ننشر نص مذكرة الطعن في دعوى إلزام الدولة بحماية نهر النيل من أضرار سد النهضة

حوادث

مجلس الدولة - أرشيفية
مجلس الدولة - أرشيفية


حصلت "الفجر" علي نص المذكرة المقدمة من المحامي علي ايوب في الدعوي المقامة أمام محكمة القضاء الإداري والمطالبة الزام الدولة اتخاذ الاجراءات الازمة بحماية مصر ونهر النيل من أضرار سد النهضة.

وجاء نص المذكرة كالأتي:

مجلس الدولة 
محكمة القضاء الإدارى 
الدائرة الأولى حقوق وحريات 
مذكرة بدفاع 
السيد / على أيوب المحامى 
ضد 
1 ـ السيد / رئيس الجمهورية بصفته وأخرين 
فى الدعوى رقم 54223 لسنة 67 ق 
جلسة يوم الثلاثاء الموافق 7 / 2 / 2017 
الوقائع 
نحيل بشأنها إلى ما ورد بصحيفة الدعوى وتقرير المفوضين الذى أعد بشأنها وباقى مستندات الدعوى 
الطلبات 
ألتمس إضافة طلب جديد وهو : 
إلغاء الإتفاق حول إعلان مبادئ بين جمهورية مصر العربية وجمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديموقراطية وجمهورية السودان حول سد النهضة الإثيوبي لمخالفته للدستور المصرى 
" وقع هذا الاتفاق حول إعلان المبادئ في الخرطوم، السودان في23 من شهر مارس ٢٠١٥ بين جمهورية مصر العربية و جمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية وجمهورية السودان
عن جمهورية مصر العربية
عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية
عن جمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية
هيلاماريام ديسالين، رئيس الوزراء
عن جمهورية السودان
عمر حسن البشير، رئيس الجمهورية "
مع حفظ حق المدعى فى سابق طلباته بأصل صحيفة الدعوى 

الدفاع 

ما إن وقعت مصر والسودان وإثيوبيا «اتفاقية اعلان المبادئ حول سد النهضة الأثيوبي»، إلا و ثارت بعض الانتقادات للاتفاقية ، والتي تعكس حساً وطنياً جارفاً ، وقلقا غير جديد منذ إبرام الاتفاقية الإطارية للتعاون « عنتيبي» في مايو 2010، والتي رفضتها مصر والسودان
تعد اتفاقية اعلان المبادئ حول سد النهضة الاثيوبي التي وقعتها مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم في 23 مارس 2015، بمثابة إطار عام للتعاون والتنمية ، بين الدول الثلاث الموقعة علي هذه الاتفاقية ، و هذا ما عبرت عنه المادتان الأولي والثانية من الاتفاقية المشار اليها ، فضلا عن العديد من المسائل الفنية الأخري التي سيعاد تفصيلها وتفسيرها في اتفاقات لاحقة ، كما تنبئ بذلك
« طبيعة» و «ماهية» الاتفاقية ذاتها ، فضلاً عن الافصاح عن ذلك في متن الاتفاقية ذاتها 
ومن الواضح الجلي أن الإتفاقيات الإطارية بموجب أحكام القانون الدولى تمثل العتبة الأولي threshold المرجع الاساسى ، الذي يهتدي بنصوصه وأحكامه ذات الدول التي ستبرم لاحقا الاتقاقيات أو البروتوكلات الفنية وغير الفنية.

ولابد أن نجتهد ونقارن المركز القانوني للاتفاقية الأطارية بالنسبة للأتفاقيات المبرمة لاحقا لذات الغرضين الرئيسيين المشار اليهما سالفاً ، كموقع وحكم القاعدة الدستورية بالنسبة للقاعدة التشريعية ، فالمبادئ العامة الواردة في اتفاقية " الخرطوم 23 مارس 2015 " تعد بمثابة الهدي والتبيان والمسار، لذا فليس من المتصور أن يحيف النص اللاحق بالنص السابق، كما يستحيل أن تنسخ المعاهدات والاتفاقيات المكتوية ، الأعراف الدولية الراسخة.

من نافلة القول أن نذكر أن المسائل الفنية تحديداً ، لا تزال تمثل الشواغل والقلق لدى الحكومة المصرية ً «دولة المصب» لنهر النيل ، التي أولاها العرف الدولي في مجال الانتفاع والاستعمال للأنهار الدولية ، عناية خاصة، ووضعاً قانونياً معيناً ومن بين هذه الشواغل عملية الملء الأول للسد والتخزين السنوى لمياه الفيضان.

