ليلة اختفى فيها الحاكم بأمر الله

منوعات

بوابة الفجر


ذكر الكاتب الكبير جمال الغيطاني، في كتابه "ملامح القاهرة في ألف عام" يقول:

خرج الحاكم بأمر الله في ليلة يوم الثلاثاء 13 فبراير سنة 1021م سنة 411هـ، من باب القصر الشرقي الكبير، ركب حماره، متوجهاً على خارج القاهرة، المدينة هادئة، وثمة غموض في الجو، ويبدو أن أم الحاكم أحست بما سيقع، تعلقت به قبل خروجه، فترجته بحرارة أن يبقى، ألحت عليه، لكنه أصر على الخروج.

أمام باب القصر، وقف جماعة ينتظرونه كل ليلة، يصاحبونه في سيره، وإذ يقترب من الجبل يعودون، يستمر بمفرده، أثناء مشيه ربما اعترضه بعض الرعايا، يقدمون له الشكاوى، يقف الواحد منهم على يمينه، يشرح له متاعبه، يصغي الحاكم، إن ذاكرته قوية تستوعب ما يسمعه، إذ يعود على القصر يعمل على حل هذه المشاكل ويطلب من الأهالي انتظاره في الليلة التالية بنفس الموضع حتى يخبرهم بما اتخذ من قرارات. الليلة ظلامها كثيف، النجوم كثيرة في السماء، عند بداية الجبل عاد مرافقوه، وأوغل الحاكم في الدروب المهجورة. يقال أنه نظر طويلاً على السماء، ثم صاح "ظهرت يا مشئوم". ومنذ هذه اللحظة لم تقع عليه عين بشر حتى الآن، لم يعثر له على جثة، وازداد الموقف غموضاً.

وعندما نقف الآن في صحن المسجد الفسيح المتهدم، تهيمن علينا مسيرة الحاكم بأمر الله، كأنه يرقبنا من مكان خفي، لقد صلى هنا، ومشى هنا، ومن أمام هذا المسجد صار إلى الجبل قبل غيبته، وإلى المسجد يجيء بعض الناس من الهند بين فترة وأخرى، من بقايا الفاطميين هناك، يحجون إلى مسجد الخليفة الفاطمي، إن الأعمدة تقاوم جاهدة البلى، نلمح الإعياء فوق جدرانه، والخراب حول مئذنتيه، يجول بالذهن خاطر، هل يعود الحاكم يوماً ليعمر هذه الأطلال.. وليسأل نفسه، كيف تحول هذا المسجد الفخم على تلك الأطلال..؟ .