في ذكرى بنائه.. 3 روايات تسطر حكايات الشقيانين بملحمة بناء "السد العالي"

تقارير وحوارات

جمال عبدالناصر يتفقد
جمال عبدالناصر يتفقد بناء السد العالي



احتفالات وتجهيزات مهيبة، شهدها مثل هذا اليوم من عام 1960، سيطرت على الصحف المصرية، التي سطرت عناوينها بعبارات الإنتصار والإحتفال، بعد وضع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حجر الأساس لبناء السد العالي، المشروع الذي وقفت كبرى الدول الغربية أمام مصر لعدم تنفيذه، إلا أن مصر تحت قيادة الزعيم الراحل عبد الناصر، والعمال المصريين، لم يستسلموا للغرب، واستطاعوا بناء أعظم المشروعات الهندسية في العالم.

مشروع السد العالي واحداً من أعظم المشروعات الهندسية في العالم، فمنذ إشارة البدء التي أعلنها الزعيم الراحل "عبد الناصر" في الـ9 من يناير 1960، وبدأت مسيرة بشر صنعوا التجربة بأيديهم ليصنعوا التاريخ الحقيقى بعد هذا الإنجاز الذي ارتوع من عرقهم وامتزج بدمائهم ودموعهم وتلون بآلامهم وأفراحهم، ووراء هذا المشروع العظيم قصص إنسانية كثيرة نرصد أبرزها خلال السطور التالية.

حكاية العامل الذي اخترق المسمار دماغه
الأسطى "سنوسي عباس"، ذلك الأسطورة الذي تحدث عنه الكاتب الروائي "يوسف الفاخوري" فى كتابه "التاريخ الإنسانى للسد العالي"، مؤكدًا أنه صاحب أصعب قصة إنسانية شاهدها في قصص عمال بناة السد.

وروى في قصته: "أذكر في سنة ٦٧ كانوا بيعملوا كتلة أسمنت خليط يصبوه علشان يتحط على الأنفاق، الأسمنت ده بينزل على خوص، فيه فني المفروض معاه مسدس فيه مسمار، بيطلق المسمار يخش فى الخوص ويمسك عشان يبقى زي جانش، وهو بيضرب الطلقة مدخلتش فى الخوص ويبدو أن الطلقة جاءت بعيد فصدت تانى وضربته فى دماغه، زمايله جابوه واتعملت له أشعة واكتشفنا أن المسمار فى دماغ الراجل متماسك مع المخ، نقل المريض للقاهرة بالطيارة مع دكتور مرافق، الجراح وقتها طلب ألفين جنيه فقالوا له خد شيك على بياض، الدكتور كان متردد لما إدوله الشيك اللى على بياض، واستدعى زميلا له من لندن، وتم إجراء العملية للعامل خلال ٣ أيام، ليعيش العامل بعد هذه المأساة".


عامل الحجارة الذي مشي على قدمه من "الأقصر" لـ"أسوان" 
ومن بين القصص الإنسانية لعمال السد، قصة عامل الحجارة "عربى أبو عبدالله"، العامل الذي تنقل عبر ترحيله، مشيا على الأقدام من الأقصر إلى العريش ومنها إلى أسوان رحلته الأخيرة، حيث عمل فى السد العالي كعامل حجار، كان عمله يبدأ بعد التفجير، حيث يتم ربطه من وسطه بالحبال وعليه معالجة الأحجار التى شرخت ولم تسقط، وذلك بواسطة سن العتلة فى الشرخ، والضغط إلى أن يسقط الحجر أسفل الجب.

هذه المهنة كانت من أشق المهن، فمن يسقط من ارتفاع خمسين مترا مصيره محتوم، وقد سقط العديد من العمال.
 ويقول عبدالله فى أول حوار سابق له: "هما فى الأول لما ابتدوا فى السد كانوا عايزين يعملوه بالكرابيج ورأيتها بعيني فى المخازن بس الريس عبدالناصر الله يفتح عليه قال لا متضربوش الناس، كتروا الورادى وكتروا الفلوس والناس حتشتغل".

قصة "حراجي القط" أشهر عامل في بناء السد 
ومن أشهر القصص الإنسانية التي تحضر بالنا عند الحديث عن عمال "السد العالي"، قصة الأسطى "حراجي القط" أشهر بناة السد العالي، والذي قام الشاعر الراحل "عبد الرحمن الابنودي" بسرد خطاباته لزوجته "فاطمة" في رسائل سُجلت في تاريخ ذاكرة المصريين، لتسطر معها جزء من حياة العيد من عمال السد في ذلك الوقت.

"جوابات الأسطى حراجى القط" جسدت شخصية العامل المصرى البسيط الذى ترك قريته وذهب للمشاركة في حفر السد العالى وكانت هذه هي المرة الأولى التى يترك فيها بلدته الصغيرة "جبلاية الفار ويترك زوجته "فاطمة" وأولاده ، حيث عبر الأبنودى فى تلك الجوابات عن مشاعر العمال المصريين، في وقت لم يكن فيه من وسيلة اتصال سوى الخطابات البسيطة التى تصل بعد عدة أيام، وكانت تلك الجوابات محملة بمشاعر الفقد والوحشة.

وعبر "حراجي القط" فى الجواب الأول عن خجله من التأخير فى الكتابة لزوجته منذ أن سافر إلى أسوان للعمل فى السد العالى قائلا:"سامحيني يا فاطنه في طول الغيبة عليكى، وأنا خجلان .. خجلان ..، وأقولك يا زوجتنا انا خجلان منكم من هنا للصبح، شهرين دلوقت من يوم ما عنيكِ يا فاطنة بلت شباك القطر ، لوسعتى بدمعك ضهر يَدى".

وترد فاطمة قائلة: "زوجى حراجى فوصلنا خطابك شمينا فيه ريحة الأحباب ربنا ما يورى لحد غياب
ليه تتأخر كده يا حراجى؟ طب والنبى كأن ورقتك دى أول قنديل يتهز فى جوف الدار، أول ندعة ضو".

وتوالت الرسائل بين حراجي القط وزوجته، التي حملت في طياتها مشاعر الفقد التي يعانيها الزوج والزوجة والأبناء بسبب بعد الوالد عن المنزل لانشغاله ببناء السد، ويمثل حراجي شريحة كبيرة من العمال الذين تركوا عائلاتهم للمشاركة في هذا المشروع العظيم.