د. رشا سمير تكتب: أديبات يكتبن عن فراش الحب المحرم

مقالات الرأي



تعودن النساء أن يقبعن خلف المشربيات..أن يرون العالم من خلال تلك الفتحات الضيقة التى ينفذ من خلالها شعاع من ضوء..ضوء الحُرية..
تعودن النساء أن يكتمن مشاعر الحُب التى تراودهن..خشية أن يُشير إليهن العالم بأصابع الإتهام..الإتهام بالفسوق..

وبالمثل تعودت الأديبات أن يتوارين خلف أقلامهن..وألا يفصحن عن شعورهن إلا من خلال أبطال زائفون..فكن أديبات بأقلام ترتعش وخيال يكبح جماحه مائة موروث وألف قيد..

كان هذا بالأمس..أما اليوم، فقد تبدلت الأوضاع وقويت النساء فحطمن المشربيات إلى دنيا رحبة لا تحكمها قوانين الرجال ولا ضوابط المجتمعات البالية..

اليوم قررت الروائيات أن يكتبن عن مشاعرهن بكل جرأة وأن يفصحن عن مكنون أنفسهن بلا خوف..فكسرن كل الحواجز وتخطين كل المباح إلى عالم لم يكن للنساء فيه يوما مكان..

من أديبات كتبن عن العشق كرمز يتوارى خلف ستائر الخجل..إلى روائيات وصفن العشق والجنس والشهوة بتفاصيل قد يصعب على الرجال أحيانا وصفها!..

ونحن اليوم نستعرض روايتان تخطتا كل الخطوط الممنوعة، فتم منع أعمالهن فى بعض الدول العربية..وتم رجمهن بأحجار الخطيئة من أقلام أغلب النقاد..

هل إستطاعت المرأة أن تكسر كل التابوهات وتصبح على قدم المساواة مع الأقلام الذكورية؟..

ويبقى السؤال..هل تقترب الأديبات من خط الممنوع والمحظور لمجرد البيع أم لتقديم عمل روائى يستحق؟؟ الإجابة تحملها السطور التالية...
 

الرواية الملعونة  بقلم:(أمل جراح)

فى رواية صادرة عن دار الساقى للنشر فى 223 صفحة من القطع المتوسط..تروى لنا الروائية السورية أمل جراح قصة تأخذنا إلى عالم المحظور..وتقذف بنا إلى تلك المنطقة المُحرمة التى يخشى أى روائى من الخوض فيها لأنها مثل الرمال الناعمة، عادة ما تبتلعه وتمحو تاريخه..
أمل روائية سورية ولدت فى دمشق عام 1945..سألوها عن روايتها الملعونة فقالت:

" أردت أن أقول أنه على الإنسان أن يُطلق العنان لعواطفه ولا يحبسها ولا يكبتها، لأن الإنسان مخلوق ضعيف، وحياته لحظات بالنسبة إلى الزمن، ويجب أن يعيش تلك اللحظات كما يجب..وأن يبحث عن سعادته فيها بأى وسيلة".

إذن إنه رأى الروائية التى رحلت عن دنيانا قبل أن يُنشر عملها الأول الذى فاز بجائزة "الحسناء" للتأليف فى عام 1967 ولم تجرؤ الروائية على نشره فى حينها..ولكن حين إنتقلت إلى جوار ربها عقب معاناة طويلة مع مرض بالقلب..أعطى زوجها الروائى ياسين رفاعة مغلفا سميكا إصفرت أوراقه، إلى صديقتها الروائية زينب عساف وطلب منها أن تنشرها..

هذه الرواية قال عنها النقاد أنها رواية لو كانت قد نشرت فى حينها لغيرت تاريخ السرد النسوى لأنها رواية تتمرد على كل التابوهات وتدخل بكل جراءة إلى منطقة السرد الممنوع!..
 

غواية الإبنة:

تبدأ الرواية ببيت حنان وأبيها وهو المكان الذى لا تخرج عنه أحداث الرواية من البداية إلى النهاية مما أسكننى كقارئ نوع من الرتابة وكأنها مسرحية من فصل واحد..
الأحداث تبدأ بإبنة وأبيها تحت سقف واحد فى محاولة للتعايش بعد فقدان ربة المنزل أى والدة حنان..تحاول حنان بشتى الطُرق أن تحل محل والدتها فى الإعتناء بأبيها وتدبير المعيشة والحفاظ على صحته ومراعاة مزاجه المتقلب بعد فاة زوجته بكل ما أوتيت من سبل ووسائل..