مدي إلزامية " اتفاقية سد النهضة "

في اليومين الأخيرين قبل توقيع الاتفاقية ، ثارت في مصر بعض الانتقادات لنصوص الاتفاقية ، بزعم أن صياغتها لم ترق الي الالزام المانع الجامع ، وأن لغة الخطاب الموجهة الي أثيوبيا تحديداً ، لا تحوز القوة القانونية المبتغاة وفقاً للمصالح القومية المصرية ، ووصل الانتقاد بالبعض ، الي اتهام المسئولين المصريين بالتنازل عن حقوق وحصص مصر المائية في نهر النيل ، لتجاهل الاتفاقية هذه المسائل الأخيرة ، وأضحت كلمة "احترام " التي وردت في المادة الخامسة ، المعول الرئيسي لهدم أي بناء قانوني كشفت عنه الاتفاقية ، وأصبح القانون الدولي في هذه اللحظة التاريخية ساحة للافتاء، ومنصة للاتهام والادعاء.

يدرك القانونيون في مختلف المدارس الفقهية مبدأ قانونياً راسخاً ينظم جميع العلاقات التعاهدية بين أطراف هذه العلاقة ، بل والدساتير والنصوص التشريعية أيضاً ، و هي إنه حين يثور نزاع قانونى حول تفسير المعاهدات والاتفاقيات الدولية ، فان العبرة ليست بالألفاظ وشكلها ونظمها ، ولكن العبرة بمقاصد الدول الأطراف للاتفاقية أثناء التفاوض، وذلك إعمالاً للقاعدة الفقهية الراسخة " ليست العبرة بالألفاظ والمبانى، ولكن العبرة بالمقاصد والمعانى".

غني عن البيان أيضا، وفي ذات السياق أن هناك في كافة النصوص الدستورية والتشريعية والدولية - كما في الوثيقة محل البحث - النصوص التي تعرف بالنصوص الحاكمية ، وهي النصوص التي تفترض في أعمالها تفاوت المستوي التشريعي ، ولكنها تعمل في نفس المستوي التشريعي الواحد ، إذن تدخل ضمن التوظيف القاعدي للعلاقة بين نصوص الوثيقة القانونية الواحدة ، وذات القوة والمستوي الواحد ، والتي صدرت بالطبع عن مصدر واحد ، وهو الدول ذات السيادة التي أبرمت اتفاقية اعلان المبادئ حول سد النهضة ، وحين تثور مسألة الحاكمية ، أي ما هو النص الحاكم الذي يسود ويهيمن ، علي ما عاداه من نصوص تخالفه ، وفقا لتأويلات الدول المتعارضة المصالح ، حين التنازع بينها ، حول تأويل وكنه هذا النص المخالف للنص الحاكمي ، في هذه الحالة يفسر ويؤول أي نص أخر في الوثيقة بما لا يخالف هذا النص الحاكم ، بل إن التعارض الصريح معه يرجح حكمه ، وينسخ أي يلغي أي نص آخر بما لا يخالف هذا النص الحاكم ، وهنا لا يجوز تفسير عبارة «إحترام» الواردة في متن الإتفاقية ، بما يخالف تفسير عبارة : "ألزمت الدول الثلاث أنفسها بالمبادئ التالية ".

حسن النية في تنفيذ المعاهدات الدولية

ان عبارة «حسن النية»، والتي وردت في نص المادة الأولي من الاتفاقية ، ليست عبارة أخلاقية أو أدبية ، بل إنها ترتبط بأحد مبادئ القانون الدولى والذى يلزم الدول أعضاء منظمة الأمم المتحدة بأن تنفذ تعهداتها والتزاماتها الدولية «بحسن النية» حيث تنص المادة الثانية من ميثاق منظمة الأمم المتحدة على :
«تعمل الهيئة وأعضاؤها فى سعيها وراء المقاصد المذكورة فى المادة الأولى وفقاً للمبادئ لكى يكفل اعضاء الهيئة لانفسهم جميعاً الحقوق والمزايا المترتبة على صفة العضوية يقومون فى " حسن نية " بالالتزامات التى أخذوها على أنفسهم بهذا الميثاق ، فوفقاً لمبادىء القانون الدولى العام تختلف الأعراف والمبادى والقواعد الدولية فى القانون الدولى عن قواعد وأعراف المجاملات الدولية أو الأخلاق الدولية ، وبتطبيق هذا المبدأ على حالة سد النهضة ، فإن الالتزامات الواردة فى اتفاق الخرطوم المبرم فى 23 مارس 2015، تلتزم إثيوبيا بتبادل المعلومات والبيانات حول السد وإنشائه وآثاره مع مصر والسودان ، و يكون تنفيذ هذا بمقتضى «حسن النية»، فلا يكفى تنفيذ الالتزام بل تنفيذه بحسن نية ، أى بالشكل والطريقة اللتين لا تضران بالدول الأخرى الأطراف فى هذه الاتفاقية.

