بعد تأهلها للمرحلة النهائية في برنامج "الملكة".. الفلسطينية روان الأسعد في حوار جريء لـ"الفجر الفني" (صور)

الفجر الفني

روان الاسعد
روان الاسعد


 - أعمالي ستعيد للفن الفلسطيني مكانته الطبيعية

- "كنفساتي" مبادرة لإثبات هويتنا وضمان وجودنا في البلاد

- خلقت مجتمع فني حر من كل القيود التي فرضها المجتمع على المرأة الفلسطينية

- إذا أغلق العالم كل عيونه عن غزة سنعطيهم بالفن بصيص من الضوء

- أُحضر لأكبر جدارية فنية على الجدار الفاصل لرسم فلسطين التاريخية من عكا للنقب

- المناطق المهمشة تُزيدني إصرارًا وإبداعًا، فكلما زاد الحرمان زاد الإبداع.

- ساحة منزلي هي منطقة معارك واستشهد أمامي 7 أطفال

 

 

وسط المخيم وأمام الجدار الفاصل، نشأت الفتاة الصغيرة بين المعارك، ترى وطنًا مسلوبًا كل يوم أمام عينيها التي لا تعرف الغدر، ترى جيش الاحتلال يغتصب أرضها، ساحة منزلها، أشجار الزيتون في حديقتها، تبكي وتصرخ ولكن لا أحد يسمع عويلها، فهي أمام جُند هجروا أهلها في 1948، وجعلوهم ينزحوا من أرضهم عام 1967، هي أمام أُناس لا تعرف الرحمة إلى قلوبهم طريق.

 

أمام هذه الطفلة الصغيرة استشهد 7 أطفال، خضبت دمائهم الطاهرة ساحة منزلها فأكسبتها لون قرمزي لا يستطيع أحد حذفه من ذاكرتها.

 

أمام هذه الطفلة الصغيرة أطلق جيش الاحتلال رصاصة غادرة اخترقت رأس والدتها، شعرت حينها أنها نضجت زاد عمرها ألف عام على أعوامها الصغيرة حين شعرت أنها ستفقد أغلى ما تملك، ولم تجد غير الرسم ملاذ لها من هذه الحياة المعتمة، لحظة الحرية التي تعيشها حين تمسك أناملها الريشة وتخلط بها الألوان، إنما هي تجرد من المحيط المؤلم إلى عالم ملئ بالسحر والحياة.

 

إنها روان الأسعد، صاحبة مبادرة "كنفساتي" التي تُمثل المرأة الفلسطينية القوية القادرة على إثبات نفسها أمام العالم بأكمله، التي تُحارب لإعادة الفن التشكيلي الفلسطيني إلى مكانته الطبيعية.

 

"روان" التي تنافس بقوة على لقب " ملكة المسئولية الإجتماعية" في برنامج الملكة، كان لـ"الفجر الفني" معها هذا الحوار..،،

 

حدثينا عن مبادرتك؟ وما أسباب اختيار هذا الاسم؟

المبادرة تُسمى "كنفساتي"، وكنفساتي تعني اللوحة وتأتي من كلمة Canvas"، وهو أول مشروع لضمان دخل للفنان التشكيلي وتوظيفه، كما أنه مشروع يسعى لتوثيق التراث الفلسطيني، نسعى لحفظ ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا من ناحية ثقافية واجتماعية، لذلك نريد أن نرسم سور عكا و ميناء غزة وغيرها من الأماكن التراثية لإثبات هويتنا، وضمان وجودنا في البلاد.

 

لماذا اخترتِ الفن التشكيلي بشكل خاص؟

اخترت الفن التشكيلي لأنه يدوم للأبد، فاللوحة ليس لها عمر وكلما ازدادت سنوات عمرها، ازدادت قيمتها وقوتها، فاللوحة في وقتها ليس لها ثمن، ولكن بعد مزيد من الوقت تغلو وتعلو قيمتها، كما أن الألوان التي نستخدمها تساعد على الحفاظ عليها.

 

ما الذي دعاكِ لإنشاء مثل هذه المبادرة؟

لقد ابتعدت عن الرسم لمدة سبع سنوات، نظرًا للصدمات التي تعرضت لها، في البداية إصابة أمي برصاصة من جيش الاحتلال وتم إنقاذها من قبل والدي الذي يعمل طبيب وهذه هي اللحظة التي نضجت فيها، اللحظة التي شعرت أنني سأفقد أعز ما املك وهي أمي، ومرة ثانية عندما تم بناء الجدار الفاصل، ومرة ثالثة عندما أزاح جيش الاحتلال أشجار الزيتون من ساحة منزلنا وبعدها بقليل توفيت جدتي، كل هذه الأحداث جعلتني أدخل في حالة اكتئاب شديدة فابتعدت عن الرسم وعملت في التسويق.

