في ذكرى ميلاد نجيب محفوظ.. أدباء ونقاد لـ"الفجر الفني": أعماله ثروة أدبية والهجوم عليه "عار" على مصر

الفجر الفني

بوابة الفجر


"أكبر هزيمة في حياتي هي حرماني من متعة القراءة بعد ضعف نظري"، كلمات منسوبة لأديبنا العظيم نجيب محفوظ، دليل على عشقه للقراءة والإطلاع، نعمة فقدها الكثير من أبناء الشعب المصري الذين هجروا الكتب ليحل محلها "الانترنت" وغيره، وربما أيضا لا يوجد أحد يعرف من هو نجيب محفوظ، أول أديب مصري حاصل على جائزة نوبل في الأدب، إنجاز قد يراه الكثير أعظم ما يمكن تحقيقه ويراه آخرون تقديرا أو فخرا لمصر، ولكن من منا يعرف ما مر على هذا الرجل حتى يصل إلى هذا الإنجاز؟!

ذخرت السينما المصرية التي حرص صناعها على انتقاء روايات لأدباء عظام وتحويلها لأعمال سينمائية، بعدد كبير من الأفلام المأخوذة عن روايات نجيب محفوظ، والتي عبرت بطرق مختلفة عن المجتمع المصري بحلوه ومره، ودخلت بيوت الفقراء والأغنياء وتجولت في الأزقة والحارات، لتجد رائحة مصر في رواياته وتبكي لبكائها وتفرح لفرحها، وبالرغم من ذلك لم تكن مجرد سرد لحال المجتمع فقط، بل كانت "ثورة" تُشعل نيرانها لتصلح من هذا المجتمع، كما ورد في مقولة أخرى لأديبنا العظيم.

قد تكون السطور السابقة كافية لتلخص القيمة الأدبية الكبيرة لـ نجيب محفوظ، وقد يظن البعض أن "محفوظ" عاش حياة ذاخرة بالإنجازات والجوائز التي رأت الدولة أنه جدير بها، وحتى بعد وفاته ظلت على عهدها بتقدير اسم له باع طويل في عالم الثقافة والأدب، ولكن "إن بعض الظن إثم" كما يقول المولى في كتابه الكريم، فغير أن معظم أدبائنا الكبار أصبحوا مجرد اسماء تتردد في الندوات والمحافل الثقافية أو توضع اسمائهم على متاحف مهجورة في ضواحي العاصمة، ولكن كان عقابا أشد للراحل نجيب محفوظ قبل وبعد وفاته.
في محاولة بائسة من شباب لم يهتم يوما بقراءة رواية واحدة لنجيب محفوظ، لكنهم انصاعوا لرغبات مشايخهم وأفكارهم المتطرفة فقرروا تنفيذ عملية اغتيال لمحفوظ وإنهاء حياته الأدبية، عام 1995م، بعد اتهامه بالكفر والخروج عن ملة الإسلام بسبب كتاباته، وخاصة رواية "أولاد حارتنا"،  وهي النظرة التي لم تختلف كثيرا عن السبب الذي دفع بعض المسؤولين لمنع نشر الرواية في مصر عام 1950م، بعد اعتراض هيئات دينية على "تطاوله على الذات الإلهية"، وظل الأمر معلقا حتى تم طباعة الرواية كاملة في بيروت عام 1967م، وأعيد نشرها عام 2006 عن طريق دار الشروق للطباعة والنشر.
ويمكن أن نقول أن رواية "أولاد حارتنا" للأديب العالمي نجيب محفوظ، والتي رفض نشرها في مصر تنفيذا لوعد قطعه للسيد كمال أبو المجد، مندوب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، كانت العلامة الفارقة في حياة أديبنا العظيم، فهي أولى الروايات التي كتبها وأثارت نوعا كبيرا من الجدل داخل مصر، وتم اغتياله بسببها من بعض الشباب المتطرفين، وشهدت الرواية نقطة تحول في حياته الأدبية حيث انتقل خلالها من الواقعية الاجتماعية إلى الواقعية الرمزية، وأخيرا كانت هذه الرواية  ضمن أربع روايات تسببت في فوز "محفوظ" بجائزة نوبل في الأدب عام 1988م.