ان الفارق بين قواعد القانون الدولى ، وقواعد المجاملات الدولية ، أن الأخيرة غير ملزمة للدول ، صحيح أن الدول تحبذ ممارستها ولكنها إن لم تمارسها فلا يستدعى ذلك أى مسئولية دولية بحق هذه الدول التى امتنعت عن ممارسة قواعد المجاملات الدولية ، فالدولة التى تتخلف عن تقديم واجب التعزية أو التهنئة أو التضامن الأخلاقى الإنسانى لدول أخرى تحل بها الكوارث أو النوائب أو المصائب لا تكون هذه الدولة التى «استنكفت» عن هذه الممارسات محلاً للمسئولية الدولية ، أما بالنسبة لتعاون الدول أيضاً على أساس مبادئ القانون الدولى وهى العبارة القانونية التى تضمنها المبدأ الأول فتعد أحد أهم الضمانات القانونية الدولية الحاكمة ، والتى تعد حجة قانونية لمصر تجاه أى طرف فى اتفاقية الخرطوم ، وهنا ليس المقصود مبادئ القانون الدولى العام بشكل عام ولكن أيضاً مبادئ القانون الدولى المتعلقة بالانتفاع بالمجارى الدولية فى غير أغراض الملاحة النهرية والتى قننتها اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجارى المائية فى أغراض الملاحة عام 1997.

دور العرف الدولي في تفسير اتفاقية الخرطوم 23 مارس 2015

يعد العرف الدولي إلى جانب المعاهدات الدولية ، المصدر الأصلي للقانون الدولي ، بيد أن العرف الدولي مقارنة بالمعاهادت الدولية يعتبر أقدم مصادر القانون الدولي ، بل وأرجح هذه المصادر في حالات كثيرة ، وتأكيدا لذلك فان الأحكام القضائية التي تصدر عن محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة ، لا تلزم الا الدول أطراف النزاع ، الا أن ذات الأحكام تلزم سائر الدول اعضاء منظمة الأمم المتحدة اذا كانت هذه الأحكام قد تأسست علي العرف الدولي ، وهناك طائفة من اتفاقيات القانون الدولي الانساني التي يمتد أثرها الي الدول غير الأطراف في هذه الاتفاقيات - استثناء من الأثر النسبي للمعاهدات الدولية - اذا كانت أيضاً هذه الأتفاقيات إرتكزت علي العرف الدولي
فالعرف الدولي يشكل حجر الاساس لنشأة القانون الدولي ، ويتفق العرف الدولي مع المعاهدات الدولية في أنه ينشأ عن ارادة الدول والمتمثلة في السلوكيات التي تصدر عنها طوعاً ، وينظر البعض الي أن العرف الدولي يفوق المعاهدات من حيث الأهمية ، حيث أن المعاهدات لا تأتي بقواعد قانونية جديدة ، وإنما دونت قواعد قانونية موجودة ومستقرة في الأصل.

وأن جزءا كبيرا من قواعد القانون الدولي وجدت أساسها الالزامي في العرف الدولي ، مثل القواعد التي تحدد الاستعمال و الانتفاع بمياه الانهار الدولية في غير أغراض الملاحة الدولية ، والحقوق التاريخية المكتسبة ، وعدم الاضرار والحيطة ، وعدم التعسف في استخدام الحق ، والاخطار المسبق ، و كل هذه القواعد متضمنة في ثنايا المادة الأولي من الاتفاقية التي تذكر مبادئ القانون الدولي صراحة ، لذا لا يمكن المحاجاة باي تأويل مخالف للأعراف العالمية المستقرة في شأن الانتفاع و الاستعمال للأنهار الدولية المشار اليه .

