المستشار الدبلوماسي سامح المشد يكتب: مذبحة "خوجالي" والعدالة التائهة

ركن القراء

المستشار سامح المشد
المستشار سامح المشد - أرشيفية


إن العالم لم يخلق عبثا او هباءا، قوانين فوق تقديرات البشر وعقولهم بها أقيم هذا الملكوت الأعظم، تلك النواميس التي وضعت بإحكام منقطع النظير، والعالم هذا يسير دون أدنى جدل مسيرا لا خيار له إمتثل لدورانه في مداره في هذا النظام، فحدود خلق الانسان من رأسه حتى أخمص قدميه لا مجال للشك هو سيدها، وهي ملك وليس لأحد حق أن يجور على ذرة من ذرات تكوينية لإنسان أخر، حتى أصبح هذا من طبائع البشر تتسق و سويتها، أصبح للأبدان حرمة لم تدعها الرسالات السماوية وغير السماوية، ليس هذا فحسب فمقت هذا الإعتداء أو حتى التطرق في  مغارات الفكر لهذا الفعل ودروب النفس وتهيئتها لإستساغة الإرتكاب له والإنتهاك لحرمة الاخر يعد جريمة، إلا أن تلك الجريمة تمتد منذ الفكر والإعتقاد فالعقيدة إلى أن تضحى حقيقة كاملة لها فاعلها والمفعول به وأدوات إرتكابها وحدود ورسم تنفيذها أمر واسع يبتعد طرفيه بعد المشرق والمغرب.
فأول جريمة قتل  عرفتها الإنسانية وأبت النفس أن تتقبلها،  حتى أن قابيل الفاعل بالقتل لأخيه هابيل، أصابه هلع بفعلته أورثه ندما، فهل يجلس يحمي الجثمان أم يخفي فعلته كيف يواري سوءة أخيه؟؟ 
حديثنا ليس إلا صولا وجولا في أرجاء النفس البشرية التي نحن فيها شركاء حتى وإن اختلف الدين والجنس والعرق، نفس بشرية سوية قويمة حتى وإن ذلت وإن أخفقت لابد لها من عود أحمد لسويتها، تتنصل من كل دنس أصابها تمتثل للناموس والملكوت وتندم وتطلب المغفرة.
أيها العالم مايحدث اليوم في أمم وإمارات ومقاطعات ودول اليوم لها الريادة والقيادة والتالي لها أن ترسف في غل لافكاك منه، نحن بصدد جريمة وحشية تضافرت لها في زمانها قوى عظمى حتى تطمس ملامحها، فلايبقى غير الإفك والكذب تلوكه ألسنه الكذابين يضيئون الشموع لطلب العون والنصر وهما منهم براء نشيد السلام يتلوه سفاحون ألفوا الخرابا والتقتيلا.
مذبحة خوجالي مذبحة ارتكبها من؟  من الذابح ومن المذبوح؟  أذربيجان المجني على قداسة أراضيها وعلى حرمة مواطنيها؟  والأرمن يتشدقون بالكذب ويرتلونه على أنه الحقيقة، مافتئت السنتهم عن ذكرها يمحون ويشوهون التفاصيل، لكن عليهم ان يعلموا أن  الجريمة الكاملة لاوجود لها، وأن ماأخذ بالقوة والقهر لابد وأن يعود يوما طوعا او كرها، فهذا هو التاريخ وتلك قصص الأسبقين فليس للزمن وتيرة، فتلك الأيام نداولها بين الناس، وتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا.
أيها العالم نحن نعيش في مأتم كبير ضحاياه أمم لا أفراد، وصرعاه ممالك وعروش ومبادئ وحريات، ودمار في الأنفس والأموال، وخراب في كل مكان. أمامك اليوم نعرض مجزرة سجلها التاريخ على حين غفلة من مرتكبيها، بالرغم من كافة محاولاتهم المستميتة لإزهاق روح الحقيقة، كما أزهقوا أرواح عزل أبرياء لاذنب لهم سوى أنهم آذريون مسلمون، هذا فعل الأرمن في رداء من العنصرية الفظة البريئة منها كل الاديان، في مظلة غياب قوانين الأرض قوانين وضعت المبادئ والحقوق والإلتزامات ولاتستطيع أن ترد كل منتهك لها فهي العاجزة، تسطر التقارير التي تشجب وتدين ترتل النصوص والعالم أصم، في ظل صممه هذا تتعالى صيحات أصحاب الأرواح المعتدى عليهم بكل وحشية وبلا هوادة أو رحمة، وكل دور الرمال أن تمثل لتلونها باللون الأحمر لون الدم، ودور الأرض أن تبتلع تلك الجثث، وحين إكتفت جاء دور النار حتى تحرق ماتبقى فيتدخل الشك ويسقط الدليل، ويصبح الأرمن مغلوب على أمرهم، بتلك العين يراهم المجتمع الدولي، بهذه الدفوع المصطنعة لقلب الحقائق إحتكموا إلى القانون الدولي الذي تتعامل نصوصه وتتبوتق مع الظواهر،  وماتم الإلمام به من أطراف الحقيقة، فصار العدل ملثما وصارت العدالة موجهة هؤلاء الثكالى والأرامل ومن فقدوا أبا أو أخا أو عونا لهم او صديق؟  إن داهمهم الحزن لهذا الفقد فماذا عن خزي يستشعرونه في ذهاب القدرة عن رد حرمة موتاهم؟ فالقانون الدولي أقر في طواياه مبادئ حرة سامية بقدر سموه وإرادته في أن العالم يعيش في سلم وأمن حقيقين بفضل منهاجيته، 
