مى سمير تكتب: الأسئلة الصعبة فى الشراكة المصرية مع حلف الأطلنطى

مقالات الرأي



ملاحظات على هامش زيارة مصرية لمقر «الناتو».. شرطى العالم

شروط الحلف للتدخل فى ليبيا: موافقة الأطراف ودول الجوار وعدم إرسال جنود على الأرض

فوائد الشراكة مع الناتو ومصر: توفير دعم معلوماتى وتحديد لمصادر التهديد وعدم فرض وجهات نظر بعينها

■ تركيا عضو الناتو تدعم داعش.. والإرهابيون الأوروبيون ينضمون للتنظيم دون رقابة والدعم اللوجستى والعسكرى يتم عبر الإنترنت بسهولة

بروكسل ليست عاصمة بلجيكا فقط، ولكنها عاصمة القارة الأوروبية، حيث تضم مقر الاتحاد الأوروبى، وحلف شمال الأطلنطى «ناتو»، ما يجعلها بمثابة المركز الرئيسى الذى ينحدر منه الخيوط الرئيسية التى تحرك المشهد السياسى والعسكرى فى مختلف أنحاء العالم.

أتيحت لى فرصة زيارة مقر الحلف فى بروكسل، ضمن وفد مصرى ضم نخبة من الدبلوماسيين المخضرمين، بداية من السفيرة وفاء بسيم، مساعد وزير الخارجية الأسبق، والسفير محمد منير زهران، رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية، والدكتور مصطفى علوى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة نهى بكر أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، وعدد من الصحفيين.

خلال هذه الزيارة تعرفت عن قرب على هذه المنظمة التى تتأرجح شهرتها ما بين كونها الغطاء العسكرى للتحركات العسكرية الأمريكية فى مختلف أنحاء العالم من ناحية، والحلف الذى يعمل على الحفاظ على الأمن العالمى من ناحية أخرى.

وجاءت الزيارة بعد قرار تمثيل دبلوماسى مقيم لمصر لدى الحلف، لأول مرة، حيث سيشغل السفير إيهاب فوزى، سفير مصر ببروكسل، منصب سفير مصر لدى الناتو أيضاً ما يفتح الباب أمام القاهرة لطرح رؤيتها الخاصة فيما يتعلق بأهم القضايا السياسية والتحديات الأمنية فى منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

1- بروكسل عاصمة القارة العجوز

كل ما تراه فى بروكسيل، يذكرك أنك فى قلب القارة العجوز، شوارع قديمة تعود بعضها لأواخر القرن الـ17، ومبانى تجمع بين الجمال والعراقة، حيث تم إدراج الساحة المركزية فى المدينة على قائمة التراث العالمى لليونسكو، أما رائحة الشوكولاتة الساحرة المنتشرة فى الأجواء تمنحك الإحساس بالدفء والسعادة وتساعدك على تجاوز الشعور ببرودة الجو.

ومن أشهر معالم المدينة تمثال منيكين المنحوت من البرونز عام 1619، موجود فى متحف المدينة، وهو لطفل يتبول واقفاً، تسجيلاً لحكاية بول طفل أطفأ حريقاً ضخماً ولولاه لتم محو بلجيكا كلها.

2- حلف الناتو

رغم الإجراءات الأمنية المشددة التى تسبق دخول مقر «ناتو» إلا أن الإحساس أنك ستدخل ثكنة عسكرية يتلاشى مع أول الخطوات داخل المبنى الضخم، لتكتشف أنك أمام مبنى إدارى ضخم يضم محال للهدايا التذكارية، قاعات محاضرات، ومطاعم تشبه الموجودة بفنادق القاهرة العريقة، خصوصاً مع تجول مزيج متعدد الأطياف والجنسيات من رجال السياسة والعسكرية.فى أروقة المكان.

لم أنتظر كثيراً لإرضاء فضولى بشأن الحلف فى ظل مجموعة من اللقاءات مع عدد من مسئوليه دارت خلالها مناقشات مختلفة حول دور الناتو مع التركيز على منطقة الشرق الأوسط والقضايا الشائكة المتعلقة بعلاقة الحلف بالمنطقة.