وفق ما سبق، فان تكرار ابرام أنواع معينة من الاتفاقيات بين مجموعة دول حوض النيل ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، وحتي ابرام اتفاقية الخرطوم الاطارية في 23 مارس 2015، يشكل دليلا علي تعارف الدول علي الالتزام بمجموعة معينة من القواعد القانونية ، فتكون بالتالي مصدرا لنشوء قواعد قانونية عرفية ، بعبارة أخري تعتبر الاتفاقيات الخاصة بتنظيم مسألة معينة - الانتفاع بنهر النيل في غير أغراض الملاحة – بمثابة جزء من السلوكيات التي تقوم بها الدول والتي تساهم في انشاء العرف الدولي
يقينا، فان قيام دولة واحدة - أثيوبيا فرضاً - ، أو حتي مجموعة دول ، مثل الدول الموقعة علي الاتفاقية الإطارية (اتفاق عنتيبي) لدول حوض النيل ، بابرام اتفاقيات تعاهدية خلافا لما تقضي به قاعدة عرفية معينة لا ينهض دليلا علي نشوء قاعدة عرفية جديدة مخالفة للقاعدة العالمية ، فعلي النقيض من ذلك فان مخالفة الدولة أو مجموعة الدول للأعراف العالمية السائدة لدي الدول المشاطئة لأنهار دولية أخري ، يدعم القاعدة العرفية الراسخة، ولا يبطلها أو ينسخها , أو يشكك في جدارتها والزاميتها
ان الفقه المتقدم المعني بتفسير مفهوم العرف الدولي ، عكسته أحكام محكمة العدل الدولية في العديد من الأحكام القضائية ، والتي نذكر منها علي سبيل المثال لا الحصر, الحكم القضائي للمحكمة الموقرة في 27 يونيو 1986 ، في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية ، نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية . وبالنسبة للرفض الأثيوبي المطرد للقواعد العرفية الراسخة والمتعلقة بالانتفاع والاستعمال لنهر النيل ، وخاصة اللصيقة بالحقوق المصرية التي ما فتئت مصر تتشبث بأهدابها، واعلنها رئيسها وممثلها الأول بلغة القانون الدولي، في كل المحافل الوطنية والدولية، فينبغي التنويه أنه اذا كان يمكن لدولة أن تستثني نفسها من الخضوع لقاعدة عرفية اذا قامت بالتعبير صراحة و بشكل ثابت ومستمر عن رفضه نشأة تلك القاعدة العرفية ، الا أن ذلك الرفض مرهون بأن يصدر ذلك الرفض أثناء نشوء القاعدة العرفية ـ أي قبل استقرارها ـ وبشرط اعلام الدول الأخري به، ففكرة «الاعتراض المضطرد» لن يكون لها ذلك الأثر اذا تعلق السلوك بانشاء قاعدة عرفية عامة قد تكتسب قوة القاعدة الآمرة.
بعبارة أخري فإن الاعتراض اللاحق علي نشوء القاعدة العرفية، لا يكون له أى أثر بالنسبة الي الدولة التي أذعنت لتلك القاعدة و قبلت بانشائها، أو علي الأقل لم تبد اعتراضها علي قيامها ، ولا يمكن للدولة أن تحتج باعتراضها اللاحق كأساس لاستثنائها من الخضوع لها ، ولمحدودية العرض ، فاننا نحيل الي الحقائق القانونية التاريخية ، والتي تدحض المواقف الرسمية المغايرة لأثيوبيا ، والتي تتمثل في صكوك دولية متواترة أبرمتها أثيوبيا منذ عام 1902 وحتي 23 مارس عام 2015، أهمها الاتفاقية الحدودية مع السودان عام 1972، والتي تتعهد أثيوبيا بموجبها بعدم اقامة أية مشروعات علي نهر النيل الأزرق من شأنها احداث أي تغيير من اي وجه في تدفق النيل الأزرق الي أثيوبيا، والاتفاقية الأخيرة تتساوي في تراتيبيتها القانونية – ان وجدت - بمعاهدات السلام بين الدول 
ولحسم الأمر حسما مطلقا، فان القاعدة القانونية العرفية التي تتمتع بصفة القاعدة الأمرة ، مثل القواعد المنظمة للانتفاع بالأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة ، لا يمكن أن تكون محلا لأي تغيير ما لم تكن هناك ممارسة عالمية تدعم ذلك التغيير، والمقصود بالممارسة العالمية هنا، تغير الممارسات الدولية ، لأكثرية الدول المشاطئة لأنهار دولية ، في باقي دول العالم
