"معركة بقاء الصحافة".. المهنة مهددة بالاختفاء وتوقعات بإغلاق صحف

العدد الأسبوعي

نقابة الصحفيين -
نقابة الصحفيين - أرشيفية


■ ضربتان فى رأس «الصحافة».. قانون الإعلام وتضاعف تكلفة الطباعة

■ رئيس تحرير الشروق: الصحف فى بداية طريق اللاعودة.. ورئيس تحرير إعلام أورج: الأزمة فى المحتوى


لم يتصور أحد فى أسوأ الكوابيس أن تصل الصحافة الورقية مع بداية القرن الـ21 إلى هذا المصير المظلم، توقعات بإغلاق عدد كبير من الصحف أو الاكتفاء فى أحسن الأحوال بإصدار النسخة الإلكترونية.. تشريد آلاف الصحفيين.. خفض سقف الحريات إلى ما قبل ثورة 25 يناير، ووضع مزيد من القيود على المؤسسات، بجانب إخلاء منطقة وسط البلد من مثلث الرعب الشهير نقابتى الصحفيين والمحامين ونادى القضاة، بعد افتقاده ضلعم مهما بهدم المبنى التاريخى لنقابة المحامين «قلعة الحريات».

الصحافة كانت أول من تلقى الضربات، بصدور حكم بالحبس ضد يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، واثنين من أعضاء مجلس النقابة، بعد تردى العلاقة بين النقابة والدولة، على خلفية المظاهرات الرافضة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتى بموجبها تحصل المملكة على حق السيادة على جزيرتى تيران وصنافير وهى المظاهرات التى احتضنتها النقابة التى اعتبرتها بعض الدوائر فى السلطة، شوكة فى جنب الدولة.

وبأسرع من المتخيل، أثر تحرير سعر الصرف، على اقتصاديات الصحف، بارتفاع تكلفة الطباعة بنسبة 80 % ما يؤدى بالتبعية لتضاعف سعر نسخة الجريدة لتصل لـ4 جنيهات فى أقل الأحوال، ما سيؤدى لانخفاض توزيع الصحف لأقل من النصف، ما يعنى إغلاق نحو نصف عدد الصحف الصادرة حالياً وتشريد الصحفيين العاملين فيها، وقبل ذلك سيتدهور تأثير الصحف كأداة لتشكيل الرأى العام، وكأداة لمحاسبة الحكومة باعتبارها إحدى أدوات الرقابة الشعبية المستقلة.

وبجوار نقابة الصحفيين، تحولت قلعة الحريات «نقابة المحامين» لأطلال ومقلب للقمامة بعد هدم مبناها التاريخى، واكتشاف أنه لا يمكن إقامة المبنى الجديد للنقابة، الذى أعلن عنه سامح عاشور، نقيب المحامين، وذلك بعد رفض الهيئة العامة لمترو الأنفاق إقامة المبنى حتى لا تؤثر أساساته على جسم الخط الثالث للمترو.

فى أسوأ الكوابيس، لم يكن يتخيل الصحفيون أن تصيب رأس الصحافة ضربتان، أسوأ من بعضهما البعض الأولى مشروع قانون الإعلام الموحد، والثانى ارتفاع تكلفة الطباعة الذى يهدد الصحف الورقية بالإغلاق، ويلقى بأعداد ضخمة من الصحفيين فى الشارع.

الضربة الأولى، للصحافة جاءت فى شكل مشروع قانون الإعلام الموحد، والذى تضمن مواد تمثل عدواناً على الحرية، وتقليصاً منها بالمقارنة بالقوانين السابقة المنظمة للمهنة والتى تتناول قضايا النشر، أما الضربة الثانية فتتمثل فى تضاعف تكلفة الطباعة بعد تعويم الجنيه، ما سيرفع تكلفة الصحف، الأمر الذى سيؤدى لإحجام المواطنين عن شراء الصحف الورقية، التى انخفض توزيعها أصلاً إلى النصف بعد رفع سعر النسخة للجريدة اليومية لـ2 جنيه.


