نصار عبدالله يكتب: الإيدز على حدودنا

مقالات الرأي



بعد سنوات طويلة من التكتم، «التكتم بالمناسبة خصلة من الخصال الذميمة التى تتسم بها أغلب دول منطقتنا، إن لم تكن جميعها، رغم أنها أى الخصلة كثيرا ما تعود بالوبال على شعوبنا»،... بعد سنوات طويلة من التكتم والإنكار أعلنت السودان عن عدد حالات المصابين بالإيدز بين أفراد الشعب السودانى فإذا هو وياللهول نصف مليون حالة!! (مع ملاحظة أن الحقيقة قد تكون أكثر من ذلك بكثير ولكن ذلك على الأقل هو ما أعلنته الحكومة وما اعترفت به رسميا، نصف مليون حالة !!.. أى أن الإيدز سوف يحصد خلال الأعوام القليلة المقبلة من أرواح أشقائنا السودانيين أضعاف ما حصدته الحرب الطاحنة بين الشمال والجنوب على مدى العشرين أو الثلاثين عاما الماضية، «بالإضافة إلى أعداد أخرى عديدة من الأشقاء ممن سيصابون به على الأرجح خلال الأعوام القليلة المقبلة»، وللأسف الشديد فإن هذاالمسلك الذى عمدت إليه سائر الحكومات السودانية المتعاقبة من حيث تكتمها وإنكارها الدائم للحقيقة المتمثلة فى أن السودان كان من بين المناطق الإفريقية التى تفشى فيها الإيدز بشكل مفزع، هذا المسلك كان فى حد ذاته واحدا من الأسباب التى جعلت ضحايا المرض يبلغون هذا الرقم المخيف،.. ولو أن الحكومة بدلا من التكتم والإنكار كانت قد واجهت مواطنيها مع بداية تفشى المرض بحقيقة الموقف مع حملة إعلامية شاملة للتعريف بطرق العدوى واحتياطات الوقاية، لو أن الحكومة كانت قد فعلت ذلك فإن هذا كان فى حد ذاته كفيلا بغير شك بتقليل حجم الإصابات وحصرها فى أضيق نطاق ممكن، صحيح أنه ما كان ليحول دون حدوث إصابات، ولكنه كما يقول الخبراء ـ، بل وكما يقول المنطق السليم قبل كلام الخبراء، كان سيجعل أرقام الإصابة أقل بكثير جدا مما آلت إليه .. الخبراء يقولون إنه لو كانت هناك خطة مكاشفة وتوعية سليمة فما كان العدد ليتجاوز آحاد الآلاف أو حتى عشرات الآلاف بدلا من هذا الرقم المخيف وهونصف مليون حالة من المتوقع أن تصل خلال فترة قريبة إلى مليون أو مليونين أو حتى ثلاثة ملايين!، خاصة بعد انتهاء الحرب الأهلية وفتح الحدود مع دول الجوار فى وسط إفريقيا (وكلها والعياذ بالله دول موبوءة من قمة رأسها إلى إخمص قدميها بالمرض) .. ذلك أن فتح الحدود السودانية مع الدول التى سبق أن أقفلت معها حدودها بسبب الحرب سوف يترتب عليه (مع انخفاض مستوى الوعى الصحى بين الدول التى سوف يتدفق منها وإليها المسافرون)، سوف يترتب عليه سهولة انتقال المرض مع سهولة انتقال الأشخاص،.. وسوف يؤدى ذلك إلى تضاعف حجم الكارثة التى سوف تتجه بشكل حثيث ومطرد إلى حدودنا الجنوبية، والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو : هل استعدت سائر الجهات المسئولة فى مصر وفى مقدمتها بطبيعة الحال وزارة الصحة، هل استعدت لمواجهة زحف الإيدز نحو حدودنا الجنوبية؟ خاصة أن عدد السودانيين المقيمين فى مصر يبلغ فى أحد التقديرات نحو ثلاثة ملايين سودانى، وهؤلاء سوف تتاح لهم بعد المصالحة بين الشمال والجنوب أو على الأقل سوف يتاح لمن يرغب منهم فرصة السفر جيئة وذهابا بين مصر والسودان.. هل استعد المسئولون فى بلادنا لمواجهة هذا الوضع؟.. أم أنهم مطمئنون إلى امتلاكهم لذلك السلاح الناجع الذى يستخدمه المسئولون وقت اللزوم وأعنى به سلاح التكتم «الذى سبق أن استخدمه المسئولون السودانيون أنفسهم»، وهو سلاح ناجع بالفعل على الأمد القصير من حيث أنه ينقذ المسئولين مؤقتا من الغضب وردود الفعل الشعبى والجماهيرى، أما على الأمد الطويل فهو يعود بالوبال على الجميع... ولن يفرق حين تقع الكارثة بين مواطن عادى لا حول له ولا قوة، وبين مسئول رفيع الشأن.. أيا ما كان حجم ذلك المسئول ووزنه، وأيا ما كان مدى نفوذه، بل أيا ما كانت الاحتياطات الصحية التى سوف يلتزم بها شخصيا لحماية نفسه، فمن المعروف أن احتمالات العدوى فى المجتمع الموبوء أكبر بكثير من احتمالاتها فى المجتمع غير الموبوء، إذا افترضنا ثبات مستوى الاحتياطات الصحية التى قد يتخذها شخص ما فى كلا المجتمعين.