الاتفاقية المشار اليها ليست اتفاقية معنية بتوزيع الحصص المائية للدول الأطراف فى هذه الاتفاقية الإطارية ، حيث عمدت الدولتان مصر والسودان وبمناسبة انشاء السد العالي في مصر الي ابرام اتفاقية الخرطوم عام 1959 لتنظيم الانتفاع المشترك بمياه نهر النيل الواصلة للدولتين من دول المنبع فى حوض النيل ، وأقرت الاتفاقية بالحقوق التاريخية المكتسبة للدولتين دون إجحاف وفي ذات الوقت دون الإضرار بحقوق باقي دول حوض النيل ، فالاتفاقية لا تمس بحال من الأحوال مصالح هذه الدول وحقوقها ، ولا تخل باستخدام دول المنابع بالحصص التي تستخدمها تاريخياً 
جلي أن دول حوض النيل ، عدا أثيوبيا لم تتحفظ - في حينه - علي أحكام اتفاقية 1959 هذه ، وهو ما يعني الاقرار الضمني بجميع أحكامها ، ولا محاجاة أيضا بأن الدول الأستعمارية التي كانت نائبة عن هذه الدول المستعمرة جاملت مصر الدولة المستقلة علي حساب هذه الدول ، والحق أن بريطانيا العظمي منذ عام 1929 وهو العام الذي شهد توقيع اتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا - تنزانيا - وأوغندا، لم تهمل العرف الدولي السائد منذ قرون خلت، والذي ينظر بعناية واجبة لدولة المصب ، في كافة الأنهار الدولية ، حيث أنها الدولة الأضعف مقارنة بسائر دول الحوض ، بالنظر لموقعها الجغرافي الصعب
وبالرجوع للتحفظ الأثيوبي علي اتفاقية عام 1959، مثلها مثل سائر الاتفاقيات الأخرى التى أبرمت فى الحقبة الاستعمارية من نهاية القرن التاسع عشر وأيضاً فى القرن العشرين ، فنشير الي أن الأساس القانوني لهذه الاتفاقيات هو العرف الدولى، أى الممارسات الدولية التى درجت الدول على اتباعها ، فالمعروف «عرفاً» كالمشروط «شرطاً» و«الأصل بقاء ما كان على ما كان» و«القديم يترك على قدمه»، ولقد عكست الممارسات الايجابية لكافة دول الحوض هذه الاعراف ، ليقينها بإلزاميتها ، و عكست أيضا ممارساتها الايجابية في صكوك قانوينة دولية مختلفة و متواترة 
أن إثيوبيا، ومعظم دول حوض النيل بعد استقلالها فى بداية الستينات من القرن الماضى، قد رفضت الإقرار بالاتفاقية الثنائية المصرية السودانية عام 1959، بيد أنها لم تترجم مرة واحدة هذا الرفض إلى واقع مادى ملموس، فجميع دول حوض النيل بما فيها الدول الأطراف فى اتفاقية الخرطوم 23 مارس ، تظل على التزامها باحترام العرف الدولى القائم بشأن استخدام مياه الأنهار الدولية بصفة عامة والأعراف الإقليمية المتعلقة بنهر النيل بصفة خاصة ، بالإضافة إلى ما هو قائم ونافذ بالفعل من اتفاقات دولية ثنائية ، أو متعددة الأطراف فى هذا الخصوص
الاتفاقيات المبرمة بعد الاستقلال مطابقة لاتفاقيات ما قبل الاستقلال
هناك الكثير من الاتفاقيات التى تم توقيعها أثناء الحقبة الاستعمارية ، منها البرتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا 1891، والمعاهدات المعقودة بين بريطانيا وإثيوبيا، وبينها وبين إيطاليا وإثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصرى البريطانى وإثيوبيا وإريتريا والموقعة فى أديس أبابا 15 مايو 1902، والاتفاق المبرم بين حكومة بريطانيا وحكومة الكونغو والموقع فى لندن 9 مايو 1906، والمذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى ديسمبر 1925 واتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان وكينيا وتنجانيقا - تنزانيا وأوغندا فى عام 1929، واتفاقية لندن بين بريطانيا «نيابة عن عن تنجانيقا - تنزانيا حالياً» وبلجيكا «نيابة عن رواند وبوروندى" فى 23 نوفمبر 1934 ثم المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا «نيابة عن أوغندا» فى الفترة ما بين يوليو 1952 ويناير 1953، ثم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان ، ثم ما وقع من اتفاقيات بعد نيل دول الحوض استقلالها ، مثل الخطابات المتبادلة بين مصر واوغندا فى مايو 1991، ثم اتفاق القاهرة للتعاون بين مصر وإثيوبيا 1993.
