء مجلس إدارة ومديرو وكبار المساهمين فى 104 كيانات من بينها صناديق استثمار وشركات قابضة يسيطرون على 469 شركة كانت مقيدة فى البورصة.

وبالإضافة إلى هذا اللوبى فإن شركات السمسرة العاملة فى الأوراق المالية ويبلغ عددها 149 شركة تحقق عمولات من تحقيق الأرباح عن طريق عمليات البيع والشراء شكلت هى الأخرى أداة ضغط على الحكومة.

وحسب مصادر فإن تأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية، لن تكون المحاولة الأخيرة للوبى البورصة، لأنهم بدأوا بالفعل فى استخدام 3 أدوات للضغط على الحكومة للتراجع عن الضريبة وإلغائها تماماً.

الأداة الأولى هى التلويح بفشل برنامج الطروحات لشركات حكومية فى البورصة والذى أعلنت عنه وزارة الاستثمار خلال فترة من 3 لـ5 سنوات ويستهدف الحصول على 10 مليارات جنيه، واستخدام هبوط سهم شركة موبكو التى تعتبر أول طرح حكومى من 50 جنيها لـ27 جنيها للتدليل على أن البورصة تعانى غياب الجاذبية.

أما الأداة الثانية فهى الترويج للتأثير الضار على موازنة الدولة لأن جانبا رئيسيا من المستثمرين من المؤسسات فى البورصة هى جهات تابعة للدولة، ومنها البنوك العامة وصناديق التأمينات الاجتماعية وهيئة البريد والشركات القابضة والهيئات العامة، وكان سهم الشركة المصرية للاتصالات الأكثر تضرراً من الضريبة، وهو ما يعنى انخفاضاً فى عوائد استثمارات الدولة بالبورصة وبالتالى تأثر الموازنة.

وتعتبر ورقة هروب المستثمرين الأجانب من البورصة، هى ورقة الضغط الأخيرة حيث سيتم الضغط على الحكومة بفكرة أن سوق المال إحدى وسائل جذب النقد الأجنبى وكانت قبل فرض الضريبة توفر 2 مليار دولار سنوياً تدفقات نقدية فى شكل استثمارات تدعم الاحتياطى الأجنبى.


2- ضريبة التوزيعات

أكدت مصادر أنه فى حال إصرار الحكومة على تطبيق الضريبة وعدم إلغائها فإن مستثمرى البورصة سيعرضون على الحكومة عدة بدائل وشروط لعودة الضريبة أو استبدالها بأشكال أخرى من الضرائب ومنها ضريبة التوزيعات.

ويعتبر الإبقاء على ضريبة التوزيعات النقدية فقط بنسبة 10%، والتى تم إقرارها عام 2014 وكانت الحكومة تستهدف منها تحصيل 3.5 لـ 4.5 مليار جنيه أو رفعها من 10% إلى 15% مع إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية من أهم الحلول التى سيحاول رجال الأعمال التفاوض مع الحكومة عليها.

وهناك مقترح آخر هو تخفيف الضريبة لتكون 5% على الشركات المقيدة و10% على غير المقيدة، وهناك اقتراح أخير بإلغائها والاكتفاء بضريبة الأرباح الرأسمالية فقط.

وتكشف بيانات البورصة المصرية عن سبب تفضيل المتعاملين لهذا النوع من الضريبة، حيث إن كثيرا من الشركات والبنوك المقيدة فى البورصة تلجأ لتوزيع أسهم مجانية لتفادى - والتحايل على - هذه الضريبة، حيث أشارت الأرقام إلى أن نسبة التوزيعات المجانية ارتفعت إلى التوزيعات النقدية من 14.8% خلال عام 2014 إلى 46% خلال عام 2015.

وبلغت توزيعات الأسهم المجانية 4.5 مليار جنيه فى عام 2015 مقابل 2 مليار عام 2014 بنسبة ارتفاع 124.5% خلال عام، فى حين انخفضت التوزيعات النقدية من 13.5 مليار جنيه عام 2014 إلى 9.8 مليار جنيه خلال عام 2015 وذلك بنسبة 28% بسبب الضريبة.


