إمام الحرم المكي: المسلمون اليوم أحوجُ ما يكونون إلى الوقوف بحزمٍ أمام كل ما يهدد استقرارهم

السعودية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

 أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله في السر والعلن وفي الخلوة والجلوة؛ فهي وصية للأولين والآخرين.
 
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام اليوم: "اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى, ولم يجعل الله تعالى الدنيا مقراً دائماً لعباده، ولا دار نعيم لأوليائه؛ ولكنه أرادها بحكمته دار ابتلاء واختبار، يمحّصُ عباده فيها بالبلايا، ويختبرهم بالمحن والرزايا، وما من مؤمن بالله واليوم الآخر، إلا كان له نصيب من الابتلاء، كما أخبر بذلك رب الأرض والسماء، والابتلاء يكون على قدر العطاء".
 
وأضاف: لذا كان الأنبياء عليهم السلام، مع ما هم فيه من البلاء، أشرح الناس صدراً، وأعظمهم تفاؤلاً؛ فخليل رب العالمين إبراهيم عليه السلام، لما أُلقي في النار قال: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، وهذا كليم الله موسى عليه السلام، حُصر مع قومه، بين بحر متلاطم، وعدوٍّ غاشم، فقال أصحابه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}، {قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، ولما فقد يعقوب عليه السلام أحبّ أبنائه إليه، قال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}، وأما نبينا صلوات ربي وسلامه عليه فقد لَقِيَ من البلاء ما لقي، آذاه قومه، وطردوه من بلده، وتآمروا على قتله، فكان صلى الله عليه وسلم، أجمل الناس صبراً، وأحسنهم بالله ظناً.
 
وأردف: الكُروبُ لا تنفرج إلا بالتوحيد؛ فكان صلى الله عليه وسلم حالَ حِصارهم بالمدينة في غزوة الأحزاب، يُكثِرُ من قول (لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَعَزَّ جُنْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ؛ فَلاَ شَيْءَ بَعْدَهُ)، رواه البخاري ومسلم.
 
وتابع: إن المنافقين الذين في قلوبهم مرض، فحالهم كما هو في كل زمان ومكان، يرجفون ويخذّلون، لينشروا الخوف والضعف في صفوف المؤمنين، ويشكّكونهم في موعود الله لهم، فكان بعضهم يقول: "يَعِدُنَا مُحَمّدٌ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا لا يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى حَاجَتِهِ"؛ بل أخذ بعضهم يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم بالرجوع إلى الدور، ويقولون {إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً}.. وأما المُؤمنون الصادقون: فإنهم لا يفقِدون صِلتَهم بربِّهم، وثِقَتَهم بخالقهم، مهما أصيبوا في سبيلِ الله؛ فالصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ثبتوا فنُصروا، وأحسنوا الظن بالله وتوكلوا".
 
وقال "المعيقلي": إن حُسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة، لا يتم إيمان العبد إلا بها، وهو ما تقتضيه أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، ومَن أحسَنَ ظنه بالله، آتاه الله إياه.. وفي الحديث القدسي (يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي)، ولئن كانت الحاجة إلى حُسن الظن بالله مطلباً في كل الأحوال؛ ففي حال المصائب والشدائد تعظُم الحاجة وتتأكد.
 
وأضاف: في تاريخ أمتنا الطويل أحداثٌ جِسام، وواقِعاتٌ عِظام، كشفها الله تعالى بالتوبة إليه، والرجوع إلى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. والمؤمن قد يشتد عليه الكرب والخَطْب، وتحيط به الفتن والمِحَن، ويخيّم عليه الهم والغم؛ ولكنه مؤمّل في ربه، واثق بنصره، مستبشر بتأييده، مترقب لفرَجه وكرَمه، آخذٌ بأسباب النصر والتمكين كما أمره.
 
وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أن المسلمين اليوم أحوجُ ما يكونون إلى الوقوف بحزمٍ وعزم أمام كل ما يهدد استقرارهم، أو يعتدي على مقدساتهم، أو يسبب الفُرقة بينهم, وما أحوجهم إلى التعاضد مع قادتهم وولاة أمرهم، لتجتمع كلمتهم، ويقفوا صفاً واحداً أمام عدوهم. وصدَق الله إذ يقول: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.