وفيما يتعلق بالاتفاقيات المختلفة السابق الإشارة إليها والخاصة بتنظيم استغلال مياه النيل ، لابد أن نعلم أن بعض هذه المعاهدات تناولت الوضع الإقليمى والجغرافى للدول المتعاقدة ، أى إنها تمثل قيداً أو التزاماً على عاتق الدول وعلى إقليمها، ولا يؤدى انتقال السيادة على الإقليم من الدول الاستعمارية إلى الدول الأفريقية المستقلة «الخلف» إلى التحلل من هذه القيود والالتزامات. ، و هذا ما أكدته المادتان الحادية عشرة والثانية عشرة من اتفاقية فينا بشأن التوارث الدولى فى مجال المعاهدات
وهناك العديد من الاتفاقيات المشار إليها نصت على عدم قيام دول المنبع بأى إنشاءات للرى تؤثر تأثيراً محسوساً على كمية المياه المتدفقة إلى مصر دولة المصب أو تعطيل سريان هذه المياه ، كما أن هناك عدداً من الاتفاقات اعترفت بالحقوق المائية التاريخية والمكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض ، والتعهد بعدم تعديل كمية المياه التى تحملها إلى نهر النيل بشكل ملموس ، وهناك تحديداً اتفاقية 1929 المشار إليها سلفاً ، والتى لم تجامل مصر على حساب دول حوض النيل الأخرى لكنها أقرت الأعراف أى الممارسات الدولية فى مجال الانتفاع بالأنهار الدولية ، وقد حذرت الاتفاقية من إقامة أى مشروع من أى نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التى تغذيها كلها إلا بموافقة مصر، لا سيما إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر على كمية المياه التى تحصل عليها مصر
وهذا الاتفاق يعد علامة بارزة فى تاريخ نهر النيل حيث أظهر اعتراف الأطراف المعنية بمبدأ الحقوق المكتسبة كما حظى فيه مبدأ التوزيع المنصف والعادل أيضاً بالاعتراف ، فكما أن اتفاقية الخرطوم الموقعة في 23 مارس 2015 تعد خطوة ابتدائية مهمة ، في مجال التعاون والتنمية بين الدول الأطراف للأتفاقيات اللاحقة ، وعلي اساس من حسن النوايا والتفاهم المشترك والمنفعة المشتركة والمكاسب للجميع ومبادئ القانون الدولي ، فان هذه الدراسة أيضا خطوة أولية نحو مزيد من التأصيل القانوني لكافة الحقوق والواجبات الدولية التي يفضي اليها بناء سد النهضة الأثيوبي 
وكانت إثيوبيا قد أعلنت في بادئ الأمر عن بناء سد ارتفاعه 90 متراً، وسعته التخزينية 14.5 مليار متر مكعب من المياه بهدف توليد الكهرباء ، ثم غيرت الخطط وأعلنت عن مواصفات جديدة للسد ، بارتفاع 145 متراً ، يحتجز خلفه 74 مليار متر مكعب من المياه ، في الوقت الذي تطالب فيه القاهرة بتخفيض هذه السعة ، مع إطالة مدة ملء خزان السد لتتراوح بين 7 إلى 10 سنوات، في حين تتمسك أديس أبابا بملئه خلال 3 سنوات فقط ، مما سيضر بشكل مباشر بحصة مصر المائية من النيل والمقدرة بـ55 مليار متر مكعب من المياه سنوياً
هذا فضلاً عن قيام أثيوبيا بمخالفة نص البند رقم 5 من افتفاقية بشأن الملء والتشغيل دون أى تحرك من الجانب المصرى . 
إن التوقيع على الاتفاقية مخالف للدستور الذي ينص على التزام الحكومة بحماية نهر النيل وموارد الشعب المصري، وكذلك لديباجة الدستور التي تنص على أن "مصر هبة النيل " 