«ناتو»، هو تحالف عسكرى حكومى قائم على أساس معاهدة شمال الأطلنطى، والتى تم التوقيع عليها فى 4 إبريل 1949، ويشكل تنظيماً لنظام الدفاع الجماعى لـ28 دولة أوروبية وأمريكية، فى مواجهة هجوم أى طرف خارجى، وأحدث الأعضاء، ألبانيا وكرواتيا.

وتشارك 22 بلداً إضافياً فى شراكة الناتو لبرنامج السلام الدولى، مع 15 دولة أخرى تشارك فى إضفاء الطابع المؤسسى، فى برامج الحوار، ويصل حجم الإنفاق العسكرى لأعضاء المنظمة أكثر من 70٪ من إجمالى الإنفاق العالمى، ويمثل نصيب كل دولة 2٪ من الناتج المحلى الإجمالى لها.

وارتبط الحلف بالحرب الباردة بين الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، من ناحية، و»حلف وارسو» المعسكر الاشتراكى بقيادة الاتحاد السوفيتى السابق من ناحية أخرى، وقام الحلف على مبدأ منع الغزو السوفيتى للدول الأعضاء بالحلف.

وبعد سقوط حائط برلين فى عام 1989، ونهاية الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتى، كان هناك اعتقاد بنهاية دور الناتو، ولكن الحلف تدخل عسكرياً فى البوسنة 1992-1995، ثم يوغوسلافيا فى عام 1999، وعلى الصعيد السياسى، سعت المنظمة لعلاقات أفضل مع دول حلف وارسو السابقة، والعديد منها انضمت إلى الحلف بين عامى 1999 و2004.

ويعد مبدأ الدفاع الجماعى هو الركيزة الأساسية التى يقوم عليها الحلف، فأى هجوم على أحد أعضائه يعد بمثابة هجوم على كل الدول الأعضاء، تم استدعاء المادة 5 من معاهدة الحلف والتى تدعو الدول الأعضاء لمساعدة أى عضو بالناتو يواجه هجوماً مسلحاً، للمرة الأولى والوحيدة بعد هجمات 11 سبتمبر، حيث تم نشر القوات فى أفغانستان تحت مظلة الناتو، فى العملية إيساف عام 2003 والتى استمرت حتى وقت قريب، بهدف تمكين الحكومة الأفغانية من توفير الأمن فى جميع أنحاء البلاد، لضمان ألا تصبح أفغانستان مرة أخرى ملاذاً للإرهابيين.

قامت المنظمة بمجموعة من الأدوار الإضافية منذ ذلك الحين، بما فى ذلك إرسال مدربين إلى العراق، والمساعدة فى عمليات مكافحة القرصنة، وفى عام 2011، فرضت منطقة حظر جوى فوق ليبيا، وفق قرار مجلس الأمن رقم 1973.

هذه الأدوار المتعددة للناتو فى منطقة الشرق الأوسط بالتحديد، تدفع بكثير من التساؤلات حول مدى نجاح الحلف فى مهامه المختلفة، فرغم ضخامة العملية إيساف إلا أن الوضع فى أفغانستان ليس أفضل ما يكون، فتنظيم القاعدة لايزال موجوداً وبقوة، مع توقع مركز ستراتفور الاستخباراتى الأمريكى، بأن عام 2017 سيشهد صعوداً جديداً للتنظيم.

أما الوضع فى العراق فهو يبدو أنه يزداد سوءا كل يوم فى ظل مواجهات مستمرة مع تنظيم داعش، ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لليبيا التى غرقت فى صراعات داخلية وامتدت إلى حدودها الوطنية أذرع تنظيم داعش الإرهابى، بعد تدخل الناتو، الذى بدا وكأنه مهد الأرض لصناعة حالة التصدع الأمنى الذى يهدد مستقبل الدولة الليبية.

3- مكافحة الإرهاب

تعرضت المناقشات التى دارت داخل الحلف بين مجموعة من المسئولين والوفد المصرى لقضية الإرهاب بشكل أساسى، ويعتبر الحلف أن الإرهاب يشكل تهديداً مباشرا لأمن مواطنى الدول الأعضاء بالحلف ويهدد الاستقرار والازدهار الدولى، وهو التهديد العالمى المستمر الذى لا يعترف بالحدود أو الجنسية أو الدين ويجب على المجتمع الدولى التصدى له.

