شيماء أحمد تكتب: عزيزي محمد عساف.. الخلود في انتظارك

مقالات الرأي

بوابة الفجر


"أن تكون فلسطينيًا يعني أن تُصاب بأمل لا شفاء منه".. جملة لن يعي معناها إلا من عانى حياة اللجوء، من عاش حياته تحت ذل الاحتلال وقمعه، من قُدرت لأحلامهم ألا تلمس الأرض وكأنهم وُلدوا للأحلام والتحقيق فناء.

 

أن تكون فلسطينيًا يعني أن تعيش حياةً مليئًة بالصعاب، وتعتبرها حياتك اليومية، أن تُقطع عليك الكهرباء، أن يُدمر منزلك، أن تعيش تحت وطأة الحصار من كل الجهات (أن أن أن...الخ)، لن أطيل في حياة الفلسطينيين التي بات يعرفها الجميع، وبت أذكرها في كل كتاباتي حتى غدت في ذهني كعُش الحمام الذي يُهدهد كلما مر عليه صاحبه فلا يهدأ ولا تهدأ مخيلتي.

 

"أن تكون فلسطينيًا" حاجز استطاع الفنان الشاب محمد عساف، كسره بإصراره وعزيمته، باحتضان عائلته لموهبته، بإيمان أصدقائه فيه وفي حنجرته، بدعم بلدته الذي خرج من رحمها ليحارب من أجل مستقبله ومستقبلهم، ليعطي بصيص ضوء لمن ورائه أنه مازال أمل هناك طالما لحياتنا أنفاس.

 

"عساف" الذي أبهر العالم بصوته، وغدا واحدًا من أهم المطربين بالوطن العربي، الذي أصبح رمزًا للكوفية الفلسطينية بعد غنائه لها، وأصبحت أسطورته "علي الكوفية" مثل النشيد الوطني يتغنى بها الجميع في كل وقت وحين، لقد أصبح مثلما أراد أن يكون ومثلما أراد له الكل أن يكون، خير ممثل لوطنه وخير من يدافع باسم الفن عن القضية ومثالًا يحتذي به الشباب ليدفعهم لتحقيق أحلامهم.

 

ولكن! هل يحلم أحدنا بالخلود؟ الإجابة "نعم"، من منا لم يحلُم بحياة الخلود والأبدية، أن يبقى عالقًا في أذهان الناس ولا تكن ذكراه طي النسيان في ذاكرتهم البالية.

 

كيف لبلد عظيم مثل فلسطين يحمل المئات بل الآلاف من الأصوات الذهبية التي يقشعر لها البدن فور سماعها، ألا يكون هناك محتضن لتلك المواهب؟ ألا يكون هناك من يحارب بهم وسط هذا الزخم الموسيقي الذي نعيشه في هذه الأيام؟

 

أعلم أن هناك الكثيرين سيقولون "ولماذا تختصينهم هم؟ فكل المواهب العربية تحتاج لمن يحتضنها ويدعمها"، ولكن أعزائي كل البلاد العربية لديها شركات إنتاج موسيقية تستطيع دعم مواهبها إذا ما أرادت ذلك وإيصال صوتهم للعالم.

 

ولكن ماذا عن بلد لا يوجد به إلا شركات إنتاج محلية فقط، ماذا تفعل حينها؟ أحدثُك عن فلسطين الأبية المحتلة، بكل ما تعانيه من وطأ الاحتلال والحصار، ورُغم هذا مازال هناك أصوات تحلم بالغناء ،فمن ضحك له الحظ واستطاع أن يخرج من هذا الحصار ويعلو نجمه كان، ومن لم يستطع ولم تتاح له الفرصة بقي هناك.

 

هل تسكت أصواتهم لأنه لا يوجد من يسمعهم؟ أم يأخذ أحدهم خُطوة ليكون أبد الدهر خالدًا في أذهان كل الفلسطينيين، أن يقوم أحدهم بتأسيس أول شركة إنتاج فلسطينية عربية عالمية لدعم كل الأصوات الفلسطينيين وإتاحة الفرصة لهم ليسمع صوتهم الجميع.

ومن غير محمد عساف خير من يقم بهذه الخطوة، فهو سفير اللاجئين في العالم أجمع، وغدا مثلًا أعلى لكل الشباب الفلسطينيين في تحقيق أحلامهم.

 

لماذا لا تقم بمثل هذه الخطوة، أعلم أنك تدعم كل المواهب وتقف بجوارهم، ولكن لماذا تحارب وحدك؟ كون كتيبتك وحاربوا معًا، تخيل معي جولات غنائية في كل أنحاء العالم يقوم بها فريق من ألمع الأصوات الذهبية الفلسطينية وعلى رأسهم محمد عساف، ألبومات غنائية تحمل بين موسيقاها عبق التاريخ والفلكلور الفلسطيني الأصيل الذي لا يستطيع أحد غناؤه، ولا تستطيع تذوقه إلا ممن خرج من هذه الأرض المقدسة.

 

حلق معهم في سماء الفن، لتعلن عن كتيبة منيعة تحارب من أجل القضية باسم الفن، اكسر الحاجز المنيع الذي بنته أسوار الاحتلال، أخرج بهم من الحارة الضيقة التي حاصرهم فيها الجميع لتختنق أنفاسهم ويموت أملهم.

 

لديك يا "عساف" العديد من الحناجر الذهبية، من ظهر منهم في برامج المواهب وعرفهم الجميع ومن لم يظهر، كن أنت المبادر بهذه الخطوة التي اعلم جيدًا أنها ليست سهلة ولا يتم تنفيذها بين يوم وليلة، وتحتاج وقت كبير من التفكير والدراسة والأموال، ولكن من خير منك ليكون داعمًا لأبناء وطنه، من لا يحلم لنفسه فقط بل لكل من حوله، من يحمل الخير ويوزعه على الجميع، من يحتضن كل من لا ملجأ لهم في تحقيق أحلامهم، من يكون سفيرًا لكل هؤلاء الشباب ويكون بالفعل خير سفير.

 

رسالتي إليك عزيزي محمد عساف، أقدم على هذه الخطوة آجلًا أم عاجلًا، ولكن أبقها في مخيلتك دائمًا، فالأبدية في انتظارك فأظفر بها تكن أغنى الناس.