"الحصانة البرلمانية" كلمة السر لتحويل فيلات غرب الجولف لعمارات بالمخالفة للقانون

الاقتصاد

عمارات مكان الفيلات
عمارات مكان الفيلات


شركات مقاولات تربح ملايين.. وتهدر على الدولة ثروة عقارية بالمليارات.. و"الإسكان" تتستر

 

منطقة من أرقى المناطق في مصر تتحول إلى عشوائيات لحساب حفنة من الفاسدين

 

 

رغم قيام ثورتين إلا أن الفساد مازال يتغلغل في الجهاز الإداري للدولة، وينخر في مفاصلها لتحقيق مصالحه الشخصية على حساب مصالح الشعب، يهدم ولا يبني يفصل القرارات ويتلاعب بالقوانين لصالح من يدفع أكثر.

 

 الحزين في الأمر أن يتغلغل هذا الفساد في وزارة الإسكان - وزارة البناء- المسئولة عن كافة المشاريع القومية الحساسة، التى تدير أكبر ثروة في مصر وهي الثروة العقارية، التى تعتبر أمل مصر في تلك الفترة العصيبة، ففي الوقت الذى تسعى فيه القيادة السياسية لبناء مدن وتجمعات جديدة لخلق بؤر تنوير وتعمير تهدف لاستغلال مساحات أكبر من الأراضى الشاسعة والخروج من الوادي الضيق، وجذب رؤوس الأموال العربية والأجنبية لدعم النمو الاقتصادى في مصر، يهدم بعض الفاسدين اليوم مجهود سنوات مضت في تعمير مناطق أصبحت اليوم من أرقى مناطق القاهرة التى تمثل في حد ذاتها ثروة عقارية ومعمارية يجب الحفاظ عليها.

 

حيث تأمر بعض الفاسدين على تحويل أرقى مناطق التجمع الخامس، وهو "حي الوزراء" بغرب الجولف إلى منطقة عشوائية تهدم فيلاتها التى لم يمر على إنشائها 10 سنوات ليقام مكانها عمارات باهتة الملامح تباع شققها بملايين الجنيهات، لصالح حفنة من الفاسدين الجدد، وهو ما يهدد ثروة عقارية قائمة بخسارة ما يقرب 2 مليار جنيه نتيجة انخفاض أسعار المنطقة، إلى جانب ضياع حقوق الدولة من ضرائب ورسوم من خلال التحايل على القانون ولى أعناق القرارات الوزارية لحساب مصالح شخصية ضيقة.

 

قضية فساد يتورط فيها عدد من الأجهزة التنفيذية بوزارة الإسكان، وعلى رأسها جهاز مدينة القاهرة الجديدة، لصالح عدد من المقاولين الذين يحتمون في عباءة الحصانة البرلمانية، حيث يملك شقيق أحدهما ويدعى (ط.ا) إحدى شركات المقاولات، وتدعى "روعة للمقاولات"، التى تقوم بشراء الفيلات وهدمها لتحويلها إلى عمارات سكنية تحوى كلاً منها ما يتراوح بين 8 وحدات إذا كانت العمارة على قطعة واحدة إلى 24 وحدة  إذا بنيت على 3 قطع، مخالفين بذلك كافة القواعد والاشتراطات البنائية للمنطقة التى تنص على أن ترخيص الفيلا لايزيد عدد الوحدات فيها عن 4 وحدات وجراج وسطح، كما أن حي غرب الجولف يعتبر من المناطق الأكثر تميزاً المخصص للفيلات وليس العمارات.

 

ولكن الوضع الذى رصدته "الفجر" بالصور يختلف تماماً عن الحقيقة حيث قامت الشركة بضم قطعتين و 3 قطع والبناء على كامل المساحة رغم أن شروط العقد تنص على البناء على 50% فقط من المساحة، مخالفين بذلك شروط الترخيص الصادر بفيلا وليس عمارة كما أنهم يقسمون الوحدات الأربع إلى 8 وحدات كما تم تحويل الجراج إلى وحدتين سكنيتين والسطح إلى وحدتين بالمخالفة للتراخيص في الوقت الذى تتغاضي فيه الأجهزة التنفيذية بوزارة الإسكان عن كل تلك المخالفات مقابل بعض الغرامات وتتصالح مع المخالفين على حساب السكان الذين انخفضت قيمة فيلاتهم نتيجة هذا النمط الجديد من البناء.