ويركز عمل حلف الناتو فى مجال مكافحة الإرهاب على تحسين الوعى بالتهديد، وتطوير القدرات التأهب والاستجابة، وتعزيز التواصل مع البلدان الشريكة وغيرها من الجهات الفاعلة الدولية، والمقصود برفع درجة الوعى هو دعم السلطات الوطنية لضمان الوعى المشترك للتهديد الإرهابى من خلال المشاورات وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعزيز والتحليل الاستراتيجى المستمر والتقييم.

ويستند التحليل الاستخباراتى فى الناتو على مساهمات من أجهزة استخبارات الحلفاء، على الصعيدين الداخلى والخارجى، المدنية والعسكرية، وتطورت طريقة تعامل الناتو مع المعلومات الحساسة تدريجياً، على أساس مجموعة من القرارات المتعاقبة التى عملت على الإصلاح المستمر لأجهزة المخابرات للدول الأعضاء منذ عام 2010.

ومن ضمن فوائد وحدة الاستخبارات فى مقر الحلف السماح بزيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الأعضاء بالتحالف، وإنتاج التقارير التحليلية المتعلقة بالإرهاب وصلاته مع التهديدات الأخرى العابرة للحدود.

يستمر تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الناتو ووكالات البلدان الشريكة من خلال وحدة الاستخبارات فى مقر الناتو فى بروكسل، وخلية تنسيق الاستخبارات فى قيادة عمليات الحلفاء «أكو» فى مونس ببلجيكا، بجانب المشاورات اليومية داخل التحالف، ودعوة خبراء من مجموعة واسعة من الخلفيات لاطلاع الحلفاء على مجالات محددة فى مكافحة الإرهاب.

كما يسعى الحلف إلى ضمان أن يكون لدى الدول الأعضاء والشريكة القدرات الكافية لمنع والحماية ضد أو الرد على التهديدات الإرهابية، كما تعد تنمية القدرات والعمل على التقنيات المبتكرة هى جزء من الأعمال الأساسية للناتو، وتطوير الإمكانيات لمواجهة التهديدات غير التقليدية بما فى ذلك الإرهاب واستخدام الأسلحة غير التقليدية، هى ذات أهمية خاصة.

ولكن هذه الجهود المهمة فى مجال مكافحة الإرهاب يقابلها حقيقة أن تركيا العضو فى الحلف تعد من أكبر الدول الداعمة للإرهاب، وهى الحقيقة التى لا تتغير بمجرد اعتراف الحلف أن تركيا شريك صعب، أو أنها استفاقت أخيرا وبدأت فى مواجهة الإرهاب بعد أن أصبح يهدد أراضيها.

4- الشرق الأوسط

عند الحديث عن دور الحلف فى منطقة الشرق الأوسط، كان يجب الإشارة إلى الحوار المتوسطى والذى تأسس لأول مرة عام 1994، هو منتدى للتعاون بين الناتو وسبع دول تطل على البحر المتوسط، وهى مصر، الجزائر، تونس، المغرب، موريتانيا، الأردن وإسرائيل، وهدفه المعلن هو تحسين التفاهم المتبادل والثقة فى جميع أنحاء المنطقة، وتعزيز أمنها.

ويعكس الحوار المتوسطى، إيمان الناتو بأن الأمن فى أوروبا مرتبط بمنطقة البحر المتوسط، كما يعزز ويكمل الشراكة الأوروبية المتوسطية ومنظمة الأمن والتعاون فى مبادرة البحر الأبيض المتوسط فى أوروبا.

وتم تعزيز دور الناتو فى المنطقة بتأسيس مبادرة إسطنبول عام 2004 وتضم 4 دول خليجية هى الكويت، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، وقطر، ويأمل الحلف فى انضمام السعودية وعمان للمبادرة، فى نفس الإطار أسس الناتو العديد من المبادرات فى منطقة المتوسط من ضمنها مركز فى إيطاليا لمزيد من الفهم للتحديات القادمة من جنوب المتوسط.

