"شالها وكرتونتها هما بيتها ودنيتها".. "ستيتة" 90 عامًا من الحرمان.. ورسالتها للسيسي: "عايزة سرير"

تقارير وحوارات

الحاجة ستيتة - بائعة
الحاجة ستيتة - بائعة البقدونس



تختفي خلف شال على رأسها يخبيء جسد نحيل أرهقته الدنيا، وتحمل بين تجاعيد وجهها أعوام من الشقى، وتجلس في ثنايا سوق بهتيم في منطقة شبرا الخيمة لتبيع "البقدونس" محتمية في ظلال "كرتونة" من لسعات البرد القارس، لتخلع قلوب كل من يراها.



"ستيتة بنداري العبد" في العقد التاسع من عمرها، لعب القدر في حرمانها من نور عينيها، ولكنها ذو نفس عزيزة تعكف أن تطلب شيئاً من أحد، وتحب عملها الذي بدأته قبل أربعين عاماً، فتذهب إلى السوق متكئة على ابنتها لتبيع "البقدونس" للمارة الذين يعتادون الشراء منها منذ زمن بعيد، وتمر عليها ابنتها ثانية لتعود بها إلى المنزل.

تعيش "ستيتة" في غرفة صغيرة داخل منزل بحارة ضيقة تستأجرها بمبلغ سبعون جنيه شهريًا، وتحوى هذه الغرفة سريرًا نحاسيًا قديمًا يبدو عليه عبق التاريخ فيعد من علامات الستينات، تضع عليه مصحفاً لتنام بجواره، بالإضافة إلى أريكة تجلس عليها وثلاجة قديمة وراديو لتستمع إلى إذاعة القرآن الكريم، وبخلاف الحجرة يوجد حمام مشترك ليخدم حوالي 3 غرف من جيرانها.  



تروى السيدة "ستيتة" التي استقبلتنا جالسة على أريكة بسيطة، أنها يرجع أصلها إلى محافظة طنطا وتزوجت هناك وهي في العشرين من عمرها وأنجبت لطيفة ومسعد، ولكن زوجها أحضرها إلى منطقة شبرا الخيمة وفور ولادة مسعد قام بتطليقها، لتجلس بمفردها وترعى أبنائها فيكبرا أمام عينيها ويذهب طليقها ليتزوج من أخرى وينجب منها ثلاثة أبناء ويفارق الحياة قبل سنوات.

وتكمل أن عينيها لم يكونان بهما مشكلة فكانت ترى جيداً ولكنهما أتعباها بعد أن سافر ابنها "مسعد" فأجرت عملية في مستشفى روض الفرج لتفشل العملية وتفقد نور عينها.



تسرد "ستيتة" أن ابنها "مسعد" سافر وهو في العشرينات من عمره إلى العراق وقبع بها حوالي 25 عاماً إلى أن توفي عن عمر ناهز 49 عاماً قبل 5 سنوات.

وأثناء حديثها أشارت "ستيتة" إلى صورة ابنها لتتذكر وتروي أنها ذهبت لكل السفارات للبحث عنه لمحاولة معرفة أخباره لقلة سؤاله والذي يرجع لطبيعة المكان الذي كان جالس فيه والذي لا يهدأ من الحروب والصراع، ولكنها تؤكد أنه هاتفها قبل موته.



أما "لطيفة" فتجلس بجوار والدتها "ستيتة" وتذهب إليها يومياً ولا تتركها إلا وقت نومها، حيث أنها اعتادت فور قيامها بصلاة العشاء تذهب إلى النوم بمساعدة ابنتها وتضع لها الماء بجوارها ولا تتحرك إلا أن تأتي لها في اليوم التالي.

لا تمتلك "ستيتة" سوى معاش عبارة عن ثلاثمائة جنيه مطالبة أن تغطي من خلاله مأكلها ومشربها وأدويتها.



تحكى "ستيتة" كل الأحداث التي مرت بها بذهن حاضر ووجه يرتاح إليه كل من يراه، لتقول بين حديثها إنها تعكف أسبوعيا على صيام يومي الإثنين والخميس متبعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما تصوم الثلاث شهور (رجب، شعبان، رمضان).

وتتابع أنها في حال مقابلة الرئيس عبد الفتاح السيسي ستقول له أنه يفعل الكثير من أجل الناس ولكن العيب فيمن يأكلون في بعضهما البعض، فالمقتدر يأخذ من قوت الفقير ويضيق عليه، مشيرةإلى أنها لم ترفع سعر بيع "البقدونس" على زبائنها ومن يريد شيء يقولها فتوافق على ما يطلبه.

وفي نهاية حديثها لم تطلب الحاجة "ستيتة" من متاع الدنيا شيء سوى سرير يريحها، وعمرة إلى بيت الله، فتقول متمنية: "أروح أزور الرسول وأموت هناك مش عايزة حاجة تاني".