"الفجر" تكشف أسرار دولة فتوات الأسفلت وبلطجية الإتاوات

تقارير وحوارات

سايس سيارات - أرشيفية
سايس سيارات - أرشيفية



فتوات ولدوا من رحم زحام شوارع القاهرة وميادينها، ينتشرون فيها ويفرضون الإتاوات على أي قائد سيارة حتى يستطيع "ركن سيارته" دون أنا يتركها ليعود ويجدها معرضة للسرقة أو لحادث.

أصحاب مهنة "سايس السيارات" الذين تحولوا إلى "غول" ينهش في جيوب المواطنين المجبرين على دفع المال لهم هروبًا من الزحام والمخالفات المرورية، والذين دائمًا ما يظهرون في الأماكن المزدحمة كـ"المصالح الحكومية، المولات، قاعات الأفراح"، يجوبون الشوارع ليلًا ونهارًا، حاملين فوطة صفراء وصافرة يوجهون بها قائدي السيارات، ليتسقروا بسياراتهم في أماكن آمنة وبعيدة عن المخالفات.

وفي جولة لـ"الفجر" بعدد من المناطق المتفرقة في محافظة القاهرة، رصدنا أوضاع سُياس السيارات ومعاناة المواطنين معهم، بالإضافة إلى رأيهم في إمكانية تقنين أوضاعهم .


- إتاوة في كل مكان

من نافذة سيارته أكد لنا محمد أحمد، أنه مجبر عل دفع "الإتاوة" في كل مكان يذهب له، بسبب بلطجة السايس، بالإضافة إلى تخوفه من المخالفات المرورية إذا وقفت السيارة في مكان غير مسموح به أو بالصف الثاني.

ولفت أحمد في حديثه لـ"الفجر"، إلى أن أي سايس يدعي على المواطنين أنه يستأجر الأرض من الحي التابعة لها ويقوم بدفع مقابل مادي لذلك، وأن ما يحصل عليه من المواطنين ليس مقابل لحماية سياراتهم فقط ولكن لسداد هذا المقابل.

 وأضاف: "تختلف التسعيرة من سايس إلى آخر حسب المنطقة، وتكون هذه المهنة مخصصة للشباب فقط من سن 14 إلى 30 عامًا".

وأكد محمد، أنه لا مانع لديه من أن  يدفع مقابل ركن سيارته إذا دخل هذا المال خزانة الدولة وأصبح له تسعيرة موحدة ، لكنه حاليًا يجبر على الدفع دون فصال، الأمر الذي يؤدي إلى نشوب خلاف قد يصل في بعض الأحيان إلى الاشتباك .

وتابع: "السايس (بلطجي) أصبح يتحكم بالشارع كأن أرصفة الدولة ملك له وحده مع العلم لا يوجد معهم شارة تعريفية أو إيصالات رسمية مختومة من الحي بالقيمة الإيجارية المتحصلة نظير الانتظار"، مشيرًا إلى أن  بعض الأماكن مثل مصر الجديدة ومدينة نصر والمقطم، تصل قيمة الانتظار بها في الساعة الواحدة إلى 5 أو 10 .
 
 
- "كاوبس" المرتزقة والبلطجية

وبمنطقة مدينة نصر قال "عباس"، صاحب سيارة، إنه يضع ميزانية يومية 30 جنيهًا لركن سيارته، بسبب انتقالاته المتعددة بحسب ظروف عمله.

وتساءل "عباس"، في حديثه لـ"الفجر"، عن دور أفراد الشرطة تجاه من وصفهم بـ"المرتزقة والبلطجية"، للحد من ظاهرة انتشارهم الغير قانونية وفرض الإتاوة على المواطنين، مشيرًا إلى أن مهنة السايس أصبحت "كابوس" لمعظم قائدي السيارات، حيث يلتقون بهم في كل مكان سواء العمل أو المنزل أو التسوق، قائلًا: "في كل مشوار بتعمله بيطلعلك واحد يتحكم في ركنتك وقادر على إنه يحرك السيارات اللي راكنة جنب بعض و يوفر لك مكان تركن طبعا كل ده و هو ضامن المقابل اللي كتير جدا بيطلبه مقدما".


ولفت إلى أن مهنة السايس لا تحتاج إلى أي شروط، فكل ما يفعلونه هو حمل "صفارة" و"فوطة" بالإضافة إلى ارتداء "كاب وشارة"، متابعًا: "أي شخص منهم بيكسب من 200 لـ 400 جنيه في اليوم ومبيدفعش منهم ضرايب".
 
