كريم وزيري يكتب: من ذاكرة الثورة.. صفعة المخابرات للموساد في يناير

مقالات الرأي

كريم وزيري
كريم وزيري


ثورة أم مؤامرة أم مزيج بين الأثنتين، سؤال معقد يتبادر في ذهن الكثيرين كلما حلت ذكري ثورة الـ25 من يناير ، ربما يصنفها رجال المعلومات بمؤامرة وفقاً لما يتوافر لديهم من معلومات ومعارك خاضوها في الظل ، وقد تكون ثورة في ذهن أخرين أمنوا بمبادئ عادلة ووطن مشرق تطلعوا إلية ، ولكن العرف يقول حتي يتسني للثاني مجرد الحلم بتلك المبادئ السامية ، لابد للأول أن يفوز في تلك المعارك التي قد تمنع تلك المبادئ أن تكون حقيقة علي أرض الواقع .. فهل هذا ما تحقق في يناير 2011 ؟.

 
قرأنا في الجرائد المصرية بعد عدة أشهر قليلة من قيام الثورة في 2011 ، القبض علي جاسوس إسرائيلي يدعي " إيلان جرابيل " ، واتهمته سلطات الأمن بالتجسس وجمع المعلومات عن المجتمع المصري ، ومحاولة إثارة الفوضي في تلك الفترة لصالح دولة اجنبية ، ربما يبدو الأمر طبيعياً من الناحية الاستخبارتية أن ترسل دولة مجاورة أحد جواسيسها لدولة اخري لتحري ما يحدث هناك علي أرض الواقع ، حتي تكون المعلومات دقيقة وحاسمة لتغيير الأوراق ، ولكن هل كانت زيارة ذلك الجاسوس الأسرائيلي هي الأولي في ؟.

 
دخل " إيلان " إلي مصر في أوائل شهر فبراير عام 2011 بجواز سفر هولندي ، ومعه اثنان من عملاء الاستخبارات الذين لم يتم الكشف عنهم إلي الأن ، أحدهم حمل جوازاً من نفس الجنسية والاخر كان يحمل جوازاً أمريكياً ، وانفصلا عن الجاسوس الأسرائيلي في ذلك الوقت ، ثم غادر إيلان للخارج في منتصف فبراير ، وكان الهدف من تلك الزيارة ، التأكيد لمكتب الموساد الأسرائيلي أن ما يحدث في مصر انتفاضة حقيقية ، وأن حالة التأهب والاستعداد القتالي للقوات المسلحة في سيناء بعد تأزم الوضع هو اجراء احتارزي فقط .

 
تعطش الموساد لمزيد من المعلومات وظن أن مصر ستكون أرضاً خصباً ، لتملائها بجواسيسها خاصةً في تلك الفترة ، التي ظنوا فيها أن الأجهزة الأمنية مرتخية بسبب الأوضاع الأمنية ، وبالفعل عاد الجاسوس الاسرائيلي مرة أخري لمصر في 5 يونيو ، لجمع المزيد من المعلومات واختراق بعض منظمات المجتمع المدني والتيارات السياسية من بينهم التيارات الاشتراكية والجماعات الاسلامية والتي كانت الكفة ترجح قوتهم في نظر الموساد .

 
حجز الجاسوس سريراً في فندق ثلاث نجوم في ميدان أحمد عرابي ، ليكون قريباً من منطقة الأحداث ويكون أكثر اتصالاً بشباب الثورة والنشطاء ، لا يجمل معه سوي جواز سفرة ولاب توب لأرسال المعلومات المشفرة إلي جهاز الاستخبارات الاسرائيلي ، الغريب في الامر أن غرفة الجاسوس كانت مختلطة ، فتلك الفترة كانت مليئة بالعديد من المصورين والمراسلين الأجانب الذين أتوا لمصر لتغطية الأحداث ، وبالتالي كانت الفنادق المطلة علي منطقة التحرير أسعارها باهظة في ذلك الوقت لكثرة الوافدين ، فاستلزم الأمر أن يكون مرافقن لأربعة أخرين في غرفة واحدة  .
 

منذ اليوم الأول الذي حضر فيه الجاسوس إلي مصر قام جهاز المخابرات برصده ، ورصد الرسائل المشفرة التي كانت ترسل إلي تل أبيب ، إلي جانب اللقاءات التي كان يجريها مع شباب الثورة والمقاهي التي اعتاد الذهاب اليها ، والمعلومات التي كان يحاول أن يجمعها ، فالرحلة الثانية للجاسوس كانت تستهدف تشكيل شبكة من العملاء المصريين ، في تلك الفترة تكون مهمتهم جمع المعلومات علي أوسع نظاق وتصوير المركبات والأسلحة الخاصة بالقوات المسلحة أثناء تأمينها للميادين .
 

تولي رجال الظل مراقبة الجاسوس بمنتهي الدقة ، في كل تحركاته صوت وصورة ، في كل مظاهرة شارك فيها ، بل عمل أحد ضباط المخابرات في الفندق نادلاً ليتولي مراقبة غرفة الجاسوس حتي في فترات نومه ، وبعد استكمال الاجراءات القانونية والأدلية الكافية لإدانة الجاسوس ، وضعت خطة للقبض علية ، ومصادرة الحاسب الشخص الخاص به ، والرسائل التي قام بإرسالها والصور التي التقطها ، وبعد ان تنكرت اسرائيل لضباطها الجاسوس ، عقدت المخابرات صفقة لتسليم الجاسوس لاسرائيل مقابل الافراج عن 1500 أسير فلسطيني ، فكانت صفعة لجهاز الموساد الاسرائيلي في ذلك الوقت ، أيقنت خلالها مدي قوة ويقظة جهاز المخابرات المصرية في احلك الظروف التي مر بها الوطن .