 

وبين يوم وليلة 14/9/2014، قررت أن أذهب لأشتري كنفاس وألوان وريشة، وبدأت أرسُم وأعرض لوحاتي على الانترنت، فلاقت تفاعلًا شديدًا من قبل الجمهور وطلب البعض مني شرائها، ولكني لم أكن على دراية بطريقة تسعير اللوحات، فقررت أنني سأسعر مجهود وليس عمل فني، ووجدت أنني مستفيدة ماديًا كما أنني أرٍسُم لوحات لمجتمعي في معدل الدخل العام، ولهذا تمت مهاجمتي من قبل الوسط الفني التشكيلي، لأنني أبيع اللوحات بسعر أقل لأن لوحات الفن التشكيلي غالية، ولكن أرى أنه لا تستطيع بيع اللوحة بسعر غالِ إلا لو توفي صاحبها أو مر عليها وقت كبير، فأنا جئت لأعيد للفن الفلسطيني مكانته الطبيعية.

 

وعندما وجدت أن هناك بطالة للفنانين التشكيلين، فنحن لدينا 7 كليات فنون جميلة في الضفة الغربية، و2 في غزة، لذا بحثت فيهم عمن يريد أن ينضم للمبادرة وبالفعل وجدت الكثيرين.

 

متى بدأت هذه الحملة؟ ولماذا قررتِ الانتشار الآن؟

بدأت المبادرة منذ سنتين وتحديدًا في يوم 14/9/2014، حيث كنت في البداية أرسم لوحات شخصية لي فقط، ولكنِ اكتشفت أن هناك بطالة مقنعة وبطالة واضحة، كما أن هناك مشكلة كبيرة بدخول المرأة الفلسطينية الوسط الفني بشكل عام والتشكيلي بشكل خاص.

 

وكيف واجهتِ هذه المشكلة؟

أنا خلقت عمليًا مجتمع فني مستقل حر من كل القيود التي وضعوها وخاصةً على المرأة الفلسطينية، و 90% من المشاركين بالمبادرة معي فنانات، في البداية تركن فنهن وإبداعهن لأن المجتمع لم يتقبلهن.

 

ولماذا لا يمارس الفلسطيني الفن بحرية؟

لأن هناك قيود وضعها المجتمع عليك كفنان، كما أنه إذا أردتِ النجاح لابد أن يكون لديكِ خبرة لا تقل عن 20 أو 30 عام، لذا أحاول اختصار الوقت والمجهود على الفنان، على الأقل ليكون له دخل ثابت، بتطوير مهاراته وبتوثيق الواقع الفلسطيني والقضية الفلسطينية، والإضافة لمجتمعه يعني يكن له دور ريادي.

 

وأين غزة من مبادرة "كنفساتي؟

غزة حاضرة وبقوة، فهناك 20 فنانة بالمبادرة من غزة، وهناك طريقة عمل داخل الحملة تعمل على راحة الفنانة حيث لا تكون مضطرة للخروج من منزلها، فقط تَرسُم، ارسمي بيتك وما حولك، دون الاختلاط بالناس حتى لا تصطدمي بالمجتمع، لأنهم لن يتفهموا ذلك مرة واحدة، فلا نستطيع أن نعطي دروس الصفوف الإعدادية للصفوف الابتدائية.

 

هل غزة مازالت منعزلة عن الثقافة؟

غزة منعزلة عن العالم بأكمله، وليست الثقافة فقط، ولكن الفن حرية، هو الشئ الوحيد الذي يستطيع الفنان التعبير عن ذاته من خلاله، فّا أغلق العالم كله عيونه عن غزة فعلى الأقل نعطيهم شباك صغير به بصيص من الضوء.

 

وما هي التحديات التي تواجه الثقافة الفلسطينية حاليًا؟

الثقافة مُهيمن عليها من قبل كبار العمر، فبدلًا من التقاعد وإعطاء فرصة ومجال للشباب، والاستثمار فيهم يحدث العكس، غير منطقي بالمرة أن يكون لديك 4000 فنان عاطل عن العمل تحت سن 30، لدينا بفلسطين هيمنة على الثقافة ولكنِ أحاربها وسأظل أحاربها، كما أن كل من توجهت لهم في الحكومة أو وزارة الثقافة ساعدوني وتحدثوا أنهم في حاجة إلى طاقات الشباب.