بيد أن الصراع بين صاحب الحق وغاصبه صراع أذلي على كافة الأصعدة التي ترتئيه.
القانون الدولي سيد تحتكم له كافة الأوضاع الدولية فكل له ضابط إسناد لدى هذا القانون، لكن موقف مأساوي مجزري كالذي نحن بصدده كيفية تكييفه؟  كيفية رد الحق المغتصب؟ أرض إغتصبت شعب خرج قسراً وقهرا بالترحيل، شعب أعزل إندلعت نيران الرصاص فيه حيا، وكان حطبا للنيران ميتاً قتلوا أبناءهم، وإستحيوا نساءهم، شعب جاهد أيما جهاد وتعرض للتطهير العرقي والتشريد لاكثر من مليون أذربيجاني، تعرض لتدمير معالم التراث الآذري تراث سيدة الجمال الاسلامي،  إلا أن الامم لاتنسى فمن بنى مجد الأمس يبني اليوم والغد، ثم ماذا فعل الأرمن؟ رفعوا اعلامهم، وغرسوا أشجارهم ورووها بدماء الآذريين، وإستقوا من الرأي العام العالمي الشفقة لبقاء أركانهم، وبناء دولتهم الارمينية.
أين القانون الدولي في حفظ سيادات الدول التي أقرها على رأس مبادئه؟ أين القانون الدولي من إقراره حرمة حدود الدولة وسلامة أراضيها؟ حتى ينقضي الليل، وتعلن نذر الإغتصاب والتعدي على تلك الحدود في ظل مجزرة إكفهر لها وجه العالم أجمع، وحتى الصباح تبدلت الحدود تبدلت الارض غير الارض والسموات؟ 
المجتمع الدولي..  القانون الدولي.. المنظمات الدولية من ايد الحقيقة بسطور مدفونة في التقارير، ومن أيد الواقع المرير القائم على الدم والتفرقة العنصرية بأقبح أوجهها، كل هؤلاء شركاء في القتل، فليس القتل العنصر الرئيس في هذه المذبحة إنما هو فعل إيجابي بالإقدام بأداة ما بإرادة القتل لنفس ما، إلا أنه يوجد نوع أخر تحت مسمى القتل بالترك ،  وهذا هو العجز الصامت الموجه من أرباب المالكين لقوى القمع ومن ثم فلا إعتداء على سيادة او حدود او بشر.
تلك القضية ليست الوحيدة من نوعها، لكن في هذا الإطار الخاص بها دون سواها إذا ماتوصلنا إلى حل سلمي ودبلوماسي يعيد الحقوق إلى نصابها، فعلى غرارها سترد مظالم ومغاصب وترفع رايات كانت قد نكست.
فالحق والحق أقول إعلاء لقيمة الدولة ومايحكمها من قوانين تنظم العلاقات بينها وبين سواها على الساحة الدولية، فليس لجماعة ما إن ارتأت التمييز والتميز والعقيدة بالتنزيه عن غيرها من قاطني تلك الحدود أن تنشق فإرادتها لها حدها ومنتهاها، فلاتفتيت لأمم ولاسقوط لأعلام بيد شراذمة يمتلكون القوة غير الشرعية،  فدولة كأذربيجان الجمهورية الإسلامية الديموقراطية الحرة القادرة على إدارة ريادتها، وإدارة إرادتها ووجودها في زمان تتسارع وتتصارع فيه القوميات ووجودية الدول. دولة أعلنت إستقلالها وإستبقائها في زمن عز فيه البقاء، وهذا ليس إلا بالبطولة والتضحية فلا أسمى من الإمتثال لواجب الاوطان فقد قدمت كم من شهيد في أحداث أرادت النيل منها، ومن إستقلالها لكنها القوية القويمة لاتعرف الاحجام،  فمأساة كهذي التي بصددها بأحداثها الجسام لايتحملها إلا رجالات أعزاء ذوو شموخ وإباء، من هذا الجلد وتلك القوة والمثابرة على تحدي الاباطيل والكشف عن الحقيقة بعد ربع قرن وتصحيح التاريخ وماشابه من ذلل فسلام على أبناء أبرار كهؤلاء أحسنوا البر بأمهم أذربيجان.
مستشار بالسلك الدبلوماسي الأوروبي