 

وأكد عدد كبير من السكان لـ "الفجر" أنهم رغم توجههم بالشكاوى لجهاز المدينة، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وجهاز التفتيش الفني على أعمال البناء بوزارة الإسكان، حتى وزير الإسكان نفسه، لم يحرك أحد ساكن.

 

وحتى الأن تقوم نفس الشركة التى اتخذت لنفسها على مدار الـ 6 سنوات الماضية أسماء مختلفة "الرباط"، "العربي"، "أكرم جروب" وأخيراً "روعة"، ولكن بنفس الأشخاص ونفس المهندسين والعمال مازالت تعمل بمواقع مختلفة من حي غرب الجولف وتهدم الفيلات التى لم يمر على بنائها 6 سنوات دون ترخيص، وتقوم بالبناء وفق رسومات هندسية مخالفة لما تم تقديمة للجهاز والوزارة، حيث أن الرسومات التى صدر على أساسها الترخيص لـ "فيلا" ولكن ما يتم بنائه هو "عمارة" تتكون من عدة وحدات سكنيه حسب مساحة الأرض تباع الشقة الواحدة بمبلغ 5 ملايين جنيه لتصل قيمة العمارة حوالي 100 مليون جنيه، رغم أن القانون رقم 144 لسنة 2006 ينص في مادته الثالثة أنه لا يجوز إعادة البناء على قطعتى الأرض المضمومتان اى منشأ أو فيلا إلا في حدود المساحة والارتفاع التى كانت عليه قبل أن أزيلت بالكامل طالما أن الفيلا لم يمر على إنشائها أكثر من 10 سنوات.

 

حصانة برلمانية

 

وكشف عدد من اتحاد ملاك غرب الجولف، عن أن أكبر المستفيدين من هدم فيلات غرب الجولف كان أحد المقاولين ويدعى محمود سلطان صاحب شركة الرباط للمقاولات، الذى هرب مؤخراً خارج البلاد في ظروف غامضة.، واستحوذ على شركتة (ط . ا) شقيق عضو مجلس نواب بالشراكة مع عضو أخر بالمجلس الموقر يقومان بتسهيل إجراءات الهدم والتراخيص وتوفير الحماية للشركة المخالفة مستغلين في ذلك حصانتهم البرلمانية.

 

وبدأ "سلطان" بشراء فيلا 51 المواجهة لقصر محمد ابراهيم سليمان وزير إسكان مبارك، من صاحبها عصام إبراهيم شحاته وقام ببناء عمارة سكنية على كامل المساحة بالمخالفة للقانون والتخطيط العمراني للمنطقة، كما اشترى فيلا 620 المملوكة لأبنة الدكتور أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق، وقام بهدمها وبناء عمارة سكنية على كامل مساحة الفيلا بالرغم من أن القانون ينص على أن المساحة المبنية يجب ألا تتجاوز 50% من مساحة الأرض، وهو ما يفسر سبب هدم الفيلات للاستفادة من المساحة الكاملة بالمخالفة للقانون، هذا إلى جانب تحويل الجراج الذى يرتفع عن سطح الأرض بأكثر من مترين مخالفاً اشتراطات البناء إلى وحدات سكنية.

 

ليس هذا فقط ولكن قام نفس المقاول بشراء الفيلا القائمة على القطعتين 290 و292 من صاحبها مصطفى فريد جنينة، حيث قام بإزالة مبنى الفيلا الذى لم يمضى على بنائه 6 سنوات دون الحصول على ترخيص بالهدم، وقام بأعمال حفر وتغيير للأساسات لتناسب  إقامة عمارة سكنية على 80% من المساحة بالمخالفة للقانون وكراسة الاشتراطات.

 

فساد إداري

 

ورغم صدور قرار ايقاف أعمال رقم 321 في 26 فبراير 2015، وقرار إزالة رقم 299 بتاريخ 2 أغسطس 2015 إلا أن العمل بالموقع ظل مستمر حتى صدور قرار من وزير الإسكان شخصياً بإزلة الخرسانات المنشئة على القطعتين في أكتوبر الماضي، ويتم تنفيذه حالياً، إلا أن منطوق القرار كان به خطأ مقصود من بعض الفاسدين حيث تم تضليل الوزير بإضافة رقم خاطئ الرخصة وتاريخ إصدارها لمحاولة التحايل على القرار بإطالة عمر الفيلا التى تم هدمها.