تستعرض الروائية بصوت الأنثى الحائر مدى حرص الإبنة على كل ما يخص والدها، حتى إنها فى أحد الأيام تدعو زميلاتها إلى المنزل لتعرفهن عليه لربما ينجذب إلى واحدة منهن ويتزوجها فتستطيع الإبنة أن تعيد البهجة إلى عينيه وقلبه..

لكنها فجأة وبدون مقدمات تشعر بالغيرة من زميلتها (هيفاء) التى ترشحها له كعروسة وتحاول معرفة السبب إلى أن يعود الأب فى أحد الليالى ثملا مترنحا فتتوصل حنان إلى سر غيرتها من زميلتها العروس المنتظر...

إنها ببساطة وقعت فى غرام والدها!..العشق الحرام!..الحُب الممنوع!..

ولا تخرج الرواية بعد ذلك من تلك المنطقة حتى نهايتها..فحنان تعشق والدها وتحاول غوايته بكل الطُرق الممكنة..من إرتداء الملابس الساخنة وإلى الإهتمام بسيجاره وقهوته وترتيب مكتبه وحتى التحرش به جسديا كلما واتتها الفرصة لذلك!..

وهنا سألت نفسي..هل فازت تلك الرواية حقا بالجائزة لأنها رواية جيدة أم لمجرد أنها رواية جريئة جدا..تطرق باب الممنوع بل وتتخطى كل خطوط المعقول؟!..

الروائية بلا جدال تمتلك حرفية الكاتب وثقل الكلمة، وتعرف جيدا كيف تطوع الكلمة لصالح روايتها..أسلوبها سلس..ولكن الحقيقة الرواية صادمة فى لُبها..والأهم أنها مملة سرديا وحدثيا..فهى بقدر التشويق الجرئ إفتقرت التشويق الحدثى الذى يأخذ القارئ إلى مرحلة إنتظار المفاجأة والحدث الجديد..وهذا ما أفتقرته الرواية بحسب تذوقى لها..
 

عشق بلا ندم:

" أنا أحق به فلماذا تأخذه واحدة غريبة؟ ولم لا يحق لى، ثم من هو هذا الذى وضع قانونا لهذه القيم فحرم وحلل؟ الحرام الحقيقي هو الشقاء..الحلال أن يصبح الإنسان سعيدا..وكيفما كان شكل سعادته وبأية طريقة يحصل عليها..لا..لا..سأحبه أكثر وسأحرص على هذا الحُب لأن سره لذيذ ورائع..لن يعلم بهذا الحُب أحدا لأنه فى نظرهم حرام وشاذ ومجنون"..
 
المصادفة المقصودة هو أن الروائية كانت تعانى من مرض بالقلب، وهو ما إنتهت إليه حنان بطلة الرواية حين شخص الطبيب حالتها الطبية على إنها مريضة قلب وتحتاج إلى عملية جراحية فورا..

هل هذا هو الشعور بالذنب يتجسد فى صفعة القدر بسقوط حنان أم أنها مجرد مصادفة لم تقصدها الروائية..أعتقد أن عقلها الباطن أخذها إلى إنتقام القدر من تلك العلاقة المحرمة..فزنا المحارم بالشكل الذى إعتدناه هو رجل تتأجج مشاعره تحت وطأة الضعف أو المرض النفسي فيبحث عن إمرأة لا يفرق فى لحظتها من كونها إبنته أو أخته أو حتى أمه!..لكن المختلف فى تلك الرواية هو أن الفتاة هى التى تتحرش بالأب وتراوده عن نفسها..
 
ربما يكون المشهد الوحيد الذى إستحوذ علي كقارئة هو وصف الروائية للمشهد الأخير من الرواية حين تستدير لتودع أخواتها وأقاربها وبيتها لتركب الطائرة وتذهب إلى حيث تجرى العملية بقلبها وهى لا تعلم إن كانت سوف تعود أم لا؟..