أن الاتفاقية التي وقعت في العاصمة السودانية الخرطوم في مارس من العام قبل الماضي ، تخالف 10 اتفاقيات دولية سابقة بشأن مياه النيل تحدد نسب استفادة دول المنبع والمصب من النيل الأزرق ، وهي الاتفاقيات التي استندت إليها إثيوبيا في انتقاد إنشاء مصر للسد العالي في الستينيات .
أن التوقيع على هذه الاتفاقية بمثابة التسليم بإنشاء سد النهضة وتأثيره السلبي البالغ على حصة مصر من المياه ، مما سيجعلها من الدول الفقيرة مائياً ، وذلك دون توفير أي بدائل ، على الرغم من أن هناك أحكاماً سابقة من محاكم دولية تعضد موقف مصر .
يلتمس الطاعن أن يحمي القضاء الاداري حقوق مصر المائية التي أهدرها رئيس الجمهورية بصفته في اتفاقية سد النهضة موضوع الطعن . 
حيث أن أخطر ما في الوثيقة هو عدم إقرار إثيوبيا بحصة مصر من مياه النيل ، والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا وفقا لاتفاقية عام 1959 
فرئيس الجمهورية بتوقيعه على هذه الاتفاقية يكون قد خرق الدستور المصري الذي يوجب المحافظة على مياه النيل
إن أديس أبابا انتزعت اعتراف القاهرة بحقها في بناء سد النهضة ، دون أن تحصل الأخيرة على أي ضمانات للحفاظ على حقوقها المائية، فضلاً عن أن مصر لم تحصل على ضمانات من إثيوبيا حول عدم تأثير السد على توليد الكهرباء في السد العالي
أن أعمال السيادة المستبعدة من رقابة السلطة القضائية تقتصر على المجالات التى تتسع فيها إرادة السلطة التنفيذية (الجهات الحكومية) فى التقدير الموضوعى للاختيار
نضرب لأعمال السيادة أمثلة كإختيار الوزراء أو إعلان حالة الطوارئ، لكن هذه القرارات ليست مستبعدة من الرقابة القضائية بذاتها، ولكنها مستبعدة لاتساع سلطة الحكومة فى تقدير ملاءماتها، وإذا خالفت الحكومة الدستور أو القانون فى هذه القرارات تكون تصرفاتها تحت الرقابة القضائية
أن مخالفة الدستور هو المدخل الذى ولجت منه محكمتا القضاء الإدارى والإدارية العليا للرقابة على الاتفاقية التى وقعها رئيس الوزراء فى أبريل الماضى والذى حصل فيها الطاعن على حكم نهائى وبات غير قابل للطعن عليه ، فلا مجال فى هذه الحالة للسلطة التقديرية التى لا تراجعها المحاكم ، بل إن الأمر كله متعلق بحدود الولاية المسندة للسلطة التنفيذية ، فلا ولاية لأى سلطة فى التنازل عن جزء من أرض مصر وكذلك الحال فى التفريط فى حصة مصر من مياه النيل 
ومن حيث أنه عن الدفع المبدى بعدم إختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى لتعلقها بعمل من أعمال السيادة ، فإن هذا الدفع مردود بأنه ليس كل عمل يتعلق بعلاقة مصر مع غيرها من الدول يدخل ضمن أعمال السيادة التى يمتنع على القضاء رقابة مشروعياتها ، وإنما يقتصر ذلك على الأعمال ذات الطابع السياسى المجرد التى تخضع للتقدير والملاءمة من الحاكم عند التصرف كسلطة حكم لا كسلطة إدارة ، ومن ذلك إقامة العلاقات الدبلوماسية وقطعها وتقليل التمثيل الدبلوماسى وإعلان الحرب وإبرام الإتفاقيات الدولية التى لا تخالف أحكام الدستور ولا سيما وأن العمل يتعلق بحقوق المواطنين المقررة فى الدستور ، فإن الدولة المصرية تلتزم بالدفاع عن حقوق مواطنيها فى مواجهة الدول الأخرى بإتباع الوسائل الدبلوماسية والقانونية المقررة فى القانون الدولى ، فإن حق السيادة للدولة على إقليمها ومواطنيها يحملها عبء الدفاع عن المواطنين بكل الطرق بما فيها الوسائل الدبلوماسية والوسائل المقررة فى القانون الدولى لإقتضاء الحقوق ، لاسيما حين لا يتيسر للمواطنين حق مقاضاة الدول الأجنبية مباشرة بإعتبار أن حق التقاضى الدولى مازال بحسب الأصل مقصوراً على أشخاص القانون الدولى ، وحين لا يكون من سبيل أمام الأفراد لحماية حقوقهم فى مواجهة الدول الأجنبية إلا عن طريق تدخل الدولة ممثلة فى وزارة الخارجية ، فإن سلوك جهة الإدارة فى شأن حماية حقوق المواطنين فى مواجهة الدول الأخرى لا يعد من أعمال السيادة وتختص محكمة القضاء الإدارى برقابة مشروعيته ، ويكون الدفع المشار إليه غير قائم على أساس أو سند ويتعين الحكم برفضه . 