يذكر أنه فى أعقاب الهجمات الإرهابية 9/11، بدأ الحلف على الفور فى اتخاذ التدابير اللازمة لتوسيع الخيارات المتاحة للتصدى لخطر الإرهاب الدولى، فى أكتوبر 2001، حيث أطلقت عملية المراقبة البحرية التى تركز على اكتشاف ومنع النشاط الإرهابى فى البحر المتوسط، تم إنهاء هذه العملية فى أكتوبر 2016 واستبدالها بعملية حراس البحر وهى عملية بحرية مرنة قادرة على أداء مجموعة كاملة من المهام الأمنية البحرية، ويمتد نشاط الحلف لدعم الاتحاد الإفريقى من خلال بعثات حفظ السلام فى القارة السمراء والتى بدأت منذ يونيو 2007.

5- شراكة مهمة

«لسنا بحاجة للدخول مع آخرين فى حروب من أجل الدفاع عن أنفسنا، ولكننا فى حاجة للتعاون مع آخرين»، يعكس هذا الشعار الاستراتيجية التى يعمل من خلالها الحلف لتوطيد علاقاته بمختلف دول العالم، وذلك بحسب مسئولى الحلف الذين التقوا الوفد المصرى.

ومن المؤكد أن توسيع نطاق العلاقات بين مصر والناتو على المستوى الثنائى أو الإقليمى، يندرج تحت شعار الشراكة الصعبة، فى الوقت الذى يسعى فيه الحلف إلى لعب دور أكبر فى منطقة الشرق الأوسط.

وعكست الزيارة حرص الناتو على توطيد علاقته بمصر وتمديد سبل التعاون بين البلدين فى ظل توافر تمثيل دائم لمصر بالحلف، من خلال السفير إيهاب فوزى، حيث كشفت الزيارة إدراك الحلف أن سمعته فى الشارع العربى تحتاج جهداً كبيراً لتصحيح صورته.

فى هذا الإطار كشف الحلف عن مواقفه من القضايا العربية المختلفة، وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هناك ثبات فى موقف الحلف فيما يتعلق بالاستعداد للعب دور «الوسيط النزيه» فى حالة التوافق على هذا الطلب من قبل جميع الأطراف.

أما القضية السورية الشائكة، فإن الحلف يدعو للتوصل لحل سياسى، وتبقى القضية الليبية بمثابة المشكلة الكبرى فى علاقة الحلف بالعرب، ويعترف الحلف بأن تدخله فى 2011، للإطاحة بنظام معمر القذافى، ساهم بالفعل فى تصاعد المشهد المتوتر بالداخل الليبى الذى يشهد انقسامات وصراعات، يبدو أنها ستستمر طويلاً.

وكانت حكومة فايز السراج، طلبت من الحلف التدخل فى ليبيا، ولكن الناتو يدرك صعوبة الوضع لهذا كان حريصاً على أن يكون تدخله فى ظل وجود أساس سياسى متين من قبل بقية اللاعبين السياسيين بما فى ذلك الشعب الليبى، مع الحرص على إجراء حوار مع مصر لمعرفة ماذا يمكن توقعه فى المشهد الليبى، حيث لايريد الحلف أن يكون طرفاً فى الصراع، بالإضافة لموافقة دول الجوار على التدخل، بما فى ذلك جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقى.

الأمر الآخر أن الناتو لن يتدخل بمفرده فى ليبيا ولكن بالتعاون مع غيره من المنظمات الدولية، مثل مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبى، كما أنه لن يرسل جنوده إلى ليبيا ولكنه سيكتفى بتدريب قوات الأمن الليبية لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

كشفت الحوارات التى دارت فى أروقة الناتو مع الوفد المصرى، أن الشراكة بين الحلف ومختلف الدول تقوم على مجموعة من المعايير، حيث يتعامل مع كل دولة بشكل منفرد، ولكل دولة تحديد احتياجاتها المختلفة من هذه الشراكة.

وكشفت اللقاءات عن وجهة نظر الناتو فيما يتعلق بشراكته مع مصر، حيث أشار المسئولون إلى أن مستقبل الدولة المصرية يواجه تحدياً مصيرياً من جانب الإرهاب لتأثيره على الدخل القومى والسياحة، وما يتبعه من مشكلات اقتصادية، وأن أحد الأهداف الأساسية للسعى لشراكة مع مصر والدخول فى حوار مع الدول العربية هو محاولة البحث فى العالم الإسلامى عن أصول مشكلة الإرهاب.

