د. نصار عبدالله يكتب: الأذان فى الكنيست الإسرائيلي

مقالات الرأي



فى الأسبوع الماضى، وفى جلسة واحدة من جلسات الكنيست الإسرائيلى تم رفع الأذان مرتين، المرة الأولى من خلال كلمة النائب أحمد الطيبى ( الذى سبق له أن شغل مقعدا فى الكنيست أكثر من مرة حيث كان دائما يفوز باعتباره مرشحا للتجمع الوطنى الديموقراطى ثم فاز مؤخرا باعتباره مرشحا للقائمة المشتركة) .. ردد الطيبى بصوت قوى نص الأذان بدون تنغيم أو ترتيل: الله أكبر .. الله أكبر .. أشهد أن لا إله إلا الله.. إلخ، أعقبه بعد ذلك النائب طالب أبوعرار (القائمة العربية الموحدة) ..الذى رفع الأذان بالكامل بصوت منغم جميل لا يقل جمالا عن صوت عبدالباسط عبدالصمد!!.. غير عابئ بالاحتجاجات والصيحات التى حاولت أن تشوشر عليه من النواب الصهاينة!!.. أما مناسبة رفع الأذان داخل مبنى الكنيست فقد كانت هى اعتراض النواب العرب على القرار الذى أصدرته الحكومة الإسرائيلية والذى يحظر استخدام مكبرات الصوت فى الأذان فى إسرائيل بذريعة أن هذا يسبب إزعاجا للسكان القريبين من مصدر الأذان!! وياله من منطق.. أن يفرض اللص على صاحب البيت ألا يصدر منه صوت يسبب له إزعاجا حتى لوكان هذا الصوت هو دعوة المؤمنين إلى إقامة شعيرة من شعائر الله أو فرض من فروضه! ..هكذا تعالت صيحات النواب العرب فى البرلمان منددة بالقرار ومؤكدة على تمسك الفلسطينيين جميعا مسلمين ومسيحيين بوجوب رفع الأذان بمكبرات الصوت فى مواعيد كل صلاة، والواقع أن المجتمع الفلسطينى بأكمله قد التف حول نوابه، ووصل هذا الالتفاف إلى الحد أن بعض الكنائس الفلسطينية قررت أن يرتفع الأذان من أبراجها هى! فى رسالة إلى العالم بأكمله وإلى المحتل الإسرائيلى بوجه خاص تقول له بوضوح وحسم: نحن مع إخواننا الفلسطينيين المسلمين فى خندق واحد، فإن حاولتم أن تكتموا صوت المؤذن فى مساجدهم فسوف يرتفع من كنائسنا!!، وهو مشهد بديع يذكرنا بمصر عام 1919 عندما كان المشايخ يخطبون فى الكنائس والقساوس يخطبون فى الجوامع، وعندما كان شعار الثورة: «هلال يتضمن صليبا».. وعندما كان رصاص المحتل البريطانى ينطلق نحو الصدور المصرية، لا يفرق بين صدر مسلم ومسيحى فتمتزج الدماء ويتعانق الشهداء.. المشهد الآن يتكرر مع اختلاف المواقع.. فمنذ ما يقرب من قرن من الزمان كان الموقع هو مصر، والموقع الآن هو «فلسطين» وهو ما يمنحنا أملا عميقا بالمستقبل، فمثل هذه الروح الواحدة الموحدة هى فى مقدمة الأسباب التى حققت النصر لمصر، وجعلتها تنتزع استقلالها من براثن أقوى قوة فى العالم فى ذلك الوقت: «بريطانيا العظمى»، مثل هذه الروح الواحدة الموحدة هى التى تبعث فى نفوسنا التفاؤل بأن الشعب الفلسطينى قادر على أن ينتزع استقلاله من براثن دولة بالغة ما بلغت من القوة العسكرية، فلن تبلغ مرتبة القوة الأولى فى العالم التى بلغتها بريطانيا فى أوج ازدهارها، مثل هذه الروح التى تمتلئ بها جنبات الساحة الفلسطينية هى الروح التى نتمنى أن تعود بكامل عنفوانها إلى أرض المنبع: « مصر»، وهى تخوض معركة مصيرية فى مواجهة قوى الشر والظلام التى هى أخطر بكثير من سائر معاركها السابقة التى خاضتها من أجل التحرر والاستقلال الوطنى. بالطبع أنا لا أنادى بأن يرفع الأذان من الكنائس ولا أن تقام الأكاليل فى المساجد فلا حاجة بنا إلى ذلك.. لكننى فقط أدعو إلى كسر تلك الحواجز الوهمية التى بدأت تتنامى عبر الثلاثين أو الأربعين عاما الماضية بين عنصرى الأمة ..بل إن شئنا الدقة بين عنصرها الواحد: العنصر المصرى.