وتترك الروائية نهاية القصة مفتوحة..فهل إجتازت حنان العملية أم إنها ماتت وهى تجريها، وأعتقد أن هذا كان هو شعور أمل جراح نفسها التى كانت تنتظر الموت دائما وتراه قريبا بحسب التصريحات الخاصة بها للصحافة..

" أين أنت يا أبي؟ المدن تتهدم..دمشق يبتلعها الموت..بيتنا يمعسه طفل بقدميه..أين أنت يا أبي؟ بعيدا تأكلك السمكة، أكاد أختنق..حلقى..أكاد أتقيأ حلقى..يداى تتخبطان، تضربان صدور الأشباح البيضاء..الأشباح تلتصق بي..يداك..عيناك..أنت يا أبي..أنقذنى..الأشباح البيضاء تهتز..الغيم يلف الوجوه..الستارات تنسدل..خذنى بين ذراعيك..إذهب بي بعيدا..بعيدا..بعيداااااا...آه ما أدفأ صدرك"..

يقول المقربون من أمل أن تلك الرواية هى قصة حبها الحقيقية لزوجها الروائى الذى إتخذته أبا وعشيقا وزوجا..وترجمت تلك المشاعر إلى رواية هى بحق ملعونة ولكنها إستطاعت أن تقف بها فى وجه العالم العربي بأسره..


برهان العسل  بقلم: (سلوى النعيمى)

فى رواية صادرة عن دار رياض الريس للنشر فى 151 صفحة..تكتب الروائية السورية سلوى النعيمى المقيمة بفرنسا عن قصة إمرأة وعدة رجال..إمرأة لا تعرف سوى الحُب المادى ولا ترى للحُب العذرى وجود..

حققت الرواية إن جاز لى أن أصفها مبيعات ضخمة وترجمت إلى 18 لغة..كما أن تعرضها للمصادرة هنا وهناك بين أروقة الوطن العربي، كان السبب الأكبر فى شهرتها وتربعها على قوائم الأكثر مبيعا..مثلها مثل رواية (fifty shades of grey) التى تحولت مؤخرا إلى فيلم سينمائى.. بإختصار هذا النوع من الأدب هو ما أفضل أنا أن أطلق عليه وصف (الجنازة حارة والميت كلب)!.

لا يعد في رأيي روايةً – وإن كان قد سمي كذلك- إذ يبدو أن جوهره كان مجرد بحثٍ أو دراسة عن الجنس في الأدب والتراث العربي، ثم حاولت الروائية بسذاجة أن تحول تلك الدراسة إلى شبه رواية لو أنصفناها!..ليخرج من هذا المزيج كتاب نال نصيبه من النجاح الزائف، لأن القارىء العربي اشتم فيه رائحة الجنس فقط لا غير ولكنه لا يمكن أن يُصنف تحت أدب الرواية بأى حال من الأحوال..

الألفاظ الصريحة قد تعجب البعض، لكنها تنتقص من قيمة الكتاب، فلا أحاسيس ناعمة ولا مشاعر تغزو قلوبنا وتناجينا بإسم الحُب..إنها تعتلى صهوة جواد المتعة الزائلة بشكل مبالغ فيه.. لغة الكتاب خفيفةٌ ويصعب القول إنه يترسخ في الأعماق بعد الانتهاء من القراءة جمل أو عبارات تحتوى على أسلوب مختلف أو عمق في تناول السرد..لقد أخفقت الكاتبة فى صنع عمل روائى يستحق ولو أنها كان من الممكن أن تفعل ذلك بسهولة مثلما فعلته أحلام مستغانمى فى روايتها الأخيرة (الأسود يليق بك) وهى رواية بلا أحداث قوية لكن لغتها السردية الشيقة إجتازت كل حواجز القراء وسكنت قلوبهم..

أعتقد أن الروائية كانت تعرف منذ الكلمة الأولى لروايتها أنه سوف يتم منعها فى العالم العربي وقد تحققت نبؤتها وبالتالى فالمنع سوف يزيدها شُهرة وسوف يجعل مئات الأيادى تتلقفها وخصوصا فى الممرات السرية والحوارى الجانبية للعالم العربي الذى يعانى من مرض الكبت السياسي والجنسي معا!..