ويعتقد الناتو أن لديه القدرة على المساعدة فى هذه المواجهة وبالتحديد الاستفادة من الخبرة العسكرية للناتو للحد من التهديدات الإرهابية، وإلى جانب مكافحة الإرهاب، يعد برنامج نزع الألغام فى العلمين من المجالات المهمة التى يشملها التعاون بين مصر والناتو.

6- الأسئلة الصعبة

أسئلة عديدة تفرضها شراكة مصر مع الحلف فى ظل مشهد سياسى يجمع بين التعقيد والتوتر العسكرى، وتشهد توازنات القوى فى منطقة الشرق الأوسط كثيراً من التغيرات فى ظل تحالفات عديدة تلعب فيها المصلحة دور البطولة.

من مصلحة مصر أن تجمعها علاقات عميقة وقوية بمختلف الكيانات التى تأخذ فى اعتبارها دور مصر الإقليمى والدولى، فى ظل هذا الواقع الجديد تأتى شراكة مصر مع الناتو كخطوة مهمة ولكنها صعبة بالتأكيد فى ظل سمعة الحلف غير الطيبة فى الشارع العربى.

فى هذا الإطار أكد السفير إيهاب فوزى، أهمية التمثيل الدبلوماسى المصرى لأول مرة فى الناتو، ووصفه بأنه «خطوة مهمة وإيجابية» للبناء على العلاقة الثنائية بين مصر والحلف والتى من شأنها فتح مجالات جديدة للتعاون بين الجانبين.

ومن المؤكد أن هذه الشراكة مهمة ولكنها محاطة بأسئلة تحتاج إجابات عملية وواضحة من حلف الناتو، حيث تحدث مسئولو الناتو عن التهديدات الأمنية الجنوبية التى تدفعهم للتعاون مع دول العالم العربى، ولكنه لم يتطرق بعمق إلى التهديدات الأمنية القادمة من الشمال والتى تشكل تهديداً حقيقياً للأمن العالمى، إذ يوجد تنظيم داعش فى الشرق الأوسط، ولكن العوامل التى تمنحه القدرة للبقاء على قيد الحياة تأتى من الشمال.

على سبيل المثال الإرهابيون الأجانب الذين يتدفقون من أوروبا للانضمام للتنظيم ويحتلون الصفوف الثانية والثالثة، ورغم أن عملية انتقال هؤلاء تتم من خلال طرق معروفة لأجهزة الاستخبارات الغربية وبدعم مباشر من المخابرات التركية، التى تشرف على عمليات انتقال هؤلاء الإرهابيين من أراضيها إلى الحدود السورية، إلا أن الدول الغربية لم تلعب دوراً حقيقياً فى منع هذا التدفق.

ويبدو أن الدول الغربية لم تنتبه لخطورة هذه الظاهرة إلا مع الهزائم التى بدأت تلاحق داعش فى العراق الأمر الذى أثار حالة من الذعر الغربى من عودة الإرهابيين الأجانب لتهديد أوطانهم الأصلية.

وتحدث معنا مسئولو الحلف عن الجهود الكبيرة التى يبذلها الحلف فى مجال مكافحة جرائم الإنترنت التى تشكل تهديداً حقيقياً للعالم، ولكنهم أغفلوا عمليات التجنيد التى يقوم بها تنظيم داعش عبر الإنترنت، وتدفق التمويل اللوجستى والعسكرى للتنظيم من خلال عمليات عبر الشبكة العنكبوتية وعبر وسطاء غربيين، كما أن الذخائر لا تزال تصل إليهم.

سألت أحد مسئولى الناتو عما إذا كان للحلف استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب لا تسفر عن ظهور تنظيمات إرهابية جديدة، كما حدث فى الحرب على تنظيم القاعدة، فبعد 16 عاماً من محاربة تنظيم القاعدة فى أفغانستان، لايزال التنظيم قائماً وتعددت فروعه فى دول الخليج وشمال إفريقيا، كما ظهر فى العراق تنظيم داعش الذى يعد أكثر دموية من القاعدة، ولكن المسئول أجاب بأن السؤال صعب.

فى نهاية الرحلة التى استمرت لـ4 أيام نصفها بأروقة الحلف من المهم الإشارة إلى أن الدبلوماسية المصرية العريقة قادرة على إدارة شراكتها بالحلف على نحو يخدم مصالح مصر ويعزز دورها الإقليمى والدولى.