 

ما هي مشاريعك القادمة سواء فزتِ باللقب أم لا ؟

أُحضر الآن لأكبر جدارية فنية على الجدار الفاصل، يشارك فيها أكثر من 150 فنان فلسطيني شاب، اللوحة اسمها "انعكاس"، عمليًا سوف نَرسُم ما وراء الجدار، فلسطين التاريخية من عكا للنقب، كنوع من أنواع التحدي والنضال، وبها رسالة للأجيال القادمة التي لا تعلم حجم ملكيتها داخل هذه الأرض.

 

ماذا يُمثل لكِ كونك لاجئة وابنة مخيم؟ وكيف ساعد هذا في بناء شخصيتك كفنانة؟

أنا ابنة مخيم قلنديا، من قرية تُسمى قرص البلاد قضاء القدس، أول شارع يافا، ولقد تم تهجيرنا ب 1948، ونزحنا في عام 1967، كما أن ساحة منزلنا تُعتبر منطقة معارك بين جيش الاحتلال والشباب والأطفال المقاومة، لأن منزلنا يواجه الجدار الفاصل، ولقد استشهد أمام منزلي 7 أطفال تحت سن الـ 16 عام.

 

وجودي في محيط مخيم وكوني لاجئة، جعلني أُصر للبحث في مناطق أخرى، لأنني أعيش بمنطقة محرومة، ومادام وُجد الإبداع في، فلابد من وجوده في أماكن أخرى، وبالفعل عندما بحثت وجدت نماذج مبدعين جعلتني أبكي، كيف لوحاتهم لم تصل للعالمية، والمناطق المهمشة تُزيدني إصرارًا وإبداعًا، فكلما زاد الحرمان زاد الإبداع.

 

تتحدثين عن طريقة عمل تساعد على راحة الفنان فماهي؟

لدينا ثلاثة طرق للعمل سيتم تطبيقها في مبادرة "كنفساتي" وهم: الدوام الكامل: بمعنى أن يأتي الفنان في الصباح إلى المقر وهو المرسم سيكون منزل قديم وبه حديقة وشجر، وموسيقى لنوفر كل المؤهلات التي تساعد الفنان على الإبداع.

 

الدوام الجزئي: وهذا مخصص للطلاب الذين يودون أن يزيدوا من دخلهم، سيأتون في المساء ليرسموا لوحاتهم وليس مطلوبًا منهم أن يسوقوا لأنفسهم، لأن الفنان أسوأ من سوق لحاله.

 

المتعاقدين: خصصنا هذا الأسلوب لربات البيوت وخاصًة الذين يعيشون بمناطق محافظة مثل غزة، أو القرى بالضفة، وهؤلاء لن يخرجوا من بيوتهم ونحن سنتولى توصيل الطلبيات إليهم واستلامها.

 

ما هي طقوسك أثناء الرسم؟

في البداية أنا مرسمي بالمنزل، ومنزلي يطل على الجدار الفاصل، أرسُم بانعزال تام عن كل من حولي، فقط الموسيقى وخاصةً الصوفية، كما يشاركني هذه اللحظات قطي سُكر، فهو الوحيد المسموح له بالتواجد معي، رُغم أنه خرب العديد من لوحاتي إلا أنه يُمتعني بوجوده فهو ينظر لي ولا يتدخل فيما أفعله.

 

كما أنني أحب الروائح العطرة والشمع، ولابد أن تكون الشبابيك مفتوحة والستائر لونها مُبهج، لأن رائحة الألوان قوية للغاية، إذا ما وُجدت كل هذه الأشياء استطيع الرسم بحرية.

 

وماذا تشعرين وأنتِ ترسمين؟

أشعر وكأنني أحلق عاليًا، فأنا حلمي الأكبر الطيران، بدأت بتحقيقه ذهنيًا بالرسم فأحيانًا أترك الريشة وأرسم بأصابعي، وأكون في حالة تحرر تام؛ فالرسم بالنسبة لي هي حرية مطلقة وتجرد من المحيط المعتم إلى واقع ملئ بالنجوم.

 

تواجهين صعوبة في الدخول والخروج كونك تعيشين في منطقة خطرة؟

أعيش بمنطقة "تماس" مثلما يقولون أمامي الجدار وجيش الاحتلال ودائمًا تحدث المعارك بساحة منزلي، ولكن لن يموت أحد بعمر ناقص، لابد من أن أخرج وأعيش حياتي أدرس وأعمل فهو نوع من أنواع المقاومة، لن أترك منزلي، فنحن نصل لمرحلة أنه ماذا سيحدث؟ هل سيطلقون علي الرصاص؟ وما المشكلة لن أكون أفضل ممن استشهدوا ، بل على العكس من لا يتمنى أن يموت هذه الميتة العظيمة.