 

إهدار المال العام

 

وكل هذا لا يمثل فقط إهدار للثروة العقارية، ولكن ضغط على البنية التحتية والمرافق  من مياة وصرف وكهرباء، وإهدار لأموال الدولة حيث أن قيمة الفيلا الواحدة لا تقل عن 30 مليون جنيه ويتم بيعها  من خلال توكيلات دون موافقة جهاز المدينة أو نقل رسمي للملكية والذى يترتب عليه ضياع رسوم تحصل لصالح الدولة، هذا إلى جانب الضرائب العقارية حيث أن مالك الفيلا يدفع ما يقرب من 30 ألف جنيه على الأقل ضرائب سنوياً لفيلته في حين أن تحويلها لوحدات سكنية سيسهل التلاعب في تقدير قيمة الشقة بما لا يزيد عن مليون جنيه ومن ثما يتم إعفائها من الضريبة العقارية وهو ما يعد إهدار للمال العام.

 

ورغم استماتة أصحاب الفيلات المجاورة لوقف هذا السيل من المخالفات لكن دون فائدة، وهو ما يدل على تورط كبير لمسئولين بجهاز المدينة والحي ورغبتهم المستميتة في التستر على الفساد.

 

ولم يتوقف التستر على الفساد عند حد عدم تنفيذ القرارات ولكن تمثل أيضاً في إخفاء الملفات ومنها ملف القطعتين سالفتى الذكر عند طلب الوزير له بحسب مصادر موثوقة.

 

تسهيل الفساد

 بل وسعى بعض المسئولين ونواب البرلمان، لاستصدار قرارات تسهل عمليات هدم المباني الغير أيلة للسقوط ومنها التعديلات التى أصدرها وزير الإسكان على اللائحة التنفيذية للقانون رقم 144 لسنة 2006، بالقرار الوزاري رقم 649 لسنة 2016 فـي شأن تنظيم هدم المباني والمنشآت غير الآيلة للسقوط والحفاظ على التراث المعماري.

 

حيث شدد القرار على تبسيط المستندات المطلوب تقديمها رفق طلب ترخيص هدم المباني غير الآيلة للسقوط ، وغير المدرجة بسجلات التراث المعماري، وذلك من خلال تعديل الإجراءات الأربعة بالمادة 11 من لائحة القانون المشار إليه واستبدالها بإجراءات أخرى أكثر بساطة ممار ورد بالمادة المذكورة.

 

كما تناول القرار تعديل المادة 13 من لائحة القانون المشار إليه والتي تنص على أنه :" تتولى الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم فحص طلب الترخيص بالهدم ومرفقاته متى كان الطلب مستوفيًا المستندات المشار اليها بالمادة الحادية عشر من هذه اللائحة والتأكيد من أن العقار غير مدرج  بكشوف حصر المباني والمنشآت  المحظور هدمها والمنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون مع قيام الجهة الإدارية المختصة بشئون التنظيم الترخيص على النموذج المرفق بهذه اللائحة  مبينًا به تاريخ صدور الترخيص والمدة الواجب إنهاء الأعمال خلالها بحد أقصى سنة من تاريخ بدء الأعمال .

 

 

مخالف للقانون

 

وأكد اتحاد ملاك غرب الجولف، أنه لاتوجد آلية حتى الأن لإيقاف نزيف هدم الفيلات في المناطق المتميزة وإعادة إنشاء عمارات سكنية بالمخالفة لشروط جهاز التنمية من خلال الإلتفاف على القوانين مستغلين بند "الإحلال والتجديد"، مؤكدين أنه بند مصمم خصيصاً لهدم الفيلات وتحويلها إلى عمارات سكنية.

 

وأضاف اتحاد الملاك، أن بيع الفيلا لشركة بتوكيلات خارج نطاق القانون ويخالف اشتراطات العقد الذى تم بموجبه التخصيص حيث ينص القانون على أن تخصيص أراضي الإسكان يتم لأفراد وليس شركات، وهو ما يهدر على الدولة ملايين فرق ثمن الأرض إذا تم طرحها للاستثمار من خلال شركات، كما أن ضم قطع الأراضى ومعاملتها كقطعة واحدة هو مثال صارخ لمخالفة القانون وبالرغم من ذلك لا تلتفت له الأجهزة التنفيذية بوزارة الإسكان وهو ما يعكس كم الفساد، حيث تقوم شركة المقاولات بضم القطعتين لمضاعفة عدد الوحدات.

 

ولفت سكان غرب الجولف إلى أن جميع تلك الممارسات تتم تحت نظر الجهاز الإداري لوزارة الإسكان هو ما يدل على تورط جهاز المدينة وبعض المسئولين لتمرير المخالفات لكراسات الشروط الخاصة بالمناطق المتميزة الصادرة من أجهزة التنمية التابعة لنفس الوزارة.