وبعد مرور عشر سنوات على وفاة الأديب العالمي نجيب محفوظ، في 30 أغسطس عام 2006، قرر البعض اغتياله مرة أخرى، وذلك بعد الهجوم عليه من النائب البرلماني أبو المعاطي مصطفى، الذي وصف روايات "محفوظ" بأنها خادشة للحياء، مثل رواية السُكرية وقصر الشوق، مؤكدا أنه يستحق العقاب إذا تم رفع دعوى قضائية ضده، وغفل هذا النائب البرلماني ومعه النواب في اللجنة التشريعية، الذين رفضوا إلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر، ما يسمى بحرية الإبداع، والتي هي حق مشروع لجميع المصريين، وأثار الأمر جدلا واسعا بين الكثير من الأدباء والإعلاميين.

في تصريحات خاصة لـ"الفجر الفني" أكدت الناقدة ماجدة خيرالله، أن الهجوم على  أعمال الأديب الراحل نجيب محفوظ غير مبرر، لأنها يرجع تاريخها إلى عشرات السنوات، مشيرة إلى أن النائب البرلماني أبو المعاطي مصطفى شخص غير موثوق به وغير مؤهل لانتقاد أعمال "محفوظ"، مضيفة أن نواب مجلس الشعب لابد أن ينشغلوا بالمشكلات التي تواجه الشعب المصري، وليس الهجوم على قيمة أدبية وفنية نفخر بها مثل نجيب محفوظ.

بينما وصفت الناقدة ماجدة موريس، الهجوم على نجيب محفوظ، بأنه "عار" على مصر، وأضافت أنه هجوم غير صحيح بعد إثبات أن هذا النائب البرلماني لم يقرأ شيئا من أعمال أديبنا العظيم، مستنكرة عدم تفريقه بين الجمل التي كتبها "محفوظ" في رواياته والجمل الحوارية الموجودة في الأفلام، مؤكدة أن "محفوظ" يُحاسب فقط على كتاباته وليس الأفلام المأخوذة عنها.  

وأضافت "موريس" أن الهجوم على نجيب محفوظ بعد موته، يعد الاغتيال الرابع له بعد تعرضه لمحاولة اغتيال في حياته عام 1995م، من قبل بعض الشباب المتطرفين، ومرة أخرى من أعضاء مجلس النواب السابق، بعد اتهامه بإفساد الشباب، والمرة الثالثة كانت بهجوم عبدالمنعم الشحات، القائد السلفي على نجيب محفوظ، بأحد البرامج التليفزيونية، معبرة عن حزنها الشديد لعدم تقدير قيمة أدبية كبيرة مثل نجيب محفوظ في مصر، خاصة وأنه الأديب العربي الأول الحاصل على جائزة نوبل في الأدب.

ورأى السيناريست عمرو سمير عاطف، أن وصف النائب البرلماني أبو المعاطي مصطفى، أعمال الأديب الراحل نجيب محفوظ، بأنها خادشة للحياء غير مقبول لأن هذا النائب ليس له علاقة بالأدب والأعمال الفنية حتى يمكنه الحكم عليها، مؤكدا أن "محفوظ" يعتبر ثروة قومية لمصر، ولابد من تقديرها والحفاظ عليها لتصل إلى الأجيال القادمة.