1- «عيسى»: الصحف غير المنتظمة ماليًا فى طريقها للإغلاق

قال صلاح عيسى، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، إن قرار زيادة تكلفة طباعة الصحف سيؤثر بلا شك على عدد من الصحف خاصة غير المنتظمة مالياً، وقد يؤدى إلى إغلاقها، إذا لم تستطع تجاوز الأزمة والتعامل معها، لافتاً إلى أن الصحف الكبرى ستتأثر خاصة تلك التى تصل تكلفة طباعتها لنحو مليون جنيه شهرياً والتى ستصل لـ2 مليون بعد الزيادة، وهو ماسيؤثر على مسيرتها وتوزيعها بكل الأشكال.

وأضاف عيسى، لـ«الفجر»، إن مضاعفة التكلفة سيتسبب فى استغناء بعض المواطنين عن قراءة الصحف، ما سيؤثر بالسلب بشكل كبير على توزيع الجرائد، إذ إن بعض الحلول المطروحة للتعامل مع تلك الأزمة، هو رفع جزئى لسعر النسخة، وليس زيادة السعر 100% لتخفيف العبء على المواطن الذى سيشترى الجريدة، لافتاً إلى أنه يجب على إدارات تلك الصحف تقليل عدد الصفحات الملونة، واتباع سياسة الانكماش، كما يجب على الدولة تقديم دعم جزئى لأسعار الورق.

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، أن تخطى المرحلة الانتقالية مسئولية جميع العناصر وليس عنصراً واحداً، مشيراً إلى أنه من المفترض عودة الأسعار لطبيتعها بعد فترة معينة مع ثبات سعر الدولار فى الأسواق.


2- رئيس تحرير الشروق: الصحف فى بداية طريق اللاعودة

قال عماد الدين حسين، رئيس تحرير جريدة الشروق، إن الصحافة المصرية تتعرض لأصعب مرحلة فى تاريخها منذ نشأتها، بسبب الأوضاع الكارثية وزيادة تكلفة الطباعة بنسبة 80% ، متوقعا إغلاق بعض الصحف وانخفاض حجم التوزيع، و»يمكن أن نقول أن الصحف تسلك طريق اللاعودة».

وأضاف حسين لـ«الفجر»، إن الصحافة الورقية لن تختفى وستظل موجودة، لكنها تواجه أزمة صعبة أولها انخفاض سقف الحريات، وتراجع المعلنين عن نشر الإعلانات بالصحف والاتجاه إلى استخدام وسائل أخرى للإعلان فيها، منبهاً إلى أن الصحف الإلكترونية ستكون هى البديل فى المرحلة المقبلة، وأنه فى ظل انخفاض التوزيع فإن ملاك الصحف سيتجهون للاستثمار فى المواقع الإلكترونية والعمل على استغلالها لتحقيق عائد مادى وتقليل حجم الصحف الورقية، كما أن الصحف ستلجأ إلى تقليل الميزانية.

وأوضح عماد أن المؤسسات الصحفية ستلجأ إلى تقليص العمالة بها، خاصة من صغار الموظفين والصحفيين، فالصناعة فى طريقها إلى الانكماش، لافتا إلى أن عودة الاقتصاد هو الأمل الوحيد فى المرحلة المقبلة، لتعود طباعة الصحف إلى عهدها، ولكن ذلك يتوقف على حدوث طفرة اقتصادية وتدفق للسياحة ووجود استثمارات، وبالتالى عودة المعلنين إلى الصحف.


3- رئيس تحرير إعلام إورج: الصحافة الورقية لم ولن تنتهى.. والأزمة فى المحتوى الصحفى

قال محمد عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع إعلام أورج، إن الصحافة الورقية فى مصر لم ولن تنتهى، وليس معنى ارتفاع أسعار الورقة أن تكون الصحافة الإلكترونية هى البديل، لأن الفكرة ليست إيجاد البديل إنما الأزمة فى المحتوى، فالصحافة الإلكترونية قليلة التكلفة بالمقارنة مع الصحف المطبوعة، ولكنهما يعانيان من مشكلات اقتصادية بسبب عدم قدرتهما على تقديم مواد جاذبة للجمهور، لافتا إلى أن الصحف الإلكترونية الصادقة بدأت تُحصل اشتراكات من المواطنين مقابل قراءتها، وهذا أمر غير معتاد فى مصر.

