قصر السكاكيني.. درة أثرية يسكنها موظفو الآثار نهارا و"الأشباح" ليلا (تحقيق بالصور)

تقارير وحوارات

قصر السكاكيني
قصر السكاكيني


 

كعادته يدفن الإهمال كل ما هو جميل على أرض المحروسة، ليحول رموز العظمة والفخامة إلى بيوت للأشباح، بعد أن تختفي وسط الأبنية المرتفعة والمحال التجارية، ليس فقط ذلك بل تحيط بها تلال القمامة.


 


 

"قصر السكاكيني" الذي شهد على شموخ عصر القوة بـ"مصر المحروسة"، وزمن كانت العمارة فيه فنًا حقيقيًا، هذا القصر العظيم الذي بني منذ 130 عامًا، وضمته الآثار إلى قوائمها منذ 30 عامًا واتخذته مقرًا إداريًا لمنطقة آثار وسط القاهرة، ومع ذلك يعاني من الإهمال الشديد سواء من خارجه أو داخله.

على مدار ثلاثة عقود شهد القصر إهمالًا شديدًا ليفقد يومًا بعد يوم جزءًا من بهائه وجزءًا من مكوناته، لتسكنه القطط نهارًا والأشباح ليلًا، وتشق الشروخ معظم جدرانه، بينما يتخذه البعض دورة مياه عمومية. 


 


 

من هو صاحب فكرة بناء القصر؟

 

"حبيب باشا السكاكيني" من مواليد عام 1841 في دمشق بسوريا وصل لمصر بعمر يتراوح الـ 16عاما ليتولى وظيفة بشركة قناة السويس في بورسعيد، وبعد سنوات انتقل إلى القاهرة، وكلفه الخديوي إسماعيل باستكمال بناء الأوبرا الخديوية التي استقبلت زيارة الملوك الأوروبيين، إلى مصر لحضور أفخم احتفال لافتتاح قناة السويس في 17 نوفمبر 1869.

وأصبح السكاكيني بالنهاية من المقاولين الأثرياء في ذلك الوقت، وقيل أنه لقب بـ (السكاكيني) لأنه جمع ثروته قبل العمل في المقاولات من تجارة السكاكين والأسلحة. 


 


 

عودة إلى جمال الماضي 

 

قصر السكاكيني من أقدم قصور مصر، تم بناؤه عام 1897، يقع في ميدان السكاكيني في القاهرة، وتحديدًا في منطقة الظاهر.

بني قصر السكاكيني على يد معماريين إيطاليين جاؤوا خصيصًا للمشاركة في بناءه، وطلب منهم حبيب باشا السكاكيني أن يكون نسخة من القصر الذي شاهده في إيطاليا ووقع في غرامه، وقد اختار لقصره موقعًا جذابًا يشع منه 8 طرق رئيسية وبالتالي أصبح القصر نقطة مركزية في المنطقة ولم يكن الحصول على مثل هذا الموقع سهلا في ذلك الوقت لكن علاقة السكاكيني باشا مع الخديوي سهلت هذه المهمة.


 


 

شكل مبنى القصر

 

طراز القصر يجمع بين الروماني واليوناني وعراقة الطراز الإسلامي، بني على مساحة 2698 متر مربع يضم أكثر من 50 غرفة ويصل ارتفاعه لخمسة طوابق، ليحتوي على أكثر من 400 نافذة وباب و300 تمثال، ومنهم تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر.

يوجد 6 بوابات لمداخل القصر تقع كل منها أمام أحد الشوارع فهناك اثنان أمام شارع السكاكيني وامتداده، ومثلها أمام شارع ابن خلدون وامتداده، ومثلها أمام شارع الشيخ قمر وامتداده.


 


 

كيف انتقلت ملكية القصر إلى الدولة؟

 

في عام 1923 توفي حبيب باشا السكاكيني قسمت ثروته بين الورثة الذين قاموا بإعطاء القصر للحكومة، حيث قام أحد أحفاده وكان طبيبًا بالتبرع بحصته إلى وزارة الصحة والتي لم تكن الجهة المؤهلة لوراثة مثل هذا القصر.


 



 

 

تحويل قصر السكاكيني إلى "متحف التثقيف الصحي"

 

وفي عام 1961 تم نقل متحف التثقيف الصحي من عابدين إلى قصر السكاكيني وذلك بأمر من محافظ القاهرة، أما في عام 1983 صدر قرار وزاري من وزارة الصحة بنقل متحف التثقيف الصحي إلى المعهد الفني بإمبابة، وتم نقل بعض المعروضات إلى إمبابة والبقية تم تخزينها وقتئذ في بدروم أسفل القصر.


 


 

تسجيل القصر بـ"الآثار"

 

وتم تسجيل هذا القصر في عداد الآثار الإسلامية والقبطية بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1691 لسنة 1987، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار.


 


 

سرقة محتويات القصر

 

تعرض القصر لعمليات سرقة لمحتوياته، حيث سُرق تمثال "ملاك"، بالإضافة إلى تمثال "درة التاج" الذي كان يمثل فتاه ترتدي تاج ويعد من أقرب وأحب التماثيل إلى السكاكينى، وتمثال "مرمر" الذي كان يتميز بتغير لونه عند تعرضه لأشعة الشمس، هذا غير ما تم تحطيمه وكسره من تماثيل مثل تماثيل الأسود أمام حديقة القصر، وجميعهم اختفوا وتحطموا في ظروف غامضة.


