أسوار القاهرة الفاطمية تتحول إلى "عشش"

صور

سور القاهرة
سور القاهرة


أسس جوهر الصقلي، قائد جيوش المعز لدين الله الفاطمي بأمر منه، القاهرة الفاطمية، وبنى فيها مسجدًا جامعًا هو الأزهر الشريف، ثم صنع حولها سورًا كي يقيها هجمات المعتدين، ففي البدء كانت حصنًا، أقام فيها الخليفة الفاطمي مع حاشيتِه وجنودِه المَغاربة، بمعزِلٍ ومنأًى عن بقية أهل مصر.


وبعد دَحْره للإخشيديين دخل "الصقلِّي" مدينةَ الفسطاط مساء عام 358، ثم غادرها شمالًا إلى موقع كان يعرف بالمناخ، حيث كانت تستريح القبائل بإبلها، وهو عبارة عن سَهْل رمْلِي، يَحُدُّه مِن الشرق جبلُ المُقطَّم، ومِن الغرب أحد أفرع النيل وكان يسمي خليج أمير المؤمنين، وكان يمتَدُّ ليصل بين شمالي الفسطاط ومدينة هليوبوليس القديمة، وينتهي عند القرم (السويس) بالبحر الأحمر،  وكان هذا السهل خاليًا من البناء، إلا مِن بضعة مَبانٍ ملحَقةٍ ببساتينِ وأشجارِ الكافور، ودِيرٍ فَسِيح للنصارى اسمه دير العظام، وحصنٍ صغير يسمَّى "قصر الشوك". 


أسوار القاهرة 


بني سور القاهرة من الطوب اللبن على شكل مربَّع، طولُ كلِّ ضِلع مِن أضلاعه 1200 ياردة، وكانت مساحةُ الأرض التي ضمَّها السور المربَّعُ 340 فدانًا، منها نحو سبعين فدانًا بَنَى عليها جوهرٌ القصرَ الكبير، وخمسة وثلاثين للبستان الكافوري، ومِثلُهما للميادين، والباقي جرى توزيعه على الفرق العسكرية لتشييد حاراتها.


ولم يبق من السور القديم لجوهر الصقلي شيئاً تقريبًا، والسور الثاني والذي أنشأه أمير الجيوش بدر الجمالي مِن الحجر، بعد أن تهدَّم سور جوهر الصقلي، وجاء بناء هذا السور، بعد أن وسَّع مساحة القاهرة بمقدار 150 مترًا إلى شمال السور القديم، وحوالي ثلاثين مترًا إلى الشرق وإلى الجنوب، وأقام بدر الجمالي أسوارَه وبواباتِها خلف أسوار وأبواب جوهر الصقلي وموازيةً لها، وتم البناء من الحجر المنحوت، مصقول السطح، المثبَّت في صفوف منتظمة، وما زال هذا السور بأبوابه قائمًا حتى اليوم يشهد بعظمة العمارة الإسلامية في القاهرة الفاطمية.


ومن أشهر أبوابه باب زويلة وتم تسمية هذا الباب بهذا الاسم نسبة إلى قبائل زوية التي منها تكونت عدة فرق عسكرية شاركت في تثبيت الحكم الفاطمي. 


هذه المقدمة السابقة ضرورية كي نعرف أن تاريخ القاهرة أو التاريخ بشكل عام يتحدد من الآثار الباقية لنا من الأقدمين، والتي ببقائها ودراستها نستدل علي الكثير من خفايا الماضي.


وأسوار بدر الجمالي، والتي أنشئت عام 480 هـ تعرضت للهدم في الكثير من المواضع والواقف أمام باب زويلة سيجد إعتداء صريح علي بقايا هذه الأسوار، فنجد أن البرج المجاور لباب زويلة والذي يبعد عنه حوالي 30 متراً وموازي لمسجد الصالح طلائع قد تحول إلأي نوع من "العشش" حيث قام البعض بصنع سقف لأعلي البرج وتحويله لغرفة وقام بدهان الأحجار باللون الأخضر، ووضع "منشر" لتجفيف الملابس. 


وعشرات المنازل والحوانيت تحيط ببقايا سور بدر الجمالي والذي من المفترض أن تقوم هيئة حفظ الآثار بصيانته وترميمه. 


وأفاد سعيد حلمي رئيس قطاع الآثار الإسلامية، بأن الوزارة حالياً تقوم بأعمال ترميم وحفائر لكل أسوار القاهرة القديمة، بدءاً من الأسوار الشمالية، وأن أية إعتداءات عشوائية علي جسم السور سوف يتم إزالتها بعد تعويض أصحابها، وأضاف أن الوزارة بمعاونة وزارة الإسكان إضطرت لإزالة عشرات المنازل السكنية من حول السور المجاور لبوابة الفتوح كي تتمكن من إعادة ترميمه. 


وقال أحمد دسوقي مدير عام المتاحف الفنية الأسبق، إن هذا الاعتداء على الآثار الإسلامية، جزء صغير من كل ضخم، فالاعتداءات على الآثار الإسلامية والقبطية لا تنتهي وقد يكون أكبرها أن وزارة الأوقاف تقوم بتأجير الآثار الإسلامية والقبطية للمواطنين.


وتابع أن قانون الآثار نفسه، يُلزم المتخصصين بضرورة أخذ موافقة رئيس الوزراء لتسجيل الأثر أثرًا، ما يفتح الباب لإهمال كبير في جانب تسجيل الآثار على حد قوله.


ويبدو أنه لا شيء أمامنا سوى الانتظار والتابعة لنرى هل سيتم إعادة ترميم ما بقي من أسوار القاهرة الحربية أم أن الاعتداءات ستظل مستمرة.