 
- لقمة عيش بالحلال
وفي منطقة وسط البلد، يوضح محمد الشهير بـ"زيكا"، سايس سيارات، أنه استأجر الأرض من الحي مقابل دفع مبلغ مالي كبير للحصول عليها، بالإضافة إلى دفع مبلغ آخر لـ"كبار المنطقة"- على حد قوله.

ويضيف "زيكا"، في حديثه لـ"الفجر"، أنه يحصل على مبلغ 5 جنيهات مقابل ركن أي سيارة، مؤكدًا أن السايس ليس بلطجي إنما يقدم خدمة يحصل على مقابل مالي لها، متابعًا: "احنا بنحافظ على السيارة من الحوادث أو من السرقة والنهب.. فأي سيارة تصاب بضرر نكون ملزمين بدفع التعويضات لمالكها".
 
واستكمل: "الظروف أجبرتنا على شغلة السايس احنا بنحاول ناكل لقمة عيش بالحلال بدل ما نسرق.. وفي نفس الوقت بنحافظ على عربيات الناس، وبننظم المرور، والناس بتبخل على السايس بالدفع لحقدهم عليه".

 
وتمنى "زيكا" أن تقوم الجهات المختصة بتقنين أوضاعهم، قائلًا: "ياريت يقننوا وضعنا بدل وجع القلب والمناهدة مع الزبون، ودا هيكون في صالح المواطن والسايس".


- مهنة سيئة السُمعة
أما في أحد شوارع منطقة المهندسين، التقينا عم إسلام، صاحب الـ 58 عام، سايس سيارات، والذي أوضح في بداية حديثه أصل كلمة سايس، قائلًا إنه مصطلح كان يلقب به قديمًا العامل المكلف برعاية الخيل والحمير، وبعدها تطور وأصبح يقال للعامل المسؤول عن إحضار الطلبات، حتى أصبح يطلق على أي شخص يقول "هتركن يا باشا".


وعبر "عم إسلام" عن غضبه الشديد بعد أن أصبحت المهنة "سيئة السمعة"، لما تتسبب فيه من إزعاج للمواطنين، وإنتماء المسجلين والسوابق والعاطلين لها، لافتًا إلى أن العديد من تجار المخدرات يمتهنون المهنة لتسهيل عملية بيع المخدرات.


وأكد أن مهنة السايس لا تحتاج إلى القدرة على البلطجة والتخويف، لافتًا إلى أن معظم تباعين سيارات الأجرة والأتوبيس تحولوا إلى سياس، ومؤكدًا أن أصحاب السيارات ساهموا في انتشار السايس بشكل كبير، خاصة وأنهم يتركون سياراتهم لهم لركنها في أماكن مخالفة. 


واستبعد "عم إسلام" تقنين أوضاع السياس، موضحًا: "الحكومة مش هتدينا فرصة ناكل عيش، وهتغلي الشهرية وتقلل رسوم ركن السيارة".

 
- تقنين الأوضاع
قال اللواء محمد الشيخ، سكرتير عام محافظة القاهرة: إن أمر فرض الإتاوات أصبح واقعا، وأن الدولة فشلت في مواجهته، وبالتالي تتجه المحافظة لتقنين أوضاع "السايس"، الذي يفرض الإتاوات على ركن السيارات في شوارع العاصمة.

وأضاف الشيخ فى اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، أمس الثلاثاء: "عارفين إن فيه بلطجية تفرض إتاوات على ركن السيارات في الشوارع والموضوع أصبح أمرا واقعا، وسنتعاون معهم للاستفادة منهم"، مشيرا إلى أنه يتم التنسيق معهم حاليا لتقنين أوضاعهم، والعمل على وضع تسعيرة لهم بالتنسيق مع محافظة القاهرة.

وتابع: "هنأكلهم عيش وسنقنن وضعهم ووجودهم"، لافتا إلى أن محافظة القاهرة ستنتهي من هذا الأمر، خلال 3 أشهر؛ لمواجهة أعمال البلطجة ويكون ذلك تحت إطار القانون، مشيرًا إلى أن ساحات الانتظار الرسمية مقننة، مثل عبد المنعم رياض وجراج التحرير وأموالها تدخل الخزانة العامة للدولة.