3- ضريبة الدمغة

ويفضل بعض المتعاملين فى البورصة أن تقوم الحكومة بإعادة فرض ضريبة الدمغة على التعاملات مع إلغاء ضريبة الارباح الرأسمالية وهو أحد اقتراحات الجمعية المصرية للأوراق المالية خاصة أن حصيلتها أكبر وحققت 9.8 مليار جنيه قبل إلغائها لكن البعض يرى أن تلك الضريبة ستسبب مشكلات فنية كبيرة عند التطبيق، مع العلم أن حكومة إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء السابق، ألغت هذه الضريبة عام 2014 بعد إقرارها بنسبة واحد فى الألف على معاملات البورصة فى 2013 يتحملها البائع والمشترى مع كل عملية سواء تم تحقيق خسارة أو ربح.


4- ضريبة ودائع البنوك

ومن المساومات الخبيثة التى يستخدمها متعاملو سوق المال مع الحكومة الاقتراح بفرض ضريبة على الودائع الخاصة بالبنوك إذا فشلت محاولات التفاوض وتم الإصرار على تفعيل ضريبة الأرباح الرأسمالية، خاصة أن جميع الدول التى تفرض ضريبة على أرباح البورصة تفرض أيضاً ضريبة على الودائع، ومبررهم فى ذلك هو عدم التمييز بين وعاء استثمارى وآخر.

وتقدر حصيلة تلك الضريبة بـ10 مليارات جنيه إذا تم فرضها بنسبة 1% على إجمالى الودائع لدى الجهاز المصرفى التى تبلغ 1.1 تريليون جنيه، ولكن هذه الفكرة غير واردة على الإطلاق من جانب الحكومة حيث ستواجه برد فعل شعبى عنيف يمكن أن يتسبب فى انهيار البنوك لأن معظم الودائع المصرية تنتمى للقطاع العائلى بنسبة 70%، كما تعتمد بعض الأسر على عائد هذه الأموال فى تلبية احتياجات المعيشة مع ارتفاع معدلات التضخم.

من ناحية أخرى فإن معدلات الادخار فى مصر متدنية وتحاول الدولة تشجيعها بزيادة العائد على الودائع، حيث تقوم البنوك بشراء السندات وأذون الخزانة وإقراض الحكومة من خلال هذه الأموال لتغطية نفقاتها.


5- الخصم من المنبع

يرى خبراء أن الحل الأفضل للحكومة فى أزمة ضريبة أرباح البورصة أن تقوم الحكومة بتعديل طريقة تحصيل الضريبة لتكون من المنبع، ما سيلقى قبولاً كبيراً من جانب المستثمرين لرغبتهم فى إخفاء حجم أموالهم وعدم تتبع الحكومة لها مثلما يحدث فى أنواع أخرى من الضريبة، فلن يكون مطلوباً من المستثمر تقديم إقرار ضريبى أو يكون له ملف ضريبى، مؤكدين أن تلك المشكلة هى السبب الرئيسى فى رفض ضريبة أرباح البورصة وليس تأثيراتها السلبية، لكن الحكومة متمسكة بمعرفة معلومات أكبر عن المجتمع الضريبى.


6- تعديلات مطروحة

يعتبر اللجوء لخيار تعديل القانون الحالى لضريبة أرباح البورصة هو آخر الحلول المطروحة بين متعاملى السوق وعلى رأس التعديلات المطلوبة فى القانون إيضاح طريقة سداد الضريبة وآلية تطبيقها وإصدار تعليمات تنفيذية واضحة، حيث يشكو متعاملون من طريقة صياغة القانون ويصفونها بالغموض حيث لم تساعد اللائحة التنفيذية فى إزالة هذه المشكلة.

ووضعت 8 جهات عاملة فى سوق المال مذكرة بتوصيات لتعديل المشكلات الموجودة عند تطبيق القانون وهى: الجمعية المصرية للأوراق المالية، والجمعية المصرية لإدارة الاستثمار، والجمعية المصرية للاستثمار المباشر، والجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، والجمعية المصرية لخبراء الاستثمار، والشعبة العامة للأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية، ومكتب أرنست آند يونج، ومكتب برايس ووتر هاوس كوبرز.

ومن ابرز التعديلات المطروحة: إتاحة وسيلة للطعن على تقدير الضريبة الذى تحدده شركة مصر المقاصة المسئولة عن التحصيل، وإعفاء صناديق الاستثمار فى الأوراق المالية من الضريبة ووضع نظام ضريبى منفصل لصناديق الملكية الخاصة والصناديق العقارية، ومنح صناديق الاستثمار العقارية إعفاء ضريبيًا فى حال توزيع 70٪ من أرباحها السنوية على المساهمين، وأن يتم الخصم بالنسبة لتعاملات المستثمرين الأجانب على أساس متوسط عمليات اليوم الواحد، وليس على أساس احتساب ناتج كل عملية على حدة.