إمام المسجد النبوي: الإيمان بالقدر لا يعني الاستسلام لروتين الحياة

السعودية

السعودية - أرشيفية
السعودية - أرشيفية


تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبد الباري الثبيتي في خطبة الجمعة اليوم عن سنة الحياة وتقلباتها وتغير أحوالها ما بين فرح وحزن غنى وفقر صحة ومرض.

وقال في خطبة الجمعة اليوم إن التغير سنة الحياة التي لا ثابت فيها صحة ومرض، ارتفاع وانخفاض، عز وذل، جوع وشبع، فقر وغنى، زواج وطلاق، أمن وخوف، حزن وفرح، وتقلبات اقتصادية، هذه المتغيرات سنة الحياة التي لا مفر منها ونقرأها في أحداث التاريخ على مدى العصور.

وأضاف أنه عندما تتغير الحياة على نحو سلبي تستدعي النفس الهزيل مشاعر الحزن والألم والتشاؤم التي تضعف همتها وتقعدها عن السير في الحياة بجد ونشاط . فمن أصول عقيدة المسلم الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره واليقين بأن الأمر والتدبير لله عز وجل وأن تغيرات الحياة شأن رباني لا يحيط  به البشر . مستشهدًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلابشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" .

وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن المؤمن يعيش بالرضا على كل حال، وإذا رضي عن نفسه وربه عز وجل اطمأن إلى يومه وحاضره، وإذا تشرب اليقين بالله سبحانه اطمأن إلى غده ومستقبله .

وأفاد الشيخ عبدالباري الثبيتي أن الإيمان بالقضاء والقدر لا يعني الاستسلام لأسر الواقع والركون إلى روتين الحياة والرضا باليأس والتثبيط  بل يقتضي الإيمان بالقضاء والقدر دفع الأقدار بالأقدار، والأخذ بالأسباب بصبر وثبات والعمل على تغير الحال نحو الأفضل، فكم من فقير قلب الله حاله غنى؟ وكم من مكروب جعل الله تعالى كربه فرَجاً؟ وكم من مهموم صيّر الله همه سروراً؟ وكم من مريض ألبسه الله ثوب الصحة والعافية؟ يصاب الإنسان بالهلع إذا حل به تغير مفاجئ إلا المصلين، قال سبحانه وتعالى ( ِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) .

وحذر من غفلة الإنسان عن تغير حاله إلى الأحسن بالانغماس في تحليل الأمور والبحث خلف الأحداث والعيش في سراب الأماني فيضيع زمانه ويفسد أوقاته بالخوض فيما لا يعنيه ولا يفيده، مورداً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ.

وقال الشيخ الثبيتي: "التشكي واعتياد السخط والحم بفساد الزمان وخلق الروح السلبية في المجتمع تقتل الطموح وتثبط العزائم وتقضي على التنمية، فالمؤمن يترك البت في المتغيرات بالركون إلى خالص رأيه فكم من محنة حملت في طياتها منحة وكم من بلاء تجلى بعد ذلك عن نعمة، يدرك المؤمن العاقل البصير أن وجود المتغيرات في الحياة نعمة عظيمة تفتح أبواب التفاؤل وتشرع نوافذ الأمل وفيها فرص للنجاح والرقي والبناء".

وخلص إلى أن المسلم مأمور بصناعة التغير إلى الأفضل في نفسه وسلوكه وحياته باختيار طريق الهدى والخير ودفع التغيرات السلبية اقتداء بهدى الرسول صلى الله عليه وسلم . فقد غير عليه السلام كثيراً من شؤون حياته وحياة أصحابه القولية والفعلية .سمى حربًا سلمًا، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ).