أقدم ثورات التاريخ .. الأسم "بيبي" و الفعل "مبارك"

منوعات

بوابة الفجر


الفكرة المغلوطة عن طبيعة المصريين 
يظن الكثيرون أن المصريين شعب مستكين قانع بحياته لا يقاوم الظلم ولا يثور، وهذا فهم خاطئ لطبيعة المصريين. حتى المؤرخون المفترض فيهم الحيادية والتجرد قد خانهم التعبير ربما بقصد أو بدون قصد فأساءوا للمصريين. قال المقريزي أن المصريون إذا ساسهم غيرهم أذلاء ويغلب عليهم الجبن. وقال الجبرتي عن الفلاح المصري أنه مع المحتسب أذل من العبد المشتري. حتى علماء الاجتماع المحدثين أيضا قد أدانوا الشخصية المصرية ووصفوها بالخنوع. فجمال حمدان صاحب كتاب "شخصية مصر" قد جاء في كتابه ما يكاد يصل إلى حد الإدانة للشعب المصري حيث يقول أن ثورات المصريين لن تزد عن كونها مجرد هبّات وهوجات وتمردات عاجزة وفاشلة. 

الثورة الفرعونية الأولى
في عام 2281 ق.م، قبل 4294 عاماً من الآن، خرج أجدادنا المصريون القدماء إلى ميادين مصر فى ثورة شعبية عارمة أتت علي الأخضر واليابس، وسميت ثورة "الرعاع أو الجياع" ، منددين بحكم الملك الضعيف "بيبي الثاني" آخر ملوك الأسرة السادسة، وهم يرفعون شعاراتهم " تسقط المحاكم، تسقط المعابد، الأرض لمن يزرعها، الحرفة لمن يحترفها والكل سواء" أضرب الناس عن دفع الضرائب واعتدوا على قبور الملوك ونهبوها. انتشر قُطّاع الطرق في كل مكان وسادت حالة من الانفلات الأمني , فما أشبه البوم بالبارحة، 

متى أندلعت الثورة الفرعونية
اندلعت هذه الثورة في آخر عصر بناة الأهرام أو ما يطلق عليه نهاية الدولة القديمة، تعد ثورة "الجياع" في عهد بيبي الثان أول ثورة اجتماعية يخرج فيها المصريون على حاكمهم الذي يعتبرونه حلقة الوصل بينهم وبين الإله. كانت فترة حكم نفر كا رع بيبي الثاني أطول فترات الحكم في مصر القديمة فقد حكم البلاد حوالي أربعة وتسعين عاماً وتوفى عن مائة عام، وكانت أمه "انخسينمينري رع الثانية" وصية عليه في البداية حيث تولى الحكم بعد موت أبيه وعمره لا يتجاوز الست سنوات. وكان حال مصر في بدايات عهده مُزدهر، وفي أواخره شهد العالم أول ثورة في التاريخ. كانت أشهر أعماله في مرحلة الشباب إرسال حملات إلى الجنوب كذلك بعض الرحلات التجارية إلى بيبلوس في الشمال، وكان يرسل البعثات الحربية فى مختلف الأقطار وكان النصر حليفه في مختلف الحروب. وكان لطول مدة حكمه أثره في ضعف الأسرة، وفي النهاية بسبب كبر سنه أصبح غير قادر على كسب طاعة أمراء الأقاليم الأقوياء الذين زادت سلطتهم وتمردوا عليه، ولم يدينوا له بالولاء،

الأحداث المتشابهه بين الثورتين 
 وظهر عدم الاستقرار وعدم الأمن فسادت الفوضى في كل مكان، وأهملت القوانين وانهار الصرح الاجتماعي، وطرد الموظفين من وظائفهم وزاد السلب والنهب. ولضعف الملك وكبر سنه وذهوله عما يجري وتسليمه بأكاذيب المنافقين من حوله، استقل حكام الأقاليم بأقاليمهم واستبدوا بالأهالي، فرضوا المكوس الجائرة، ونهبوا الأقوات، واهملوا اي اصلاح للري والارض، وانضم إليهم الكهنة حرصا على أوقافهم، يبيحون لهم بفتاواهم الكاذبة كل منكر، غير مبالين بأنّات الفقراء وما يعانون من قهر وذل وجوع، وكلما قصدهم مظلوم طالبوه بالطاعة والصبر ووعدوه بحسن الجزاء في العالم الاخر، وبلغ الياس غايته، فلا حاكم يعدل، ولا قانون يسود، ولا رحمة تهبط. وتزامنت عوامل الطبيعة لتزيد من تفاقم الوضع المتردي ليس في مصر وحدها ولكن على مستوي الشرق الأوسط كله محدثة مجاعة وفقر شديد وهذا ما أكدّه المسح الجيولوجي للعصر الهولوسيني الحديث حيث تمّ تأكيد حدوث ظاهرة انخفاض في منسوب النيل في مصر وكذلك جفاف في عدّة مناطق أخرى على مستوى الشرق الأوسط منها بلاد العراق والجزيرة العربية وشمال أفريقيا ككل. ونتيجة لكل هذه العوامل انطلق الشباب الثائر بين الناس يدعونهم للعصيان ومحاربة الظلم بالقوة، وسرعان ما استجابت الجماهير الغفيرة الى النداء، فحطموا حاجز الخوف والتقاليد البالية، ووجهوا ضرباتهم القاتلة الى الطغاة والظالمين، وسرت النار المقدسة الى جميع البلاد وانطلقت قذائف الغضب الاحمر على الحكام والموظفين ورجال الدين والمقابر. قام المصريون بعمل إضراب عام شمل البلاد وشل حركتها تماماً، وقاموا ببعض الأعمال التي من شأنها إجبار الملك على سماع مطالبهم كالوقوف على أبواب المعابد والهتاف بصوت عال وانطلق الكثير من المظلومين يدعون الناس إلى العصيان ومحاربة الظلم،  فـاشتعلت نار الثورة في كافة أنحاء مصر.

نتيجة متشابهة
 فانقلبت الأوضاع في المُجتمع رأساً على عقب وانهارت الدواوين والمحاكم ونُهبت سجلاتها وانتشرت عصابات السرقة والقتل، وأفلست الخزانة العامة، ولم يعد أحد يخشى رجال الأمن ولا النبلاء ولا الكهنة ولا الأسر المالكة، ونهب الفقراء الأغنياء واللصوص صاروا أغنياء وأصبح السادة عبيداً وتخلى الناس عن خدمة الطقوس الجنائزية وعجز الناس عن دفن جثث ذويهم فألقوا بها في النيل حتى أصبحت التماسيح ضخمة بسبب التهامها لهذه الجثث، وأصبح السادة السابقون عبيداً لعبيدهم السابقين. وتخلى القوم عن خدمة الطقوس الجنائزية الفرعونية القديمة. وظلت فالطقوس والفراعنة والأهرام والهياكل وكل ما عرفته المملكة القديمة من الأجهزة الفرعونية ثقيلة العبء، شوهت سمعته، وعاشت مصر بلا حُكام لمدة ست سنوات. والجدير بالذكر أن أحداث هذه الثورة قد جاءت في مدونة كتبها مؤرخ اسمه (ايبوير) في بردية بعنوان (صرخة نبي)، وكذلك حسب ما ورد في حجر جنوب سقّارة وهرم بيبي الثاني ونصوص الأهرام التي وجدت في أهرامات عائلة الملك بيبي الثاني في جنوب سقّارة.