وأضاف عبد الرحمن، لـ»الفجر»، أن مناقشة مستوى الصحافة فى مصر يحتاج إلى الرجوع إلى المحتوى وانخفاض سقف الحرية وانخفاض الكفاءات وسيطرة غير الأكفاء على الصناعة، ضاربا المثل باتجاه المواطنين لشراء الملابس المستوردة لعدم جودة البضاعة المحلية، لذا يلجأ البعض للحصول على المعلومات من «فيس بوك»، منوهاً إلى أنه من الممكن أن يكون حساب على «فيس بوك» لديه مصداقية عن جريدة تعمل منذ 20 عاماً.

وأوضح رئيس تحرير «إعلام أورج»، أن الأزمة هى استمرار عمل العديد من الصحف الإلكترونية والورقية دون وجود تأثير لها، مؤكداً أن الصحافة الورقية قادرة على العودة فى حالة واحدة فقط وهى تقديم مادة صحفية جديدة تجذب القارئ وتجبره على دفع 5 جنيهات لشراء الصحيفة لمعرفة المعلومات والاستمتاع بقراءة الموضوعات، كما يمكن تحصيل اشتراك ثابت للمواقع الإلكترونية للحصول على المعلومات المتميزة.

وتابع عبد الرحمن أنه لا يمكن اعتبار الصحافة الإلكترونية بديلاً للورقية، فالاعتماد على المواقع الإلكترونية سببه العناوين الجاذبة، لكنها لا تؤثر فى القارئ، لافتاً إلى أن المواقع المتخصصة مثل إعلام أورج وإتفرج وأصوات مصرية قادرة فعلياً على أن تكون الإعلام البديل إذا تمكنت من تمويل نفسها.


4- رشوان: الصحف الورقية لا تنتهى وهناك دول فقيرة لديها صحافة شعبية

قال ضياء رشوان، رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الدولة لا تعاقب الصحفيين، كما يتصور البعض بسبب الخلاف الموجود بين نقيب الصحفيين واثنين من أعضاء مجلس النقابة ووزارة الداخلية، فالدولة إذا أرادت ذلك لقامت بتغيير القانون.

وأضاف رشوان، لـ«الفجر»، إن من افتعل الأزمة فى الحقيقة هو صلاح عيسى، الأمين العام للمجلس الأعلى للصحافة، عقب خروجه من اجتماع اللجنة الوطنية للإعلام بحضور أعضائها واعتراضه على ما تم الاتفاق عليه، وهو الموافقة على القوانين الجديدة، مع المطالبة بتغيير بعض البنود، لكننا فوجئنا بمطالبته بقانون موحد للإعلام.

وتابع رشوان، أنهم طالبوا بوضع مادة فى القانون الأول تُلزم بمناقشة القانون الثانى خلال 15 يوماً بعده، بدلاً من شهر، وتم الاتفاق على تلك البنود، على أن يتم التفاوض مع رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسى، من خلال إرسال التعديلات المطلوبة، ولقاء رئيسى مجلس الوزراء، والنواب، لكن لم يتم ذلك بسبب الخلافات والاتهامات المتبادلة بين أعضاء اللجنة الوطنية للإعلام، لافتاً إلى أن حادث الكنيسة البطرسية قد يفتح المجال لاستئناف تلك المفاوضات.

وأوضح رئيس المركز، أن مجلس الدولة قسّم قانون الإعلام الموحد إلى قانونين، الأول هو تشكيل الهيئات ويضم 89 مادة، والثانى مواد تنظيم الصحافة والإعلام ويشمل 127 مادة، وذلك حسب فتوى مجلس الدولة، لافتاً إلى أن المشروع الأول دون إقرار القانون الثانى يعتبر غير موجود، لأن أساس اختيار أعضاء الهيئات الإعلامية والمواد التنظيمية فى القانون الثانى.