ومن حيث إنه عن الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى لإنتفاء القرار الإدارى فنرد عليه بأن الحكومة تلتزم من تلقاء نفسها ودون حاجة إلى طلب من المواطنين ـ وفقاً لأحكام الدستور بحماية حياة المصريين من أى مخاطر تهددها ومنها ضياع حصة مصر من مياه النيل والإنتقاص منها من جراء بناء سد النهضة الأثيوبى ويكون الدفع المشار إليه غير سديد 
ومن حيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة ومصلحة فمردود عليه بأن محل الدعوى الماثلة يتعلق بحماية حقوق الإنسان المصرى والتى يكون لكل مواطن صفة ومصلحة فى الدفاع عنها ومن ثم فإن هذا الدفع غير صحيح ويتعين رفضه من قبل المحكمة لأن الطاعن مصرى وله صفة ومصلحة وحق مشروع فى الدفاع عن حصة مصر فى مياه النيل .
وقد تضمنت ديباجة الدستور المصرى الصادر فى 2014 
هذا دستورنا
مصر هبة النيل للمصريين ، وهبة المصريين للإنسانية
مصر العربية بعبقرية موقعها وتاريخها قلب العالم كله، فهى ملتقى حضاراته وثقافاته ، ومفترق طرق
مواصلاته البحرية واتصالاته ، وهى رأس أفريقيا المطل على المتوسط ، ومصب أعظم أنهارها: النيل
هذه مصر، وطن خالد للمصريين ، ورسالة سلام ومحبة لكل الشعوب
فى مطلع التاريخ ، لاح فجر الضمير الإنسانى وتجلى فى قلوب أجدادنا العظام فأتحدت إرادتهم الخيرة،
وأسسوا أول دولة مركزية ، ضبطت ونظمت حياة المصريين على ضفاف النيل، وأبدعوا أروع آيات الحضارة،
وتطلعت قلوبهم إلى السماء قبل أن تعرف الأرض الأديان السماوية الثلاثة 
ومن حيث إن الدستور المصرى تضمن المواد التالية :
المادة 4
السيادة للشعب وحده، يمارسها ويحميها، وهو مصدر السلطات، ويصون وحدته الوطنية التي تقوم علي
مبادىء المساواة والعدل وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين، وذلك على الوجه المبين فى الدستور
المادة 32
موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، تلتزم الدولة بالحفاظ عليها، وحُسن استغلالها، وعدم استنزافها، ومراعاة
حقوق الأجيال القادمة فيها 
المادة 44
تلتزم الدولة بحماية نهر النيل، والحفاظ على حقوق مصر التاريخية المتعلقة به، وترشيد الاستفادة منه
وتعظيمها، وعدم إهدار مياهه أوتلويثها. كما تلتزم الدولة بحماية مياهها الجوفية، واتخاذ الوسائل الكفيلة
بتحقيق الأمن المائى ودعم البحث العلمى فى هذا المجال.
وحق كل مواطن فى التمتع بنهر النيل مكفول ، ويحظر التعدى على حرمه أوالإضرار بالبيئة النهرية، وتكفل
الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون
المادة 45
تلتزم الدولة بحماية بحارها وشواطئها وبحيراتها وممراتها المائية ومحمياتها الطبيعية.
ويحظر التعدى عليها، أوتلويثها، أواستخدامها فيما يتنافى مع طبيعتها، وحق كل مواطن فى التمتع بها
مكفول، كما تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر، والحفاظ على الثروه النباتية
والحيوانية والسمكية، وحماية المعرض منها للإنقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان، وذلك كله على النحو
الذى ينظمه القانون
الطلبات 
إن الطاعن بصفته وشخصه يصمم على الطلبات التى جاءت بصدر هذه المذكرة , كما يصمم على ما جاء بعريضة الدعوى وكافة دفاعه ودفوعه السابقة .