على هامش البطولة المُطلقة:

لا تكتفي البطلة بسرد حكايتها. هناك سليمى اللبنانية وزوجها المغربي، وهناك المدلّكة التونسية التي تم سجن زوجُها بجريمة الزنا.. تلك الحادثة التى إستخدمتها الروائية بشكل جيد في إطار أجواء الجنس التي تفوح من الرواية. وتسخر البطلة من الشروط المطلوبة لإثبات واقعة الزنا..

الرواية تُعبر عن قناعات الروائية الشخصية ومحاولتها طوال الوقت فى أن تثير بلبلة قد تقودها إلى طريق الشُهرة..

تقول فى أول الرواية:
" في البداية ما كنت أريد لهذا الارتباط أن ينفك، لم أكن أريد أن أزيح الستار عنه، أن أعلنه، لم أجرؤ يوما حتى على الحديث عنه..كنت أعده فضيحة..وكنت أتساءل إن كانت الفضيحة في الفعل، أم في إعلان الفعل؟.. فضيحة قلت؟ ما الفضيحة؟ هل كوني امرأة هو الذي ينفخ قراءاتي السرية؟..أليس اعتباري لها سرا جزءا من تلك التربية المخصية التي ربيت عليها..لماذا يمكنني أن أتباهى بقراءة الأدب البورنوغرافي الغربي والشرقي وأخفي قراءتي للتيفاشي؟ لماذا أعلن عن ولعي بجورج باتاي وهنري ميللر والماركيز دو ساد وكازانوفا والكاما سوترا، وأتناسى السيوطي والنفزاوي؟ هذه حكايات قديمة على كل حال، وقراءاتي الخبيئة صارت موضة الآن، الجميع يتحدثون بها وأولهم أنا، سري القديم انفضح واتضح..انفضح و اتضح وصار مثل غمزة بياع الزعتر، يراها الجميع".
 

رواية بلا سرد!.

الرواية لا تلخص حدثا ولا تدور حول قيمة حقيقية ولا حتى يوجد بها أى نوع من التشويق..إنها رواية مملة من الدرجة الأولى..تدور حول إمرأة، تشغف بالاطلاع على التراث الجنسي العربي، منذ أن كانت طالبة، وتستمر هذه العلاقة لاحقاً، وتقودها الى الاطلاع على كل كتب الجنس في التراث العربي، وتشكل هذه العلاقة جانبا من حياتها السرية التي تكشف للعلن لاحقا ويصبح الامر طبيعيا..تقول الروائية:

"اهتماماتي بدأت تعلن عن نفسها أمام الاخرين، منهم من زملائي من يعدها لعبة، ومنهم من يتصورها انحرافاً". 

تكشف الروائية فى الكتاب علاقتها بهذه الكتب إذ ظلت حياتها الموازية وعلاقتها بالجنس عالما يخصها لا تبوح به لأحد حتى علاقتها مع "المفكر" الذي قسم حياتها الى ما قبله وما بعده، وهو الشخصية الرئيسية في الرواية إضافة الى البطلة، التي تعمل في مكتبة في باريس وتعيش هناك وتستحضر الشرق أما من خلال الذاكرة أو من خلال زيارتها المتقطعة له، أو من خلال مقارنات على هامش المقارنة الاساسية مع عالم الجنس في الغرب، تأتي في الغالب من خلال النصوص وليس من خلال الحياة إذ ظل عالم الرواية عربيا بامتياز، من خلال الشخوص العرب المهاجرين والمقيمين هناك.
 
قسمت الرواية الى 11 فصلا على طريقة الكتب التراثية "باب أزواج المتعة وكتب الباه – باب المفكر والتاريخ الشخصي – باب الجنس والمدينة العربية – باب الماء – باب الحكايات – باب المدلكة وزوجها الزاني".

وكل باب يتحدث عن عنوانه، ويقوم بناء العمل على إدماج الاستشهادات من كتب التراث بحياة بطلة الرواية..وعقد مقارنات صريحة بينهما..
الحقيقة أن الرواية إستقبلها النقاد الكبار بالنقد اللاذع على عكس الرواية الملعونة..

فى النهاية..نستطيع أن نقول أن أدب النساء الجرئ إستطاع أن يسبق أدب الرجال بألف خطوة..