وأشار رشوان إلى أن الاعتراض القائم بين مجلس النواب والهيئة والوطنية للإعلام، سببه تعديل بعض مواد القانون، منوها إلى أن 95% من مواد القانون المعترض عليه هو القانون المقدم من الجماعة الصحفية، وأبرز مواد الخلاف تتمحور حول تشكيل الهيئات الإعلامية.

ولفت رشوان عن أزمة الصحف، إلى أن الصحف الورقية لا تنتهى، إذ أن هناك دولاً فقيرة لديها صحافة شعبية، «ولكننا نحتاج إلى حلول شبابية ومبتكرة بعيداً عن الحلول التقليدية، على غرار ما حدث فى الهند»، مشدداً على ضرورة وجود كيانات تشريعية جديدة وفقا لما نص عليه الدستور، وتعمل بشكل فعلى على مواجهة أزمة الصحافة ووضع حلول مختلفة فى المرحلة المقبلة لإنقاذ الصحف خاصة القومية، مشيراً إلى أنه فى حالة إغلاق المطابع «هيبقى عليه العوض فى الصحافة»، واقترح رشوان تدخل الدولة لمواجهة أزمة الصحافة، ودراسة إعفاء الورق من الجمارك أو خفض قيمتها، ووجود توزيع داخلى للصحف، وبحث مقترحات أخرى للنهوض بالمهنة فى المرحلة المقبلة.


5- قلاش: البرلمان أقل مرونة من الحكومة فى مناقشة قوانين الصحافة والإعلام

قال يحيى قلاش، نقيب الصحفيين، إنه لا يوجد ربط بين الخلاف الموجود بين النقيب وأعضاء مجلس النقابة ووزارة الداخلية ومناقشة قانون الإعلام الموحد أو أزمة طباعة الصحف، واصفا ذلك بـ»غير المنطقى»، معتبرا أن أزمة الطباعة ترجع إلى القرارات الاقتصادية الأخيرة التى أدت لارتفاع سعر الورق، ما سيؤدى إلى ارتفاع أسعار الصحف.

وأضاف قلاش لـ«الفجر»، إنه يجب وجود مرونة ونوع من التعاون بين مجلس النواب واللجنة الوطنية للصحافة والإعلام فيما يخص مناقشة قوانين الإعلام مثلما كان هناك نوع من التعاون بين الحكومة ومجلس النقابة فى هذا الصدد لأن هناك نوعاً من الانتقاء فى التعامل مع الموضوع، لأن البرلمان يوافق على إنشاء مجلسين للصحافة والإعلام، ولكنه يرفض مناقشة إلغاء الحبس وعدم مصادرة الصحف وتنظيم الصحافة الإلكترونية، «هذا القانون حق للشعب المصرى وليس للصحافة فقط «.

وأوضح نقيب الصحفيين، أن القوانين التى يتم مناقشتها داخل مجلس النواب تقلل من سقف الحرية الموجودة، خاصة أنهم يناقشون 3 مواد فقط من الدستور، وهذا يعتبر تقليلاً من سقف الحريات، لأن الدستور ينص على 7 مواد تتعلق بالصحافة.

وأشار قلاش فيما يخص أزمة الطباعة، إلى أن المطلوب من الدولة هو التدخل السريع لدعم صناعة الصحافة وعدم تركها بعد زيادة أسعار طباعة الصحف، لأنه يجب على الدولة المحافظة على الصحافة على غرار اهتمامها بتوفر المواد الغذائية والدول الأوروبية تدعم الصحافة المملوكة للدولة والخاصة، مؤكداً أن المواطن يمر بظروف اقتصادية صعبة وفى حال رفع سعر الصحف فإنه لن يقوم بشراء الصحف وهذا مؤشر خطير.