 


 

حفيدة "السكاكيني" وحديث الحزن والفخامة

 

المخرجة أسماء البكري، حفيدة السكاكينى باشا، كانت أوضحت في تصريحات سابقة قبل وفاتها، أن الأسرة أهدت القصر لثورة يوليو 1952 عقب اندلاعها، بدلًا من أن يتم تأميمه، ليصبح مقرا لمتحف التثقيف الصحي، وبعدها مقرًا لأحد إدارات المجلس الأعلى للآثار، والتابع له القصر منذ 15 عامًا.

وأضافت أن القصر قد شهد أزهى عصوره إبان حكم الملك فاروق، لافتة إلى اهتمامه بالقصر من باب عنايته بالمباني الأثرية، إلا أن عهد الرؤساء السابقين بداية من جمال عبد الناصر، لم يعطوا أى اهتمام به، ومشيرة إلى أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وعدها بترميم القصر فى أواخر فترته، إلا انه لم يتخذ أى خطوات تنفيذية استنادًا إلى مشكلة التمويل.


 


 

حولت الدولة القصر إلى مقر لإدارة تابعة للأعلى للآثار بعد محاولات كثيرة من أحفاد حبيب باشا السكاكيني لترميمه، ليختفي القصر وراء معدات الترميم وتغلف التماثيل التي كانت تزينه بـ"أكياس المشمع".


 



 

 

"قصر السكاكيني" في الحاضر

 

وحاولنا الدخول إلى القصر، في البداية كان أحد المداخل مفتوحًا أمامنا، وحينما دخلنا وجدنا أحد العاملين، الذي رفض أن يدلي لنا بأي معلومات، بحجة عدم وجود تصريح رسمي، قائلًا إن إحدى الصحفيات صورت لافتة دعائية خارج القصر ونشرت في جريدتها أن القائمين على القصر يقومون باستغلاله تجاريًا، ليخرجنا مرة أخرى من البوابة، لافتًا إلى أن الموظفين المتواجدين بالداخل سوف يخرجون في ذلك التوقيت.


 


 

مبنى مهجور 

 

وعن أوضاع القصر الحالية، قال عبدالتواب، حارس إحدى العقارات المواجهة له: "منعرفش مشغلين المكان ايه دلوقتي، هو قيمة كبيرة مفروض يهتموا بيه محدش يعرف يبني مكان زي كده دلوقتي".

وتابع بصوت فيه حسرة شديدة: "القصر دا لو خارج مصر كان زمانه حاجة نادرة عمرها ما هتتعوض.. في سياح بييجوا يصوروه ويعرضوها بره سمعة سيئة.. 

وعبر عن استنكاره من تحول القصر إلى مكان إداري، قائلا: "اللي يدخل جوه ممكن يذهل من القصر مفيش اهتمام مفيش ترميم، أصبح مبنى مهجور، فيه مجموعة موظفين ومكاتب وكراسي بلاستيكية".


 


 

تلال القمامة تحيط بالقصر

 

 أما شعبان، بائع في سوبر ماركت أمام القصر، فأوضح أن عملية ترميم القصر آلت إلى أحد المقاولين منذ عام 1967، ولكنه فشل في ذلك، وأشار إلى أن محيط القصر مليء بالقمامة التي يلقيها المواطنين، قائلًا: "زبالة مرمية على طول اللي معاه شنطة بيرميها" 

وتابع: "آخر أيام الستينيات مكانش كده كان القصر نضيف والشوارع كمان، نتمنى يتجدد والناس تدخله لأنه رمز لمصر". 


 


 


 

وبين حين وآخر تتذكر وزارة الآثار هذا القصر فيصرح المسؤولون بدراسة تحويله إلى متحف، ثم يأتى تصريح آخر يقول إنه سيتم تحويله إلى مركز ثقافي، دون وجود خطة حقيقية أو إمكانيات بشرية أو مادية للمتحف أو للمركز.


 



 

 

القصر لم يدخل مرحلة الترميم!

 

سعيد حلمي، رئيس قطاع الآثار الإسلامية، أكد أن قصر السكاكيني آمن لا توجد به أي أضرار، موضحًا أنه لم يدخل حتى الآن مرحلة الترميم، وأنه مازال في مرحلة الدراسة لأعمال الترميم، وأن التماثيل المغطاة لدرأ الخطورة عنها، خاصةوأن بها بعض الشروخ البسيطة ويتم التعامل معها بدقة.

ولفت سعيد في تصريح لـ"الفجر"، إلى أنه فور الانتهاء من مرحلة الدراسة سوف تقوم الجهات المسؤولة بالأعلى للآثار بعمل مقايسة تقديرية لأعمال الترميم المطلوبة. 

كما أضاف بأن هناك لجنة وزارية تدرس خطة استغلال القصر بعد ترميمه، مشيرًا إلى أن أبرز المقترحات المطروحة بتحويل القصر إلى مزاراً سياحيًا لكل أبناء مصر، لتعرض به لوحات ورسومات خاصة مثل وصف مصر والأماكن السياحية ليصبح من أجمل المزارات.


 

نظرة معاصرة على القصر