فأديبنا العظيم نجيب محفوظ، الذي وُلد في 11 ديسمبر عام 1911م، في حي الجمالية في القاهرة، وبدأ مسيرته الأدبية في منتصف الثلاثينيات بنشر قصصه القصيرة في مجلة "الرسالة"، ثم بدأ خطه الروائي الواقعي في عام 1945م، أثرى الأدب العربي بعشرات الأعمال التي تستحق الانحناء لها تقديرا وإجلالا، وأبرزها الثلاثية التي تأثر فيها بمعايشته لثورة 1919م، وقُسمت على ثلاثة أجزاء هي: بين القصرين عام 1956م، قصر الشوق والسُكرية عام 1957م، ومن رواياته أيضا "اللص والكلاب" عام 1961م، "السمان والخريف" عام 1962م، "ثرثرة فوق النيل" عام 1966م، "الكرنك" عام 1974م، وآخرها هي رواية "أفراح القبة" التي تم تحويلها إلى مسلسل شارك في السباق الرمضاني هذا العام.

حاز الأديب العالمي نجيب محفوظ على عدد كبير من الجوائز خلال مشوراه، فحصل على جائزة قوت القلوب الدمرداشية عن رواية "رادوبيس" عام 1943م، جائزة وزارة المعارف عن رواية "كفاح طيبة" عام 1944م، جائزة مجمع اللغة العربية عن رواية "خان الخليلي" عام 1946م، جائزة الدولة في الأدب عن رواية "بين القصرين" عام 1957م، كما حصل على وسام الاستحقاق عام 1962م، جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1968م، وقلادة النيل العظمى عام 1988م.

وعن علاقة نجيب محفوظ بالسلطة الحاكمة في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قال الكاتب جلال أمين في مقال صحفي بإحدى الجرائد: "كان لنجيب محفوظ موقف متميز من السلطة الحاكمة يختلف اختلافا بينا عن موقف معظم الكتاب والأدباء والمشهورين من المصريين، وهو موقف ينطوي على توفيق ناجح فى رأيي، بين نظرة المصري التقليدية والمتوارثة إلى حكامه، وبين شعور الكاتب بالكبرياء واحترام النفس، أعتقد أن نجيب محفوظ كان فى هذا الموقف أيضا، يبدي درجة عالية من الحكمة، كالتي كان يبديها فى كثير من تصرفاته الأخرى".

وأضاف "أمين": "من الصعب أن تتخذ من كتاباته دليلا قاطعا على معارضته لنظام معين فى الحكم أو لشخص معين من الحكام، هكذا نجد مثلا روايته "ثرثرة فى النيل" ورواية "ميرامار" اللتين نشرتا فى حياة عبدالناصر، وقد تناولت الأولى حالة الاغتراب التى يعاني منها المثقفون، (مما أثار عليه غضب المشير عبدالحكيم عامر وتهديده له)، ووجهت الثانية نقدا شديدا للديكتاتورية، ولكنهما فى نهاية الأمر "قصتان"، لا يمكن أن تتخذا كأساس لإدانة الكاتب ومعاقبته.

وتابع "أمين": "ربما كان هذا هو السبب فى أن عبدالناصر، وان كان قد أبدى لنجيب محفوظ الدرجة الواجبة من الاحترام، فإنه لم يظهر له من المودة ما كان يظهره لتوفيق الحكيم مثلا، كان توفيق الحكيم أقل استعدادا لتعريض نفسه لغضب السلطة، ولم يكن لديه الدافع القوى للتعبير عما لا يرضى عنه فى النظام السياسى، مثلما كان لدى نجيب محفوظ. كان محفوظ بلاشك أكثر اهتماما بالقضايا الاجتماعية والقومية من الحكيم".

ويُفهم من حديث العالم الاقتصادي والكاتب جلال أمين، عن الراحل نجيب محفوظ، أن الأخير عايش المجتمع المصري من خلال كتاباته بطريقة كادت أن تعرضه للخطر أو البطش من قبل الأنظمة الحاكمة، لكنه لم يتراجع ولم يعر اهتماما سوى بأدبه الذي أراد أن يصل لجميع أبناء الشعب المصري، واختلف "محفوظ" عن أدباء جيله وكان الأكثر جراءة فيما بينهم، وفي عام 2006 توفى أديب نوبل بعد إصابته بقرحة نازفة، دخل على إثرها المستشفى لمدة 20 يوما، انتهوا بفقدان أديب عظيم أفاد بعلمه أجيال عديدة.